أشار بنك الكويت الوطني في ورقة بحثية اصدرها اخيرا، حول مشروع الوحدة النقدية لدول مجلس التعاون الخليجي، الى أنه من المتوقع أن يقوم وزراء مالية دول مجلس التعاون الخليجي خلال اجتماعهم المزمع انعقاده الأسبوع المقبل بالمصادقة على مقترح لانشاء مجلس النقد الخليجي كخطوة أولى نحو انشاء البنك المركزي الخليجي، ومن ثم رفعه للقمة الخليجية المرتقب عقدها في شهر نوفمبر. وفي حال تمت المصادقة على هذا المقترح، فان ذلك سيوفر دفعة قوية لمشروع العملة الخليجية الموحدة، حيث يتوقع أن يباشر مجلس النقد الجديد مهامه خلال عام 2009.
ورأى «الوطني» ان دور مجلس النقد قد يتركز في البداية على التحضيرات الفنية وتحسين آلية التنسيق. وعلى الأرجح، فان مجلس النقد الخليجي سيمارس مهامه بالموازاة مع البنوك المركزية لدول الخليج، الا أنه في الوقت ذاته لن يتمتع بسلطة رسمية أو ربما بسلطة محدودة جداً في ادارة السياسة النقدية، حيث سينحصر دور هذا المجلس بالدرجة الأولى في تحسين آلية التنسيق بين دول الخليج، وتشجيع عملية التقارب ما بين الأنظمة المالية، الى جانب القيام بالتحضيرات الفنية اللازمة لاصدار العملة الموحدة، وتوفير بيانات اقتصادية ومالية متجانسة عن دول المجلس باستخدام منهجية احتساب موحدة. كما انه قد يدير جزءا من احتياط العملات الأجنبية والذهب لدول مجلس التعاون الخليجي، والذي يقدر بنحو 150 مليار دولار.
التحول- مقارنة مع أوروبا
وقال «الوطني» في ورقته البحثية ان انشاء المجلس النقدي قد لا يتطلب تغيرات لوجيستية كبيرة في القطاع المالي، نظرا الى السلطة الرسمية المحدودة الممنوحة اليه، على الأقل في المدى القصير. وستبقى السياستان النقدية والمالية تعتمدان على مستوى كل دولة.
وعند المقارنة مع تجربة الاتحاد الاوروبي في مشروع توحيد عملته، رأى «الوطني» ان استعداد الدول الخليجية لمشروع الوحدة النقدية يبدو فقيرا نظرا الى التخطيط الحثيث وحملة التوعية العامة اللذين سبقا جهود الاتحاد الأوروبي، اذ عقب وضع الجدول الزمني في ماستخرت في العام 1992، لزم المجلس النقدي الأوروبي (EMI)- الذي أنشئ في العام 1994- 4 سنوات للتحول الى البنك المركزي الأوروبي، و4 سنوات أخرى لاطلاق السندات والقطع المعدنية الأوروبية. في المقابل، يبدو ان درجة التخطيط والتنسيق أقل بين الدول الخليجية.
كما ان التحول التقني في دول التعاون قد يصطدم بعقبتين رئيسيتين:
1 - بينما تعتمد الدول الخليجية نظام سعر صرف ثابت (عبر ربط عملاتها بالدولار باستثناء الكويت)، الا ان الاختلاف في كسور العملة بين الدول الخليجية قد يشكل عقبة امام التكامل.
2 - وعلى عكس أوروبا، يبدو ان مشروع العملة الموحدة لا يحظى بالدعم على المستوى السياسي الخليجي.
ومن هنا، ان انشاء المجلس النقدي لن يلغي جميع العقبات التقنية التي تواجه المشروع النقدي، كما انه لا يمكن القول ان انطلاق العملة الموحدة بات قريبا.
محفزات
لكن في الوقت نفسه، أكد «الوطني» انه من غير الحكمة ان تفترض المؤسسات المالية ان العملة الموحدة مشروع صعب التحقيق، اذ هناك اسباب عديدة تدعو الى الظن ان آلية التحول الخليجي- عندما تبدأ- قد تكون أسهل من التجربة الأوروبية، اهمها:
1 - ان حجم المشروع الخليجي أصغر بكثير من الأوروبي، ما يقلل التعقيدات اللوجيستية التي ترافق التعديلات في السياسات النقدية والتنسيق بينها. فعند اطلاق المجلس النقدي الأوروبي، مثلا، شارك في مشروع العملة الأوروبية الموحدة 12 دولة يبلغ حجم اقتصاداتها مجتمعة نحو 10 تريليونات دولار بالأسعار الحالية. بينما في الخليج، وحتى مع احتساب الاقتصاد العماني، فان المشروع يضم 6 دول فقط يبلغ حجم اقتصاداتها مجتمعة نحو تريليون دولار في العام الحالي.
