تتزايد في بيروت مظاهر انزلاق لبنان في اتجاه «الدولة الفاشلة»... ففي اللحظة التي يشتدّ الصراع في المنطقة على معاودة ترسيم الأدوار والخرائط والأحجام في مخاضٍ هائلٍ هو الأكثر عنفاً منذ قرن من الزمن، بدت بيروت امس وكأنها تطلق «21 قذيفة» احتفاءً بما يشبه «الإنجاز التاريخي» الذي استُنفرت من أجله وسائل الاعلام وخدمة «الخبر العاجل» وصدحت له المنابر، والمتمثل بإزاحة كابوس النفايات عن صدور مناطق عدة بعد ثمانية أشهر من العجز المستطير عن حل مشكلة القمامة التي تحوّلت «أزمة وطنية».فلبنان، الذي يدير ظهره لتحولات طاحنة في المنطقة، ولا سيما في جواره السوري، يمضي في «انتحارٍ» سياسي لا سابق له حتى في عزّ حروبه... فراغٌ في الداخل مع منْع انتخاب رئيسٍ للجمهورية منذ نحو عامين وشلّ الحكومة وتعطيل البرلمان، وعزلةٌ عن الخارج بعد الأزمة المستجدة مع الدول العربية والخليجية بسبب «مصادرة حزب الله لقرار الدولة اللبنانية»، والتعاطي الدولي معه على انه مجرّد «مستودع» لمليون ونصف مليون نازح سوري يحتاج وجودهم الى حد أدنى من المساعدة و... الاستقرار.ففي الأسبوع الطالع سيكون لبنان، المشغول بـ «حروبه الباردة» على موعد مع حركة لافتة لزوار دوليين، تبدأ غداً الاثنين بوصول الممثلة العليا للاتحاد الاوروبي للشؤون الخارجية والسياسية الامنية، نائبة رئيس المفوضية الاوروبية فيديريكا موغيريني، وتستكمل مع وصول الأمين العام للامم المتحدة بان كي - مون الاربعاء في زيارة تستمر يومين يرافقه فيها رئيس البنك الدولي جيم - يونغ كيم، في الوقت الذي كان غادر امس وزير المال علي حسن خليل الى واشنطن لمناقشة التداعيات المحتملة للعقوبات «المصرفية» على «حزب الله».ومن المواضح ان حركة الوفود الدولية في اتجاه لبنان تعكس اهتماماً بأوضاعه من زاويتين:الأولى ملف النازحين السوريين الذي يشغل العالم في ضوء القلق الاوروبي المتعاظم من «شظايا الإرهاب» الناجمة عنه وإمكان تقديم مساعدات للبنان لتمكينه من الصمود في اللحظة التي ينعكس الشلل المؤسساتي في بيروت عجزاً عن إدارة ملف المساعدات للبنان على غرار ما تَحقق في تركيا والاردن.اما الثانية فتتمثل في الفراغ الرئاسي المتمادي في لبنان والذي يثير قلق المجتمع الدولي الذي يرى ان تعطيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يشكل اضافة الى كونه طعنةً للديموقراطية وعدم احترام للاستحقاقات الدستورية، انكشافاً للحكم ومؤسساته على نحوٍ يهدّد الاستقرار العام في البلاد، وتالياً فإن لسان حال المجتمع الدولي هو إجراء انتخابات رئاسية «الآن» تفادياً للمجهول.غير ان الإلحاح الدولي لانتخاب رئيسٍ جديد يبقى صراخاً في الهواء نتيجة استمرار «حزب الله» في احتجاز هذا الاستحقاق عبر تَمسُّكه بمعادلة إما انتخاب حليفه المسيحي زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون رئيساً وإما لا رئاسة، وهو الأمر المرشّح للبقاء على حاله رغم وجود مرشّح آخر قريب من الحزب ويحظى بدعم فئات واسعة، وهو رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية.ولم يفشِ رئيس البرلمان نبيه بري، شريك «حزب الله» في «الثنائية الشيعية»، سراً في وقوفه الى جانب فرنجية المدعوم من زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط، لكن الجديد في الموقف الذي نُقل عن بري هو محاولته إقناع «حزب الله» بالسير بفرنجية قبل ان يصبح من المتعذّر انتخاب اي مرشح من «8 آذار»، اي عون او فرنجية، انطلاقاً من المتغيرات التي تشهدها المنطقة.