جاء إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بدء الانسحاب الجزئي لقواته من سورية، بعد اجتماعه مع وزيري خارجيته ودفاعه الأسبوع الماضي، بعد تحقيق التدخل حسب الادعاءات التي أطلقت، غالبية الأهداف المرجوة، ليطرح علامات استفهام كثيرة حول توقيت الانسحاب والأسباب الحقيقية من ورائه والبدائل المتوقعة في التعامل مع القضية السورية الشائكة منذ سنوات عدة.الإعلان جاء مفاجئاً للجميع، خصوصا بعد تصريح وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم وبمباركة وتأكيد روسي متكرر، أن رئيس النظام السوري بشار السوري، هو خط أحمر، وأنه لن يقبل أي حوار يتحدث عن مقام الرئاسة وذلك قبل عقد مفاوضات جنيف التي استؤنفت الأسبوع الماضي بين النظام والمعارضة بإشراف الأمم المتحدة، وما يؤكد عنصر المفاجئة التقارير الصادرة من أن إدارة الرئيس الأميركي براك أوباما شعرت بإحراج شديد جداً وهي تستمع إلى أنباء الانسحاب الفوري والجزئي للقوات الروسية عبر وسائل الإعلام من دون علم مسبق منها، فبدوا عاجزين عن الإجابة على أي سؤال حول هذه القرارات التي تمت.وبعد هذا القرار وبعيداً عن العاطفة، هل كان القرار الروسي هروباً من جحيم حرب داخلية أكلت الأخضر واليابس، وأرهقت أرواح مئات الآلاف وشردت ملايين الأبرياء من دون ذنب سوى أنهم سوريون، أم أن هناك صفقة خفية بين روسيا المرهقة اقتصادياً وسياسياً وجهات أخرى بهذا الشأن؟الكل يعلم أن روسيا ومنذ اندلاع الأزمة السورية وهي تقف جنباً إلى جنب مع نظام بشار الأسد وتدعمه بكل قوة، بل إنها هي السبب الرئيس في بقاء النظام والحفاظ على قوته وتمسكه بزمام السلطة حتى الآن لأسباب واضحة ومعروفة للجميع لا يسع المقال لسردها. لكن الأهم من ذلك، هل حقق التدخل العسكري الروسي الأهداف الحقيقية والذي يهدف وفقاً لما هو معلن محاربة التنظيمات الإسلامية المتشددة، وباطنه القضاء على المعارضة السورية المعتدلة؟ بكل بساطة لا. وهذا يجيب بكل وضوح عن الشق الأول من السؤال.لكن لماذا الآن؟ من المعروف أن أكثر من نصف الدخل القومي الروسي يعتمد في الأساس على العائدات الناجمة من بيع النفط والغاز الذي شهد انخفاضات ضخمة خلال عام مضى، عانت من خلاله روسيا تضخماً غير مسبوق استنزف من خلاله صناديق الدولة السيادية، ليضحى الاقتصاد الروسي أكثر هشاشة، خصوصا مع ضخ مليارات الدولارات في حربها مع أوكرانيا وتدخلها في سورية، وفي ظل هذه الظروف الصعبة أعتقد أن النظام الروسي وجد نفسه في وضع لا بد من خلاله من عقد صفقات واتفاقات دولية تساهم نوعاً ما إلى استعادة النفط لعافيته في المستقبل المنظور.ولندرك أهمية النفط على روسيا، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأسبوع الماضي تحقيقاً موسعاً حول دور النفط في رسم السياسة الخارجية للملكة العربية السعودية، جاء فيه أن الاتحاد السوفياتي، القوة الشيوعية العظمى، التي كان يعتمد اقتصادها كلياً على صادرات النفط والغاز، انهارت فعلياً بسبب قرار السعودية إغراق الأسواق بالنفط بتوجيه وإيعاز من إدارة الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان، ما أدى إلى انهيار أسعار النفط وترك الاتحاد السوفياتي يعيش في فوضى كبرى، وأضحى ماضياً من التاريخ القديم.ودللت الصحيفة على ذلك بما ذكره الخبير الاقتصادي الروسي ايغور غايدار «يمكننا أن نعيد الخط الزمني لانهيار الاتحاد السوفياتي إلى 13 سبتمبر 1985، حين أعلن وزير البترول السعودي السابق، أن السعودية قرّرت تغيير سياساتها النفطية بشكلٍ جذري».فهل الانسحاب الروسي جاء بعد صفقة، مقابل العمل على تعزيز أسعار النفط في السوق العالمي الذي يعاني حالياً، في محاولة روسية حقيقية لعدم تكرار حادثة انهيار الاتحاد السوفياتي؟ سؤال ستجيب عنه الأيام المقبلة والإجابة عنه ستحدد في شكل واضح مستقبل سورية!Email: boadeeb@yahoo.com