كثير هم المستشرقون الذين تناولوا الحضارة العربية والديانة الإسلامية بالبحث والتحليل والنقد، ولا يكاد يمر يوم إلا وتجد أحدهم قد كتب كتابا أو خطّ مقالا يتحدث فيه عن أثر الحضارة العربية الإسلامية على النهضة الحديثة في أوروبا وذلك بعد عصور الظلام الوسطى التي عاشتها تلك القارة العجوز.والمكتبة العربية تعج بتلك الكتب التي تم ترجمتها بجهود متميزة من قبل دور النشر الرائدة في هذا المجال وقد كان لي الكثير من القراءات في تلك الكتب، ولحسن الحظ وبالصدفة فقط فقد ابتعت كتابا منذ مدة بسبب عنوانه الذي شدني دون أدنى معرفة بكاتبه وتاريخه وهويته.ومنذ أيام معدودات بدأت بتصفح الكتاب فأدهشني أسلوب العرض والتحليل وأحببت أن أشارككم بعض ما فيه من فائدة تستحق النقاش.والكتاب يحمل عنوان "الكتاب المقدس والقرآن الكريم والعلم" لمؤلفه الطبيب الفرنسي "موريس بوكاي" ومن ترجمة الدكتور منذر الحايك.أول ما يلفت النظر عند تصفح الكتاب أنه من طباعة دار نشر سورية في العام 2015، وهذا بحد ذاته أمر عجيب جدا نظرا لما تتعرض له سوريا حاليا من زلزال مدمر سيقضي على مستقبلها ووحدتها ومصير شعبها العربي العظيم.فأن يصدر كتاب في هذا الوقت بالتحديد من سوريا هو بمثابة إعلان رغبة جامحة بالحياة ومقاومة كل أنواع العدوان العسكري والثقافي والديني على تلك الدولة، ولا شك أني قد شعرت بنوع من السعادة الخفية عندما عرفت هذه الحقيقة فاطمأن قلبي إلى أن مستقبل هذه الأمة لا بد أن يكون مشرقا مهما طال ليلها، وأن لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس.والكاتب هو طبيب فرنسي متخصص بالباطنية وبدأت قصته الحقيقية مع الدين الإسلامي عندما تم اختياره طبيبا شخصيا لملك السعودية الراحل الملك فيصل بن عبدالعزيز وذلك بترشيح شخصي من الرئيس المصري أنور السادات.قرأ موريس بوكاي القرآن باللغة الفرنسية التي ترجمها سابقا أحد الفرنسيين والتي لم تشبع فضوله فتعلم العربية جيدا حتى أصبح يجيدها بالشكل الذي مكنه من التواصل مع الباحثين العرب وخاصة في مصر وتحديدا في موضوع عبور النبي موسى للبحر الأحمر مع قومه بني إسرائيل هربا من بطش فرعون وجنوده.يتكون الكتاب من عدة فصول تتمحور في عدة أمور رئيسية:أولا: قصة خلق الكون... كيف ومتى بدأت الحياة على الأرض.ثانيا: النظريات العلمية بين التوراة والإنجيل من جهة وبين القرآن من جهة أخرى.ثالثا: طوفان نوحرابعا: قصة فرعون موسى وتحديد شخصيته الحقيقية ومن هي جثة فرعون الموجودة في المتحف المصري.وبالنظر إلى المواضيع التي طرحها الكاتب فقد سبب بوكاي الكثير من الجدل في سبعينيات القرن الماضي بسبب ما توصل إليه من استنتاجات لم ترض الكثيرين من أتباع الديانتين اليهودية والمسيحية على الرغم من تأكيده مرارا وتكرارا أنه قد اتبع النهج العلمي الصرف في بحثه ولم يكن للعواطف أو المشاعر أي تأثير في استنتاجاته.ساق بوكاي العديد من الأدلة التي تثبت صحة ما ورد في القرآن الكريم وتطابقها التام مع النظريات العلمية التي أثبتها العلم الحديث آنذاك في حين سرد العديد من الأدلة في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد مما لا يتفق مع الحقائق العلمية.نالت قصة فرعون موسى القسط الأكبر من اهتمام المؤلف وتحديد هوية الفرعون الذي عاش في كنفه كليم الله موسى، ومن هو فرعون الذي طارده، وتوصل باستنتاجاته إلى أن رمسيس الثاني هو الفرعون الذي عاش عنده موسى، في حين أن من ابتلعه البحر ومات غرقا هو ابن رمسيس، مرنبتاح، حيث اكتشف الكاتب وجود الأملاح في حنجرة الفرعون، ثم لتبدأ حكايته مع الدين الإسلامي حين أخبره أحدهم أن قصة فرعون موسى الذي غرق قد تم ذكرها في القرآن وأن جثته ستبقى شاهدا على ذلك وهذا ما يتنافى تماما مع ما جاء في التوراة من أنه قد غرق هو وجنوده ولم يذكروا شيئا عن بدنه. وبالرغم من الاتهامات حينها في السبعينيات من القرن الماضي بأن سيدنا محمد قد استقى قصصه القرآني من التوراة والإنجيل إلا أن بوكاي قد فند هذا الادعاء بكل حيادية حيث قصة جثة هذا الفرعون واحدا من الأدلة القطعية التي ارتكز عليه في مناظرتهم وخاصة ما جاء في سورة يونس {فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون}.أيضا تناول الكاتب قصة طوفان سيدنا نوح والتي جاء ذكرها في التوراة بأن الطوفان قد غطى الأرض كلها عقابا للأمم الكافرة وهذا ما يخالف الأدلة العلمية الحديثة، في حين أن ما جاء في القرآن يؤكد أن هذا العقاب قد اختص الله به قوم نوح فقط وليس هنالك ما يشير إلى أنه قد حدث لكل سكان الأرض.هذا غيض من فيض مما تحدث فيه بوكاي وأشار فيه بإعجاب عن موضوع الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وتأكيده المطلق بأن هذا الكتاب لا يمكن أن يكون إلا وحي منزل من السماء.
محليات - ثقافة
مشهد / موريس بوكاي
د. زياد الوهر
05:48 ص