2 - واقع ان المواطنين الخليجيين يتشاركون اللغة نفسها، قد يسهل عملية بناء المؤسسات المالية والنقدية. فالبنك المركزي الخليجي، مثلا، لن يواجه اي عقبة في تعيين افضل الموظفين والكوادر من المنطقة، كما ان هؤلاء لن يجدوا صعوبة في التواصل في ما بينهم.
3 - ان الهيكلية الاقتصادية المتشابهة للدول الخليجية ستساهم في توحيد الاهتمامات وتقليل هامش الاختلافات حول السياسات التي ينبغي اعتمادها، ما يسهل الوصول الى الغاية المنشودة. ويشكل الدور المسيطر الذي يلعبه القطاع النفطي في الاقتصادات الخليجية مثالا واضحا لهذا التشابه، والذي بدوره يساهم في توحيد الدورات الاقتصادية وتشابه الأثر الناجم عن اي صدمة قد يتعرض لها الاقتصاد.
والى جانب دور النفط، تبرز ايضا تشابهات في المنحى الديموغرافي بين الدول الخليجية، واعتماد القطاع الخاص على العمالة الأجنبية، انظمة الأمن الاجتماعي للمواطنين بموازاة شبكة الأسعار المدعومة، غياب قاعدة صناعية كبيرة، واعتماد نظام سعر صرف ثابت مربوط بالدولار (باستثناء الكويت).
4 - على الرغم من ان القطاع المالي يلعب دورا مهما في اقتصاد المنطقة، الا انه مازال جديدا نسبيا ويفتقد الى المرونة الى حد ما. وبلغ حجم اجمالي سوق الدين الحكومي الخليجي، مثلا، نحو 150 مليار دولار في نهاية العام الماضي، اي اقل من 2 في المئة من الدين الحكومي الأميركي البالغ 9.5 تريليون دولار المصدر حاليا، كما ان موعد استحقاق هذا الدين قصير الأجل في معظمه.
كما ان الجزء الأكبر من القيمة المضافة للقطاع المالي الخليجي يتركز في توجيه الثروات الشخصية أو توزيع ارباح الشركات الى المساهمين، نحو أسواق الأسهم، من دون دور يذكر للهندسة المالية او اكتشاق منتجات مالية معقدة.
التأثير على القطاع المالي
ورأى «الوطني» ان تحضيرات القطاع المالي للعملة الموحدة ستسلبه جزءاً من موارده البشرية التي يحتاجها في توسع نشاطاته. وفي الأجل القصير، لا يتوقع الوطني بأن يواجه تأسيس مجلس النقد أي مصاعب لوجستية تؤثر سلباً على الجهاز المالي لدول الخليج. وفي الواقع، هنالك العديد من الأسباب التي تدفعنا للاعتقاد بأن مباشرة المجلس لمهامه ستؤدي الى تكامل مالي أكبر بين دول الخليج وأكثر اتساقاً بالمقارنة مع دول أوروبا عندما طرحت عملة اليورو في تسعينات القرن الماضي. ولكن، هنالك مخاطرة رئيسية واحدة بخصوص هذا الطرح تتلخص في أن دول الخليج تعاني من نقص في العمالة الماهرة ذات الكفاءة المرتفعة، حيث أن العديد من القوى العاملة في القطاع المالي في دول الخليج سيتم تحويل مهامها نحو القضايا الفنية المرتبطة بالعملة الموحدة، وذلك بدلاً من توجيهها نحو ادارة التوسع في أنشطتها التجارية.
التأثير على الجهاز المالي
وقال «الوطني» ان رسم اطار السياسة النقدية الموحدة قد يلاقي تحديات أكبر من انشاء مجلس النقد. ومن وجهة نظر الجهاز المالي، فان الأهمية الأكبر تتجه نحو ما سيتم الاعلان عنه من مهام ملقاة على عاتق سلطة النقد والسياسات التي ستحكم آلية عمل السلطة. ومع أن ذلك يعد قراراً سياسياً، الا أنه لا بد من اصدار بعض القرارات كهدف البنك المركزي الخليجي، وأدوات السياسة النقدية التي ستستخدم لتحقيق الأهداف، ودرجة استقلالية البنك المركزي. ومما لا شك فيه أن مثل هذه القرارات ستأخذ وقتاً أطول قبل أن يتم اعتمادها.
