شكّل اللقاء الذي عقده الرئيس السابق للحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري في موسكو مع الرئيس فلاديمير بوتين امس حدَثاً سياسياً انطلاقاً من الدور الذي تضطلع به روسيا في الملف السوري ومن المساعي التي يبذلها الحريري للإسراع في إنهاء الشغور الرئاسي في لبنان انطلاقاً من مبادرته التي تقوم على تأييد ترشيح النائب سليمان فرنجية.وتطرّق لقاء بوتين - الحريري الذي استمر ساعة وتوّج محادثات الأخير على مدى يومين في العاصمة الروسية، الى مختلف ملفات الساعة ولا سيما الأزمة السورية والجهود المحورية المبذولة لإنهائها وفق حلٍّ سياسي عزّز فرصه القرار الروسي المفاجىء ببدء الانسحاب العسكري، الى جانب الواقع اللبناني بمختلف تشعباته ولا سيما الانتخابات الرئاسية التي تبدي موسكو رغبة في إجرائها سريعاً وانتخاب الرئيس المسيحي لإعادة التوازن في لبنان والمنطقة، اضافة الى قضية النازحين السوريين ودعم الجيش.وتترقب الاوساط السياسية ما سيتكشّف من مباحثات الحريري في موسكو وما اذا كانت الأخيرة ستلعب دوراً في التواصل مع ايران لوضع حدّ للفراغ في سدة الرئاسة الاولى المستمرّ منذ نحو عامين.وكان الحريري قال في تصريحات صحافية من موسكو عشية اللقاء مع بوتين ان «الهدف من زيارته لروسيا وضع لبنان على سلّم أولويات الاهتمام في المنطقة»، مشيراً إلى أن الفراغ الرئاسي الذي يجب حلّه داخلياً يحتاج أيضاً إلى مساعدة من أصدقاء لبنان وحلفائه في الخارج و«نحن نعتبر موسكو صديقة للبنان وكنا دائماً على علاقة جيدة معها»، موضحاً أن المشكلة القائمة في سوريا حالياً هي ذات شقين «الأول هو الدولة الإسلامية (داعش) والثاني بشار الأسد»، مؤكّداً أن غالبية اللاعبين الإقليميين والدوليين يريدون وضع حل نهائي للأزمة في سورية و«الإطاحة بداعش أمر مهم جداً لكن بشار الأسد هو من سمح لأناس مثل داعش بالوجود».ولفت الى «ان المملكة العربية السعودية وإيران ستجلسان في نهاية الأمر إلى طاولة المفاوضات للبحث في جميع المشاكل القائمة بينهما، إذ إن المملكة لا تريد علاقات سيئة مع إيران لكن التدخّل الإيراني في شؤون الدول العربية الداخلية لا يسمح ببناء جو الثقة الضروري بين البلدين».من ناحية ثانية، تنهمك بيروت في تفكيك «ألغام» قضايا محلّية «تنمو» على هامش «المعضلة الأم» التي تأْسر مجمل الواقع اللبناني، والمتمثلة في انتخابات رئاسة الجمهورية المعلّقة على حبال الاشتباك الاقليمي منذ 24 مايو الماضي.ولولا الحركة الدولية التصاعُدية في اتجاه لبنان والتي تُركِّز على «ثلاثي» دعم الجيش لموجهة الإرهاب، والحضّ على ملء الفراغ الرئاسي بمعزل عن انتظار «الفرَج» الاقليمي، ومساعدة بيروت لتحمل عبء النازحين السوريين، لكانت البلاد مأخوذة بالكامل الى عناوين مثل فضيحة الانترنت غير الشرعي وجهاز أمن الدولة وترشيحات لبنان الى الأمانة العامة لمنظمة «اليونيسكو» وتلزيمات تحسين التجهيزات في مطار رفيق الحريري الدولي وتشريع الضرورة و«فزّاعة» التوطين، وغيرها من الملفات التي، وعلى أهميتها، تكرّس العجز عن «وضع الإصبع على الجرح» الأخطر الذي بات يستنزف كل المؤسسات وحوّل لبنان «ورقة» على طاولة التسويات المقبلة والمتمثل في الشغور في الموقع الدستوري الاول.وبدا ان إرجاء رئيس البرلمان نبيه بري جلسة الحوار الوطني التي كانت مقررة الاربعاء الماضي (بعد وفاة والدة الرئيس تمام سلام) الى 20 ابريل المقبل كان هدفه داخلي وخارجي متداخل.في الشقّ المحلي، اعتبرت أوساط سياسية ان بري فضّل إفساح المزيد من الوقت امام الاتصالات وإعطاء فسحة زمنية لتبريد الأجواء ولا سيما بينه وبين العماد ميشال عون اللذين تسود علاقتهما سخونة لافتة، على خلفية لم تعد خافية وتتصل بموقف بري من الانتخابات الرئاسية ودعمه ترشيح النائب سليمان فرنجية، المدعوم ايضاً من الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط.اما الشقّ الخارجي، فيتّصل في رغبة رئيس البرلمان بجلاء صورة مجموعة محطات بارزة من شأنها ان تعطي مؤشراً واضحاً الى مستقبل الوضع في المنطقة بما ينعكس تلقائياً على لبنان. وأبرز هذه المحطات: أوّلاً استئناف المفاوضات السورية الأسبوع المقبل مبدئياً على وقْع ملامح تَفاهُمٍ أميركي - روسي على خريطة طريق للحلّ أوحت مواقف الرئيس بشار الاسد «التراجعية» في الأيام الأخيرة بأنه «استشعر» مدى جدّيتها. ثانياً، المفاوضات بين طرفيْ الصراع في اليمن التي تستضيفها الكويت في 18 ابريل والتي من شأنها تحديد مسار الأزمة اليمينة، وثالثاً إعلان وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة ان «سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد أبلغ الى قادة دول مجلس التعاون رغبة إيران بفتح صفحة جديدة».ومعلوم ان الرئيس بري يراهن في شكل أساسي على إعادة المياه الى مجاريها بين ايران ودول الخليج وعلى المفاوضات اليمنية في الكويت كواحد من المؤشرات الرئيسية على هذا الصعيد.وتتّجه الأنظار الى زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لبيروت في 16 و17 الجاري والتي يقفز فيها فوق الاعتبار البروتوكولي المتمثل في غياب رئيس للجمهورية، باعتبار انها ستتوّج الاهتمام الدولي المتجدد بلبنان واستقراره ومساندته في تحمل عبء النازحين ودعم جيشه والتشجيع على ملء الفراغ الرئاسي في أقرب وقت، فيما نقلت صحيفة «النهار» ان «ثمة جانباً ملموساً بارزاً يتوقع ان يواكب زيارة الرئيس الفرنسي وهو اعلانه من بيروت توافق باريس والمملكة العربية السعودية على ابقاء صفقة الاسلحة الفرنسية التي جمدتها المملكة ضمن هبة الثلاثة مليارات دولار للجيش اللبناني في فرنسا وعدم تخصيصها لأيّ جهة أخرى بما فيها الجيش السعودي لإعادة منحها للبنان في الوقت الملائم».