انخفض صوت المدافع في سورية ومعه مستوى أنهار الدماء التي ارتوت بدماء السوريين على مدى خمسة أعوام، وذلك بعد دخول اتفاق «وقف الأعمال العدائية» الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة وروسيا في بيان رسمي يوم 23 فبراير 2016، حيز التنفيذ في 27 من الشهر نفسه.الاتفاق الذي نص على وقف إطلاق النار بين الفصائل التي تقبل الالتزام به، استثنى تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة».وفيما اعلن النظام السوري موافقته عليه، ربطت المعارضة قبولها به ببعض الشروط، حيث أشارت هيئة المفاوضات العليا، التي تمثل معظم فصائل المعارضة، في بيان صدر عقب اجتماعها في السعودية إلى أنها «ملتزمة إنجاح الجهود الدولية التي تهدف إلى إنهاء سفك الدماء في سورية» لكن «قبول الهدنة مشروط» بتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 2254، الذي يدعو جميع الأطراف إلى رفع الحصار، والسماح بايصال المساعدات، ووقف الغارات الجوية، والقصف المدفعي على المدنيين، وإطلاق المعتقلين.الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، اعتبرت أن الهدنة في سورية يجب ان تكون مفتوحة زمنياً، نافية ما أعلنته بعض الأطراف حول تحديد مدة أسبوعين لها مشيرة الى انها انتُهكت 31 مرة، ومؤكدة ان «تصريحات عدد من كبار المسؤولين في واشنطن حول وجود خطة ب، أو أي خطط بديلة في سورية في حال استمرت الأعمال القتالية، ستبقى مجرد كلمات».و«الخطة ب»، هي الخطة البديلة التي طرحها وزير الخارجية الأميركي جون كيري في شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ والتي يرفض المسؤولون الأميركيون الحديث عن تفاصيلها، لكن وحسب ما اعلنه القائد السابق لقوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) الجنرال الأميركي جيمس سترافيدس، فان هذه الخطة تتضمن عملاً برياً وإقامة منطقة حظر للطيران، وستشارك فيها قوات أردنية وسعودية.وفي الوقت الذي اشادت زاخاروفا بجهود الجانب الاميركي وتحديداً كيري من أجل التوصل إلى الاتفاق حول الهدنة، قفز الى واجهة الاهتمام طرح نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، فكرة إنشاء جمهورية فيديرالية، وهو المطلب الذي يطالب به الأكراد، معتبراً أن على السوريين وضع معايير محددة للهيكلة السياسية في سورية المستقبل، تعتمد على المحافظة على وحدة أراضي البلاد، بما في ذلك إمكان إنشاء جمهورية فيديرالية.من جانبه، اعتبر رئيس مركز البحوث الاستراتيجية لمجمع تشخيص مصلحة النظام في ايران علي اكبر ولايتي ان «الهدنة في سورية ذريعة لتغيير حكومة الرئيس بشار الاسد»، مؤكداً ان «اي قرار حول الحكومة السورية يتخذ فقط من خلال ارادة الشعب السوري وليس من خلال قرار الامم المتحدة او حكومات اخرى».وفي غمرة كل هذا الصخب السياسي حول سورية كيف تنظر المعارضة السورية إلى الهدنة والى طرح الفيديرالية و«الخطة ب» ومعها مستقبل سورية؟