أعطى تَصاعُد الحملة الخليجية والعربية على «حزب الله» عبر تصنيفه «منظمة إرهابية» بُعداً جديداً، قد يكون الأخطر، لانعكاسات الصراع الإقليمي المتفجّر على لبنان.وبات لبنان عالقاً بين نارَي اشتداد تضييق الخناق على الحزب، نتيجة ما يعتبره العرب انخراطه المتمادي في أزمات سورية واليمن والعراق، وانكشاف أدوار أمنية له في الكويت والبحرين والسعودية وغيرها، وبلوغ الأزمة السياسية الداخلية مرحلة بالغة الدقّة في ظل الشغور الرئاسي المستمرّ وازدياد حال الاستقطاب المذهبي، على خلفية احتدام المواجهة الخليجية - العربية مع الحزب، وصولاً الى تلويح رئيس الحكومة تمام سلام أمس، بالاستقالة خلال ايام، ما لم تنجح القوى السياسية في توفير مخرج لأزمة النفايات المستمرّة منذ اكثر من 7 أشهر، وذلك على قاعدة «إما حلّ للنفايات وإما حلّ الحكومة».ورسمت الاندفاعة الخليجية - العربية الأخيرة سقفاً جديداً غير مسبوق من الأجواء الضاغطة على الحزب ولبنان، بحيث لم يعد ثمة شكوك بأن «الحرب» الخليجية على «حزب الله» لن تقف عند أي حد، وأن على لبنان أن يدرك بأن مقلباً أشدّ خطورة من الموجة الاولى من الاجراءات السعودية والخليجية في حقّه، قد انطلق الآن.ولعلّ المفارقة التي واكبت قرارَي مجلس التعاون الخليجي ووزراء الداخلية العرب في تونس بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، تمثّلت في تهيُّب داخلي لبناني من تداعيات التصنيفيْن، ولو أن السجالات السياسية، خصوصاً بين «تيار المستقبل» والحزب، تتضمن اتهامات للأخير، أقسى من التصنيف الارهابي. ولكن ثبت في الأسابيع الأخيرة، لا سيما بعد عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت في 14 فبراير الماضي، أن بقاء خيط الحوار الرفيع بين «المستقبل» والحزب، يشكّل آخر صمامات الأمان للاستقرار الداخلي، وأن هذا الخيْط لن يُقطع لئلا يفتح ذلك على الغارب، كل الاحتمالات الخطرة.وتعاملت الاوساط السياسية في قوى «14 آذار» بواقعيّة ملحوظة، مع خطوة وزير الداخلية نهاد المشنوق، التحفظ على تصنيف بيان وزراء الداخلية العرب «حزب الله» منظمة إرهابية، في مقابل موافقته على ادانة تصرّفات الحزب وسياسات ايران كمصدر لزعزعة السلام في المنطقة، ولو أن اكثر من جهة في هذا الفريق «14 آذار» وجّهت سهام الانتقاد الى هذا الموقف، فيما استفاد فريق العماد ميشال عون من هذا المعطى لـ «تبرئة» وزير الخارجية جبران باسيل، الذي حُمّل سياسياً مسؤولية خروج لبنان عن الإجماع العربي في مؤتمر وزراء الخارجية العرب والمؤتمر الاسلامي، لجهة إدانة الاعتداء على السفارة السعودية في طهران، وهو ما فجّر الغضبة الخليجية على لبنان.واوضح المشنوق في بيان انه دان تدخل «حزب الله» العسكري في الدول العربية، ووافق على البيان الختامي الصادر عن وزراء الداخلية العرب، الذين عقدوا اجتماعهم في تونس، لكنه اعترض على وصف الحزب بأنه إرهابي في المقررات «صوناً لعمل المؤسسات الدستورية الباقية في البلد، وبعد ان تحفّظ العراق ورفض المقررات، وبالتالي لم يكن هناك إجماع عربي».وأشارت تقارير الى ان «موقف المشنوق جاء بعد مناقشة هادئة مع رئيس الدورة وزير داخلية البحرين الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة، ووزير الداخلية السعودي ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، الذي طلب - بحسب صحيفة (السفير) - تسجيل موقف لبنان (التحفّظ) في محضر الجلسة، ليعكس بالتالي تفهّماً سعودياً للموقف اللبناني، سرعان ما انسحب على وزراء آخرين، بينهم وزير داخلية الإمارات الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، الذي اجتمع بالمشنوق بعد انتهاء الاجتماع الوزاري مباشرة».وتُرجمت الرغبة في رسْم خط فاصل بين الحملة الخليجية والعربية على «حزب الله» ومبرراتها، وبين موجبات منع انزلاق لبنان الى «الانفجار»، من خلال نأي الحكومة بنفسها بعد اجتماعها أمس، عن تصنيف الحزب منظمة ارهابية، مكتفية في مقرراتها بالاشارة الى انه جرى «التداول في موضوع المستجدات على الصعيد الإقليمي، وتم التوافق على التمسّك بمضمون البيان الذي أصدره مجلس الوزراء في جلسته السابقة» اي التي بحثت في سبل احتواء الانتكاسة في العلاقة مع السعودية.وعُلم انه خلال الجلسة، تم التطرق مطولا الى تصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، وانه بعد مداخلة للوزير باسيل، أكد وزير الحزب حسين الحاج حسن، ان «دول الخليج توازي إسرائيل» وهو ما فجّر سجالاً وردوداً من عدد من الوزراء، لا سيما من «14 آذار» ما استدعى أن يسحب الحاج حسن كلامه.كما أشارت المعلومات الى ان «المجتمعين أشادوا بموقف المشنوق خلال اجتماع وزراء الداخلية العرب، وخلصوا الى انه لا فارق بينه وبين الموقف السابق لوزير الخارجية»، وهو ما اعتبره الأخير «إنصافاً له» بعد الحملة عليه، قبل ان يسأل الحاضرين عن الموقف الواجب اتخاذه في اجتماع وزراء الخارجية العرب المقبل، فكان الجواب بوجوب التنسيق مع رئيس الحكومة والتزام بيان مجلس الوزراء في جلسته السابقة.وكان الحاج حسن اعلن قبيل الجلسة «أننا مقاومة، ونفخر اننا مقاومة، ونفخر اننا هزمنا العدو الصهيوني اكثر من مرة، ونفخر اننا نناصر الشعب اليمني والشعب البحريني، ونفخر اننا ندافع عن المنطقة وامنها ضد إسرائيل، وضد المشروع التكفيري، وبئس القرار والموقف والتصنيف الذي يتماهى ويتكامل مع الموقف والتصنيف الإسرائيلي».بدوره، رأى وزير «حزب الله» محمد فنيش أن «القرار الخليجي منسجم مع فتح العلاقات مع العدو الإسرئيلي، وهو انحراف، ولتغطية دعم الإرهاب التكفيري».