ورأى «الوطني» ان دور مجلس النقد قد يتركز في البداية على التحضيرات الفنية وتحسين آلية التنسيق. وعلى الأرجح، فان مجلس النقد الخليجي سيمارس مهامه بالموازاة مع البنوك المركزية لدول الخليج، الا أنه في الوقت ذاته لن يتمتع بسلطة رسمية أو ربما بسلطة محدودة جداً في ادارة السياسة النقدية، حيث سينحصر دور هذا المجلس بالدرجة الأولى في تحسين آلية التنسيق بين دول الخليج، وتشجيع عملية التقارب ما بين الأنظمة المالية، الى جانب القيام بالتحضيرات الفنية اللازمة لاصدار العملة الموحدة، وتوفير بيانات اقتصادية ومالية متجانسة عن دول المجلس باستخدام منهجية احتساب موحدة. كما انه قد يدير جزءا من احتياط العملات الأجنبية والذهب لدول مجلس التعاون الخليجي، والذي يقدر بنحو 150 مليار دولار.
التحول- مقارنة مع أوروبا
وقال «الوطني» في ورقته البحثية ان انشاء المجلس النقدي قد لا يتطلب تغيرات لوجيستية كبيرة في القطاع المالي، نظرا الى السلطة الرسمية المحدودة الممنوحة اليه، على الأقل في المدى القصير. وستبقى السياستان النقدية والمالية تعتمدان على مستوى كل دولة.
وعند المقارنة مع تجربة الاتحاد الاوروبي في مشروع توحيد عملته، رأى «الوطني» ان استعداد الدول الخليجية لمشروع الوحدة النقدية يبدو فقيرا نظرا الى التخطيط الحثيث وحملة التوعية العامة اللذين سبقا جهود الاتحاد الأوروبي، اذ عقب وضع الجدول الزمني في ماستخرت في العام 1992، لزم المجلس النقدي الأوروبي (EMI)- الذي أنشئ في العام 1994- 4 سنوات للتحول الى البنك المركزي الأوروبي، و4 سنوات أخرى لاطلاق السندات والقطع المعدنية الأوروبية. في المقابل، يبدو ان درجة التخطيط والتنسيق أقل بين الدول الخليجية.
كما ان التحول التقني في دول التعاون قد يصطدم بعقبتين رئيسيتين:
1 - بينما تعتمد الدول الخليجية نظام سعر صرف ثابت (عبر ربط عملاتها بالدولار باستثناء الكويت)، الا ان الاختلاف في كسور العملة بين الدول الخليجية قد يشكل عقبة امام التكامل.
2 - وعلى عكس أوروبا، يبدو ان مشروع العملة الموحدة لا يحظى بالدعم على المستوى السياسي الخليجي.
ومن هنا، ان انشاء المجلس النقدي لن يلغي جميع العقبات التقنية التي تواجه المشروع النقدي، كما انه لا يمكن القول ان انطلاق العملة الموحدة بات قريبا.
محفزات
لكن في الوقت نفسه، أكد «الوطني» انه من غير الحكمة ان تفترض المؤسسات المالية ان العملة الموحدة مشروع صعب التحقيق، اذ هناك اسباب عديدة تدعو الى الظن ان آلية التحول الخليجي- عندما تبدأ- قد تكون أسهل من التجربة الأوروبية، اهمها:
1 - ان حجم المشروع الخليجي أصغر بكثير من الأوروبي، ما يقلل التعقيدات اللوجيستية التي ترافق التعديلات في السياسات النقدية والتنسيق بينها. فعند اطلاق المجلس النقدي الأوروبي، مثلا، شارك في مشروع العملة الأوروبية الموحدة 12 دولة يبلغ حجم اقتصاداتها مجتمعة نحو 10 تريليونات دولار بالأسعار الحالية. بينما في الخليج، وحتى مع احتساب الاقتصاد العماني، فان المشروع يضم 6 دول فقط يبلغ حجم اقتصاداتها مجتمعة نحو تريليون دولار في العام الحالي.