نائب رئيس الائتلاف الوطني السوري الدكتور هشام مروة، لا يخفي خشيته من عدم التزام النظام بالهدنة، وقال لـ «الراي»: «لم تغب عن عيون المعارضة للحظة امكان خرق النظام للهدنة وهو لم يلتزم بها منذ ساعاتها الاولى، والخروق التي سُجلت كبيرة جداً إن على مستوى الغارات أو الصواريخ أو محاولة تقدمه في بعض المناطق، وهو لن يلتزم ما لم يشعر بأن هناك إرادة دولية حقيقية لفرض وقف اطلاق النار وبالتالي سيحاول قدر الامكان التملص من الالتزامات الى ان تأتيه رسالة واضحة وحازمة، كما حصل عندما استخدم الكيماوي في 21-8-2014 وتوقف في في ذلك الوقت لمدة معينة بفعل الارادة الدولية».وعن «الخطة ب» التي جرى الحديث عنها في حال سقوط الهدنة، وعما اذا كان من مظلة دولية لمثل ذلك القرار؟ أجاب: «يجب ان تكون (الخطة ب) جاهزة وحازمة، وإلا لن تؤثر على النظام. ولا أتوقع ان تتجاوز (الخطة ب) دعم المعارضة بالأسلحة اللازمة للدفاع عن نفسها، ومن الممكن أن تشمل مزيداً من الضغوط على النظام وحلفائه من أجل التراجع نسبياً أو القبول بالحل السياسي في النهاية».وعن كيفية قراءته للتلميحات الروسية الى امكان ذهاب سورية إلى الفيديرالية وعما اذا كان يشكل ذلك انعكاساً واقعياً للصراع، رد: «التصريحات عن الفيديرالية غير مقبولة بالنسبة الينا، ومستقبل سورية يقرره الشعب السوري في ظل ظروف طبيعية وليس استثنائية كالحالة التي نعيشها. والحديث عن جعل سورية كانتونات هو لارضاء حلفاء روسيا واسترضاء بعض القوى الانفصالية الموجودة في سورية، لهذا تطرح روسيا هذا الطرح بقصد جذبهم إلى مشروعها لكن لا النظام ولا المعارضة ولا غالبية السوريين يقبلون بتقسيم سورية».وعما اذا كان لنتائج الانتخابات الايرانية اي انعكاس على مسار الصراع في سورية، قال: «كما يعلم الجميع فان القائد الحقيقي في ايران ليس رئيس الجمهورية ولا مَن ينجح في الانتخابات بل المرشد العام للثورة ولذلك لا أتوقع حدوث أي تغيير لكننا نأمل خيراً».ثمة مَن يعتقد بأن واشنطن تقف خلف موسكو في التعاطي مع الصراع في سورية، فهل تسمح التوازنات الدولية في بلوغ المفاوضات حول سورية نهاية سعيدة؟ يجيب: «نرجو ذلك، لكن بوجود نظام ليس لديه ما يخسره بالحل العسكري نستبعد نتيجة ايجابية للمفاوضات، ونقول ان الارادة الدولية الجدية هي التي تعطي أملاً بنجاح المفاوضات».هناك أكثر من خيار لانهاء الصراع في سورية، حسب مروة، الذي شرح ان «الخيار الذي نحبه هو انتقال سياسي للسلطة عبر المفاوضات وتشكيل هيئة حاكمة انتقالية، والخيار الثاني الذي لا نحب أن يكون، هو استمرار الصراع لفترة طويلة جداً بحيث يجد الطرفان انه لا بد من الحل السياسي، أما الحلّ الثالث فهو انتهاء الصراع لمصلحة الشعب، فالشعوب لا تُهزم لكن يكلفها مسيرة طويلة من النضال».وختم لـ «الراي»: «ما زلنا نأمل أن يتحقق الحل السياسي من خلال إرادة دولية ودعم جدي من الأصدقاء للشعب الذي يقود معركة العرب ضد مشروع طائفي في المنطقة، ولذلك اي انهيار في مشروع الثورة السورية سينعكس على المنطقة بشكل دراماتيكي».من ناحيته، رفض رئيس تيار بناء الدولة السورية الكاتب السياسي لؤي حسين عبر «الراي» ان يتحدث عن «هدنة»، بل كما قال «هو وقف اطلاق نارٍ بقرار اميركي - روسي محمي من هاتين الدولتين، وهو نهائي ودائم ولن ينهار، أما الخروق التي جرت، اذا صحت الادعاءات بها، فهي بسيطة جداً نسبة إلى نقاط الاشتباكات على كامل المساحة السورية، وهذه الخروق لم تتسبب بقتل أعداد كبيرة، فقد نجحنا خلال هذه الأيام في حماية الدم السوري من الهدر المجاني».