إذا كان اللبنانيون تَنفّسوا الصعداء، مساء أول من أمس، بعد تَوصُّل الحكومة الى إقرار خطةٍ لإنهاء أزمة النفايات التي تمادت منذ ثمانية أشهر والتي ستواجه الآن اختبار الحزم الحكومي في تنفيذها، نظراً الى استمرار الاعتراضات عليها من اتجاهات عدة، فإن ذلك لا يعني ان المشهد الداخلي يتّجه الى انفراجاتٍ حقيقية في معالمه العامة.ذلك ان تداعيات الإحراج اللبناني حيال القرارات العربية والخليجية الحازمة في شأن تصنيف «حزب الله» تنظيماً ارهابياً،مرشّحة لمزيد من التفاقم، كما ان التطورات الداخلية لا توحي بأي صدقية كافية للتوقعات المتفائلة بإمكان انتخاب رئيس للجمهورية قريباً، كتلك التي أطلقها اخيراً كلٌّ من رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس السابق للحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري، بدليل ان الركن الثالث الحليف لهما النائب وليد جنبلاط أطلق من باريس التي كان في زيارتها تصريحاتٍ متشائمة بإمكان التوصل الى انتخاب رئيسٍ ما دام «حزب الله» يعطّل الاستحقاق.يضاف الى ذلك عامل طارئ أمني برز في الأيام الأخيرة وتَمثّل في مقتل ثلاثة مواطنين كويتيين تباعاً في غضون 48 ساعة، الأمر الذي رسم ملامح قلقٍ حيال احتمال استهداف مقصود للرعايا الكويتيين المقيمين في لبنان، على قلّتهم.ولكن مصادر وزارية بارزة سعت الى تبديد ما وصفته بالصورة التشاؤمية بدءاً بقضية مقتل المواطنين الكويتيين، فقالت لـ «الراي» ان مجمل التقارير عن نتائج التحقيقات الأمنية التي أجرتها الأجهزة المعنية والتي أُبلغت الى المسؤولين اللبنانيين والسفارة الكويتية في بيروت تثبت ان لا استهداف مقصوداً للرعايا الكويتيين إلا من منطلق عمليات السرقة وعصابات الخطف والسرقة التي يتورط فيها خاصة سوريون نازحون، مما يضفي على هذا التطور السلبي طابع تداعيات النزوح السوري الى لبنان، أكثر من أيّ طابع آخر.وقالت المصادر ان هذه القضية حازت اهتماماً استثنائياً من جانب الجهات الحكومية والرسمية سواء عقب الجلسة الماراثونية لمجلس الوزراء أول من أمس، والتي كانت مخصصة لإقرار خطة النفايات، اذ ان الاتصالات تكثفت لمعالجة تداعيات الجريمتين اللتين ذهب ضحيتهما الكويتيون الثلاثة وتسريع التحقيقات الجارية فيهما واتخاذ كل الخطوات الاستباقية منعاً للأثر الشديد السلبية الذي يمكن ان يعممه الانطباع بوجود استهدافٍ للرعايا الكويتيين الامر، الذي يضع لبنان في مواجهةٍ إضافية مع تداعياتٍ خطيرة بإزاء الكويت التي تُعدّ إحدى أعرق الدول في صداقتها معه.ولفتت المصادر عيْنها الى ان ما ساهم في تبديد هذا الانطباع هو السرعة الاستثنائية التي تَحققت في كشف ملابسات الجريمتين وتوقيف المجرمين، الأمر الذي منع اي توظيف خاطئ او مقصود لتشويه العلاقات اللبنانية - الكويتية.اما من الناحية الأخرى المتصلة بإنجاز خطة معالجة أزمة النفايات، فأكدت المصادر ان الساعات السبع التي استغرقتها جلسة مجلس الوزراء أول من أمس والتي تَسابقت فيها مع عودة الحراك المدني بقوّة لافتة الى الشارع احتجاجاً على تمادي الأزمة، أنقذت الحكومة فعلاً من خطر التداعي النهائي. ذلك ان رئيس الحكومة تمام سلام بدا في أقصى درجات الجدية بل في ختام إنهاء مراحل صبره والتحفز للخروج من قاعة جلسات مجلس الوزراء لإعلان استقالته، لو لم يُتخذ القرار النهائي بإقرار الخطة التي تعتمد فتح ثلاثة مطامر للنفايات في الشويفات وبرج حمود والناعمة، مع إعطاء حوافز مالية وإنمائية ضخمة للبلديات المعنية في المناطق الثلاث.واكدت المصادر وجود قرار سياسي كبير جداً وراء إقرار الخطة مهما كلفت، وانخرطت فيه القوى السياسية الأساسية ولا سيما منها «تيار المستقبل» و«حزب الله» وحركة «امل» وكتلة جنبلاط لإنقاذ الحكومة من خطر السقوط أمام أزمة النفايات، التي تحولت فتيلاً اجتماعياً خطيراً ينذر باضطرابات هائلة على أبواب الربيع والصيف.وقد أثارت الخطة الكثير من التحفظات والاعتراضات من داخل الحكومة ووجهت بمضي الحراك المدني في اعتصاماته وتظاهراته في وسط بيروت مع دعوته الى اضراب عام اليوم يتخلله قطع طرق، كما ينتظر ان تثير مزيداً من التعقيدات في الساعات المقبلة من جانب قوى محلية. الا ان المصادر الوزارية بدت واثقة هذه المرة من ان عملية التنفيذ ستبدأ بالدوران مطلع الاسبوع مهما كلف الأمر، علماً ان الأموال التي رُصدت للخطة مع الحوافز الفورية والبعيدة المدى للبلديات تُعتبر ضخمة للغاية، الأمر الذي سيكون كفيلاً بتمرير الخطة في النهاية.ومع ذلك، من غير المستبعد ان تبرز بعض العقبات التي ستحتاج الى مزيد من المساعي والمعالجات علماً ان اقتراب موعد الانتخابات البلدية في لبنان في مايو المقبل يرتّب على الحكومة التحسب لمزيد من المزايدات والمطالب الصعبة ما لم تظهر الحزم الكافي المدعوم سياسياً وحتى أمنياً اذا اقتضى الأمر في تنفيذ الخطة كما أُقرّت.