2 - واقع ان المواطنين الخليجيين يتشاركون اللغة نفسها، قد يسهل عملية بناء المؤسسات المالية والنقدية. فالبنك المركزي الخليجي، مثلا، لن يواجه اي عقبة في تعيين افضل الموظفين والكوادر من المنطقة، كما ان هؤلاء لن يجدوا صعوبة في التواصل في ما بينهم.
3 - ان الهيكلية الاقتصادية المتشابهة للدول الخليجية ستساهم في توحيد الاهتمامات وتقليل هامش الاختلافات حول السياسات التي ينبغي اعتمادها، ما يسهل الوصول الى الغاية المنشودة. ويشكل الدور المسيطر الذي يلعبه القطاع النفطي في الاقتصادات الخليجية مثالا واضحا لهذا التشابه، والذي بدوره يساهم في توحيد الدورات الاقتصادية وتشابه الأثر الناجم عن اي صدمة قد يتعرض لها الاقتصاد.
والى جانب دور النفط، تبرز ايضا تشابهات في المنحى الديموغرافي بين الدول الخليجية، واعتماد القطاع الخاص على العمالة الأجنبية، انظمة الأمن الاجتماعي للمواطنين بموازاة شبكة الأسعار المدعومة، غياب قاعدة صناعية كبيرة، واعتماد نظام سعر صرف ثابت مربوط بالدولار (باستثناء الكويت).
4 - على الرغم من ان القطاع المالي يلعب دورا مهما في اقتصاد المنطقة، الا انه مازال جديدا نسبيا ويفتقد الى المرونة الى حد ما. وبلغ حجم اجمالي سوق الدين الحكومي الخليجي، مثلا، نحو 150 مليار دولار في نهاية العام الماضي، اي اقل من 2 في المئة من الدين الحكومي الأميركي البالغ 9.5 تريليون دولار المصدر حاليا، كما ان موعد استحقاق هذا الدين قصير الأجل في معظمه.
كما ان الجزء الأكبر من القيمة المضافة للقطاع المالي الخليجي يتركز في توجيه الثروات الشخصية أو توزيع ارباح الشركات الى المساهمين، نحو أسواق الأسهم، من دون دور يذكر للهندسة المالية او اكتشاق منتجات مالية معقدة.
التأثير على القطاع المالي
ورأى «الوطني» ان تحضيرات القطاع المالي للعملة الموحدة ستسلبه جزءاً من موارده البشرية التي يحتاجها في توسع نشاطاته. وفي الأجل القصير، لا يتوقع الوطني بأن يواجه تأسيس مجلس النقد أي مصاعب لوجستية تؤثر سلباً على الجهاز المالي لدول الخليج. وفي الواقع، هنالك العديد من الأسباب التي تدفعنا للاعتقاد بأن مباشرة المجلس لمهامه ستؤدي الى تكامل مالي أكبر بين دول الخليج وأكثر اتساقاً بالمقارنة مع دول أوروبا عندما طرحت عملة اليورو في تسعينات القرن الماضي. ولكن، هنالك مخاطرة رئيسية واحدة بخصوص هذا الطرح تتلخص في أن دول الخليج تعاني من نقص في العمالة الماهرة ذات الكفاءة المرتفعة، حيث أن العديد من القوى العاملة في القطاع المالي في دول الخليج سيتم تحويل مهامها نحو القضايا الفنية المرتبطة بالعملة الموحدة، وذلك بدلاً من توجيهها نحو ادارة التوسع في أنشطتها التجارية.
التأثير على الجهاز المالي
وقال «الوطني» ان رسم اطار السياسة النقدية الموحدة قد يلاقي تحديات أكبر من انشاء مجلس النقد. ومن وجهة نظر الجهاز المالي، فان الأهمية الأكبر تتجه نحو ما سيتم الاعلان عنه من مهام ملقاة على عاتق سلطة النقد والسياسات التي ستحكم آلية عمل السلطة. ومع أن ذلك يعد قراراً سياسياً، الا أنه لا بد من اصدار بعض القرارات كهدف البنك المركزي الخليجي، وأدوات السياسة النقدية التي ستستخدم لتحقيق الأهداف، ودرجة استقلالية البنك المركزي. ومما لا شك فيه أن مثل هذه القرارات ستأخذ وقتاً أطول قبل أن يتم اعتمادها.