حسين يجزم بأن وقت اطلاق النار الذي تشهده سورية هو «إنهاء للقتال السوري - السوري، اي الحاصل بين النظام والقوى المعارضة له، حيث سيبدأ القتال بين النظام والمعارضة والقوى الكردية من جهة وبين داعش والنصرة من جهة أخرى وربما بعض المجموعات الأخرى التي تلحق بهذين التنظيمين».وعن قراءته لدعوة الرئيس بشار الاسد المعارضة الى إلقاء سلاحها مقابل العفو عنها، قال: «الاسد لا يقرأ الواقع تماماً، وهو يظن أنه انتصر بوقف اطلاق النار، لكن اي وقف للنار هو في ذاته دليل على عدم انتصار اي طرف. ولو كان الاسد منتصراً لما قبِل به».ورداً على سؤال حول الكلام الروسي عن الفيديرالية وعما اذا كان ذلك مؤشرا الى انهيار وحدتها، أجاب: «كلا، سورية واحدة. وهذه المقولات عن تقسيم المنطقة العربية والدول العربية هي مقولات ديماغوجية، اذ لا توجد دولة تريد تقسيم سورية، وما قاله الروس في هذا الشأن هو عبارة عن إزعاج او زكزكة للجانب التركي، ومناوشات روسية - تركية نعيشها منذ إسقاط الطائرة الروسية من الأتراك. فالفيديرالية تعني انه سيكون للاكراد اقليم شمال سورية له استقلالية، وهذه النقطة رد عليها الأتراك بصراحة بأنهم لن يقبلوا بنشوء كيان كردي في شمال سورية».وحين نقول له: ثمة مَن يتحدث عن «الخطة ب» في حال سقط وقف اطلاق النار، فأي اتجاه يمكن أن تأخذه التطورات؟ يقول: «لن يسقط وقف اطلاق النار لأنه لم يقم لإنهاء الأزمة السورية، فالقرار الروسي - الاميركي بإنهاء القتال جاء بهدف القضاء على داعش، وبالتالي لا يمكن أن ينهار، أما (الخطة ب) التي راجت على لسان وزير الخارجية الأميركي فأعتقد أن السيد كيري رماها كي تتدحرج اعلامياً ولا يوجد أي امكانية لأي خطة يمكن أن تجعل المنطقة تنهار، هناك مسار اعلامي لا علاقة له لما يجري على أرض الواقع».وإلى أين تتجه سورية؟ اكد حسين لـ «الراي»: «هذا هو السؤال الوحيد الذي لا يمكن الاجابة عنه. نعم صمتت المدافع في سورية، لكن يبقى السؤال ما هي الأصوات التي ستخرج الآن، فلا يوجد قوى سورية فاعلة كي تخرج أصواتها وهذا الأمر سيكون رهناً بالتوافقات أو التجاذبات الدولية، وبالتالي نحن ذاهبون إلى مستقبل سلمي لكنه سيئ جداً إذا بقيت الامور على حالها، فسنبقى نحن السوريين تحت سيطرة المسلحين إن كانوا ممن يسمى بالنظام او المعارضة، فهم المسيطرون على السلطات المركزية في المناطق».أما مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن، فوصف في حديث لـ «الراي» الهدنة بأنها «كسفينة من الممكن أن تأخذ سورية إلى بر الأمان أي إلى حكومة انتقالية تشرف على انتخابات برلمانية ورئاسية ديموقراطية، أما الخروق فكالأمواج التي تصيب هذه السفينة التي اذا دخلت في العاصفة ستغرق وتغرق معها سورية».وحمّل مسؤولية خروق وقف اطلاق النار الى النظام السوري وروسيا، حيث قال: «لا نعلم حتى اللحظة ما هي مناطق وقف اطلاق النار، لنعلم هل توجد خروق أم لا، لأن روسيا والولايات المتحدة ودي ميستورا لم يطرحوا لنا خريطة واضحة عن هذه المناطق، الا انه حتى ولو كانت هناك بعض الخروق فإن عدد الشهداء المدنيين الذين يسقطون خلالها أقلّ من الاعداد التي سقطت قبل يوم من وقف اطلاق النار».