شكّلت وفاة والدة رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام السيدة تميمة رضا مردم بك، ما يشبه «استراحة ما قبل العاصفة» السياسية التي تراكمتْ المؤشرات الى «هبوبها» في الأيام الماضية، وكان مقدَّراً ان تنطلق أولى «جولات عصْفها» من جلسة الحوار الوطني التي كانت مقرَّرة أمس، وبعدها جلسة الحكومة التي كانت محدَّدة اليوم، قبل ان يتم إرجاء هاتين المحطتيْن ما أتاح «شراء وقت» إضافي وتأجيل نقل البلاد الى مرحلة من التأزيم الإضافي الذي يتداخل فيه الصراع المرتبط بالفراغ في رئاسة الجمهورية مع «الحروب الصغيرة» المتصلة بعناوين ذات أبعاد طائفية.وبدا واضحاً امس، ان «الوقت المستقطع» الذي فرضتْه وفاة والدة سلام، لن يساعد في «سكْب مياهٍ باردة» على السخونة الداخلية التي كانت ارتفعت بقوة في الفترة الأخيرة على خلفية 3 ملفات، أوّلها تداعيات زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي - مون لبيروت ومقاطعتها من وزير الخارجية جبران باسيل اعتراضاً على السياسات الدولية في مقاربة ملف النازحين السوريين، ثانيها دخول البرلمان في مرحلة التشريع والتحضيرات لجلسة عامة يعقدها، والثالث جهاز أمن الدولة وصراع الصلاحيات بين رئيسه المسيحي الكاثوليكي (اللواء جورج قرعة) ونائبه الشيعي (العميد محمد الطفيلي).وكان يفترض ان يُطرح امس، على جولة الحوار الوطني بند التشريع في البرلمان والذي تقاطعت عنده بالدرجة الاولى كل عناصر الخلاف المستفحل بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وبين زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون والذي تشكل الانتخابات الرئاسية «فتيله» الرئيسي في ضوء دعم بري لترشيح النائب سليمان فرنجية للرئاسة.وفيما كانت الأنظار شاخصة الى كيفية القفز فوق ما كانت توافقتْ عليه كتلتا «القوات اللبنانية» و«التيار الحر» لجهة مقاطعة أيّ جلسة تشريعية ما لم يكن قانون الانتخاب البند الأول على جدول أعمالها وهو ما التزم به سابقاً ايضاً الرئيس سعد الحريري، رفع عون سقف التصعيد بوجه بري الذي حاول استخدام زيارة بان وما تخللها من توقيع اتفاقات ومساعدات للبنان للضغط نحو الإفراج عن التشريع في البرلمان، فأعلن تكتله النيابي انه «في ضوء تطور الأمور سلباً باتجاه ضرب الميثاق والإمعان في ضربه (عبر عدم انتخاب رئيس الجمهورية الأكثر تمثيلاً)، فلا جلسة تشريع ما دام الميثاق غير مُطبّق».ورغم تكرار «التيار الحر» ان اي جلسة نيابية تحت عنوان «تشريع الضرورة» تبقى محصورة بالمبدأ المتعلق بإعادة تكوين السلطة كقانون الانتخاب، والتشريع المالي الضروري الذي يقطع مرور الزمن على حقوق الدولة، وهو الموقف الذي تلاقيه «القوات اللبنانية»، فإن عدم توافق اللجنة النيابية المصغرة على رؤية واحدة لقانون الانتخاب يجعل طرْحه على الهيئة العامة مستبعداً، ما يعني عملياً ان الجلسة التشريعية التي يضغط بري لعقدها ستكون عرضة لعيْب الميثاقية اذ سيغيب عنها الممثلون الوازنون للمكوّن المسيحي («الكتائب اللبنانية» ستغيب ايضاً لرفضها اي تشريع في غياب رئيس الجمهورية).وفيما سادت أجواء أوحت بامكان البحث في خيار إدراج قانون الانتخاب على جدول أعمال الجلسة التشريعية على ان يصار فور طرْحه الى إحالته على اللجان بفعل عدم حصول توافق على صيغة مشتركة للتصويت عليها، بدا ان الحماوة السياسية التي ارتفعت على تخوم هذا الملف وزيارة بان كي - مون جعلت من الصعب تَصوُّر احتمال بلوغ تفاهمات الحدّ الأدنى على تمرير اي جلسة تشريعية، وسط انطباع بأن الأطراف المسيحيين الرئيسيين («التيار الحر» و«القوات») يستخدمون هذه الورقة لمزيد من الضغط في الاستحقاق الرئاسي لمصلحة عون.واذا كان تيار «المستقبل» الذي يقوده سعد الحريري يتمسك بضرورة السير بتشريع الضرورة في الأمور الملحّة، فان «سوء العلاقة» بينه وبين حليفه في «14 آذار» - «القوات اللبنانية» - منذ افتراقهما في الملفّ الرئاسي، اضافة الى انفجار الموقف بينه وبين عون، يجعلان الأنظار مركّزة حول المدى الذي سيبلغه في تأييده هذا النوع من التشريع في ظل اعتراض المكوّن المسيحي، وسط انطباعٍ بصعوبة إقناع المسيحيين بـ «أرنب» إدراج قانون الانتخاب شكلاً لتأجيل بتّه والقفز فوقه الى جدول الأعمال العادي.وكان تكتّل عون صوّب بعد اجتماعه (اول من امس) على «المستقبل» ملمحاً الى مسؤوليته عن مصير النازحين السوريين انطلاقاً مما سبق ان اشار اليه الوزير باسيل عن أطراف داخلية «متواطئة» لإبقاء النازحين في لبنان لأسباب «مذهبية وفئوية وسياسية»، لتكمل «كتلة المستقبل» الهجوم على باسيل الذي يمنح لبنان «أكبر كمية من الإخفاقات والنكبات التي تضر بلبنان وشعبه ومصالحه»، داعية اياه الى «تقديم الاعتذار والتراجع عن الأخطاء التي ارتكبها، لا توجيه الاتهامات الى الأمين العام للأمم المتحدة والمساهمة في تشويه صورة لبنان وسمعته امام المجتمع الدولي».وكان من المنتظر ان يحضر هذا الملف على طاولة مجلس الوزراء اليوم (لولا إرجائها) وذلك على لسان بعض الوزراء، ما أنذر بامكان احتدام الموقف ولا سيما ان رئيس الحكومة كان عبّر عن انزعاجه الكبير من مقاربة زيارة بان كي- مون من زاوية موضوع التشكيك في توطين اللاجئين السوريين، وهو ما كرره امس، ممثله في المؤتمر المصرفي العربي السنوي لعام 2016 وزير البيئة محمد المشنوق اذ اكد رفض لبنان بكلّ فئاته توطين السوريين، معتبرا أن «مِن المعيب للبنان، أن نطلُبَ المساعدةَ لتحمُّل عبء النازحين، وعندما تأتي ننتقدُ حاملَها ونشكِّك في نياته ونتهمُهُ بالتآمر علينا»، مضيفاً: «كفى تلويحاً بشبح التوطين وتخويف اللبنانيين بهذه الفزّاعة. كفى تحريكاً لغرائز فئةٍ من اللبنانيين، وإغراقِها بكوابيس الخلل الديموغرافي. وكفى مزايدات كلامية تفاقم الازمة السياسية المستفحلة في البلاد».
خارجيات
سلام: كفى تلويحاً بشبح التوطين والتخويف بهذه الفزّاعة
«حماوة» سياسية على وهج صراع بري - عون
09:19 ص