وترافقتْ هذه المحاولة من بري، الذي التقى امس رئيس الحكومة تمام سلام، مع انكسار الجرّة بينه وبين العماد عون في ظلّ «حرب كلامية» متبادلة وقاسية بين وسائل إعلامهما، وهو الأمر الذي عكسه كلامٌ نقل امس عن بري الذي كرر امام زواره استياءه مما قاله صهر عون الوزير جبران باسيل في مجلس الوزراء لوزير المال علي حسن خليل (مستشار بري) عن «الذمية السياسية»، واضعاً مثل هذا الكلام في خانة «التقسيم والفدرلة وتفتيت وحدة الدولة والمجتمع، وأخذ لبنان إلى مرحلة تُهدّد بضياعه وانهياره».واذ عبّر بري عن مفاجأته من ان يكون عون بات على رأس تيّار يروّج للتقسيم والفيديرالية، خلص الى التشديد على «ان التقسيم خط أحمر، والحفاظ على وحدة لبنان مسألة لا يتقدمها أي أمر آخر وسنواجه مشاريع التقسيم حتى ولو اقتضى الأمر ان تكون المواجهة بالسلاح».وفي ظل هذه الأجواء تنتظر الدوائر المراقبة في بيروت ما سيقوله الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في حوارٍ تلفزيوني مطول يُبث غداً، وسط معلومات لـ «الراي»عن ان نصر الله سيقارب في المقابلة معه التهويل الاسرائيلي بالحرب ودور حزبه في ساحات عدة في المنطقة، اضافة الى الانسحاب الروسي من سورية ومغزاه وتداعياته.وعُلم في هذا السياق ان نصرالله سيعلن ان حزبه جاهز للحرب رغم اعتقاده ان اسرائيل لن تفعلها مهما قيل عن انها قد تعمل على استغلال سحب الغطاء العربي - الخليجي عن«حزب الله»واعتباره منظمة ارهابية، وتالياً سيركّز على ان اسرائيل غير قادرة على مواجهة قدرات«حزب الله»الحالية.واشارت المعلومات الى ان نصرالله سيعلن ان الرئيس السوري بشار الاسد أبلغ الى حلفائه بعزم روسيا على الانسحاب الجزئي من سورية، في معرض تأكيده ان هذا الأمر لم يتم بمعزل عن الأسد الذي يسود الاعتقاد بأنه أُبلغ بالقرار الروسي لكنه لم يُستشر به.ومن غير المؤكد اذا كان الامين العام لـ«حزب الله»سيتطرق الى ملابسات طلب روسيا من جيش الأسد والحرس الثوري الايراني و«حزب الله»عدم إكمال الحصار على حلب ووقف المعركة ضد جيش الفتح وجبهة النصرة وحلفائهما في حلب.وقالت دوائر مهتمة في بيروت ان«سوء تفاهم»بين روسيا ومحور«الممانعة»حصل مع اقتناع طهران ودمشق بأن ثمة تفاهماً تم بين واشنطن وموسكو على إدارة الملف السوري، وهو سوء تفاهم شبيهٍ بما جرى حين تراخت روسيا يوم تهديدات الولايات المتحدة بتوجيه ضربة عسكرية لدمشق لتجاوزها«الخط الاحمر»عبر استخدام السلاح الكيماوي في قصفها للغوطة الشرقية وأمكنة أخرى.وكشفت هذه الدوائر ان طهران عبّرت عن انزعاجها من الانسحاب الروسي بإبلاغ موسكو بـ«البريد السريع» مباشرتها تجهيز وحدات لإرسالها الى سورية لسدّ الفراغ الذي تركه الانسحاب الروسي في اطار محاولةٍ للقول للرئيس فلاديمير بوتين اننا سنستمر في المعركة معك او من دونك، وهي إشارة كافية الى ان ايران لا تعير المفاوضات الجارية بدعمٍ اميركي - روسي أي أهمية،خصوصاً ان مصير الأسد سيصبح على محك العملية السياسية.
خارجيات
هل يكشف نصرالله غداً عن «سوء التفاهم» بين «محور الممانعة» وروسيا؟
لبنان يتخلّص من نفاياته و«يطمر رأسه» في «الرمال المتحرّكة»
07:16 ص