بعدما واظب على مدى 21 عاماً على تغطية أحداث لبنان، تحوّل مكتب جريدة «الشرق الأوسط» في بيروت إلى الحدَث بعينه. وسائل إعلام مقروءة ومرئية ومسموعة تناوبت على زيارة المكتب الكائن في مبنى «برج الغزال» - الاشرفية لتكتب الخبر عن صانع الخبر.في الطبقة الحادية عشرة من المبنى، حيث مكاتب الصحيفة، تستقبل أعدادها الممزقة والمبعثرة الزائرين بدءاً من المدخل، فيما تصبح معالم التخريب أكثر وضوحاً بين المكاتب. فهناك الفوضى أكبر، وتعمّد محدِثوها الغاضبون التعبير على طريقتهم عن احتجاجهم على ما اعتبروه كاريكاتوراً مسيئاً للبنان قامت «الشرق الأوسط» بنشره على صفحاتها.ورغم الاعتداء، لم يتغيّب الزملاء الصحافيون عن المكتب. فعلى جري العادة، حضروا صباحاً إلى عملهم لتغطية الأحداث، فتوزعوا على مكاتبهم وشرعوا بالإعداد للعدد الجديد الذي سيصدر ككل يوم من دون أي تأخير.مدير مكتب الصحيفة في بيروت ثائر عباس روى لـ «الراي»، التي زارت الزميلة «الشرق الأوسط» للوقوف على ما حصل والسؤال عن الإجراءات التي ستتخذها بحق المعتدين، ما جرى مساء أول من أمس، فلفت إلى أن «مجموعة من الشبان أقدمت قبيل نهاية الدوام اليومي على الدخول إلى المكتب بطريقة واضحة أظهرها تصوير هذه المجموعة لفيديو، ما يدّل على أنها لا تخجل من فعلتها لا بل تعلن عنها»، مشيراً إلى أن «هذه المجموعة تعبّر، في رأيها، عن احتجاجها على ما اعتبرته إساءة إلى الدولة في لبنان، في حين أن هؤلاء الشبان كانوا هم بتصرفهم هذا يسيئون إلى الدولة ومنطقها».وتابع: «بإمكان مَن لديه أي مشكلة مع (الشرق الأوسط) استخدام منطق الدولة، والتوجه إلى محكمة المطبوعات»، مذكّراً بأن الصحيفة «أصدرت بياناً توضيحياً لهذا الكاريكاتور، أشرنا فيه بشكل واضح جداً إلى أن هذا الكاريكاتور قد يكون فُهم خطأ وإلى أن المقصود منه أن لبنان يعيش كذبة كبيرة في ظل محاولات الهيمنة على قراره بسبب أوضاعه التي لا تخفى على أحد»، مشدداً على «أننا في المقابل سنستخدم منطق الدولة، وسنتابع هذه المسألة عبر القانون».وعن تفسيره لرد الفعل على الكاريكاتور وما إذا كان فعلاً سياسياً أم مجرد اعتداء لغاضبين، أجاب: «أحب أن أفكر وأن أصدّق أن هذه المسألة هي عبارة عن استعراض إعلامي لأشخاص يحبون الظهور والتعبير عن موقفهم بطريقتهم الخاصة، حتى يثبت العكس».عباس أكد، رداً على سؤال «الراي» عن سبب عدم قيام «الشرق الأوسط» بتشديد الإجراءات الأمنية تحسباً لأي ردة فعل نتيجة الكاريكاتور «أننا لم نعتبر أنفسنا يوماً مستهدَفين، فهذا المكتب موجود في بيروت منذ العام 1995، وهو لم يتوقف يوماً عن القيام بعمله في كل ما مرّ على لبنان من ظروف وأحداث. فنحن لم نشعر يوماً بأننا مهدَّدون لأننا نقوم بعملنا بأكبر قدر ممكن من المهنية، واعتبرنا أن معاييرنا المهنية تحمينا»، مجدداً التأكيد أنه «كان على مَن شعر بانزعاج من الكاريكاتور اللجوء إلى محكمة المطبوعات لتقديم دعوى».وإذ شدد على أن «المقتحمين معروفون بالكامل من القوى الأمنية»، كشف أن وزير الداخلية نهاد المشنوق أعلمه أنه «تم توقيف أحد المقتحمين، ولدى السلطات الأمنية كامل هويات المقتحمين، وبالتالي سيصل لكل واحد منهم الدور (للتوقيف)».وعمّا إذا كانت «الشرق الأوسط» ستزيد من إجراءاتها الأمنية بعد ما تعرضت له من اعتداء، قال عباس: «لا أتصور ذلك، سنكون أكثر وعياً ربما، ولكن لا أتصوّر أن بالإمكان اتخاذ إجراءات أكثر من المتّخَذة حالياً، فنحن موجودون في مبنى ضخم وتحتنا سريّة جي، فماذا بإمكاننا أن نفعل أكثر؟».وحول احتمال أن تعتذر الصحيفة عن الكاريكاتور، ذكر:«(الشرق الأوسط) لم تعتذر، بل أوضحت قصدها في بيان رسمي، ولأننا اعتبرنا أن هذه المسألة أثارت حساسية سحبنا الكاريكاتور عن الموقع الإلكتروني»، خاتماً بتأكيد أن«(الشرق الأوسط) مستمرة في بيروت ولن تتوقف، لا بل تنوي تطوير عملها هنا».