وعن آلية ارسال المساعدات إلى المناطق المحاصَرة وأعداد المحاصَرين أو بمعنى آخر الجائعين، رد: «هم يتحدثون عن أرقام صغيرة ونحن نتحدث عن ارقام كبيرة، لا نقول جائعين لأن هناك مواد تصل بالتهريب، لكن ليس الجميع قادرين على شرائها بسبب اسعارها الباهظة، ومع ذلك يمكن القول إننا نشاهد حالات جوع عند البعض، على عكس القادرين على شراء المواد الغذائية سواء لتلقيهم أموالاً من الخارج أو لكونهم ميسوري الحال».واضاف: «اليوم عدد قاطني المناطق المحاصَرة في شكل كامل يزيد على 500 ألف مواطن سوري، سواء في الغوطة الشرقية او في ريف حمص الشمالي أو حتى في الفوعا وكفريا ومدينة دير الزور، وتبقى قضية الحصار في ذاتها جريمة ضد الانسانية. فعندما يضعون على سبيل المثال في مضايا أكثر من 40 ألف نسمة في ظل حصار مطبق كسجن كبير، ومن مرة الى اخرى يقومون بإدخال مواد غذائية اليهم فهذا يُعتبر عاراً على المجتمع الدولي».لكن ماذا عن المخاوف الأميركية من تقسيم سورية والكلام الروسي عن الفيديرالية، وهل من مؤشر على تفكك سورية التي نعرفها؟ اجاب: «اذا لم يصل مركب الهدنة في سورية إلى بر الأمان ودخل في العاصفة سيغرق المركب ومعه سورية، وعندها نقول ان سورية في شكلها الحالي لن تعود في المستقبل، لأن المجتمع الدولي ساهم بصورة أو بأخرى ليس فقط في تدمير الحجر فيها بل بتدمير المجتمع السوري الذي قُسم في شكل واضح بين عرب وأكراد وبين سنّة وعلويين وما بين مسلمين ومسيحيين وطوائف أخرى. والمطلوب من الجميع ان يساهموا في ايصال مركب الهدنة إلى بر الأمان وإلا لم ولن نجد في المستقبل سورية لندافع عنها، علماً ان أحد المسؤولين الغربيين قال لي في شهر ابريل 2012: قسموا سورية وارتاحوا أفضل لكم».ومع اعتبار وقف النار تطوراً تاريخياً في مسار صراع الخمس سنوات في سورية، يُطرح سؤال حول عدد القتلى والجرحى والمهجرين قبل هذا التطور. وعن هذا يقول عبد الرحمن: «أكثر من 270 الفاً استشهدوا أو قُتلوا سواء من المدنيين أو من العسكريين المتقاتلين وما يزيد على مليوني جريح وهناك مئات آلاف حالات الاعاقة اضافة إلى أن نصف الشعب السوري وأكثر بين مهجر ونازح، ولم نشهد في تاريخ البشرية الحديث أكثر من نصف شعب يُهجر تحت عيون المجتمع الدولي».وأضاف: «أقول للعاقلين في الولايات المتحدة وحتى روسيا التي تهاجمنا لاننا نوثّق جرائمها، ان عليهم أن يعملوا على ايصال هذا البلد إلى بر الأمان لأن تفكك سورية سيؤثر على أوروبا وروسيا، وسيعود الشيشان والتركستان الموجودون في سورية الى روسيا ليقيموا المشاكل فيها، وستقع الكارثة على الجميع في اوروبا وغيرها. ولذلك عليهم ان يعملوا في شكل واضح للمحافظة على الهدنة والانتقال بسورية إلى حل سياسي دائم ينهي نظام بشار الأسد وتواجده في السلطة حتى لو كان بعد عام».وختم عبد الرحمن لـ«الراي» قائلا: «عندما ثار الشعب السوري على بشار الأسد في 18 مارس 2011 ثار من أجل الحرية والديموقراطية والعدالة والمساواة وليس من أجل الطائفية ومن أجل ان ينصر البغداي وكي تتفكك سورية. ولذلك المطلوب من الجميع العودة إلى العقل».