يمكن إجمال نتيجة الانتخابات البرلمانية الإيرانية بأنها انتهت إلى تأييد شعبي كبير لمؤيدي الاتفاق النووي، وما يستدعيه من تغيير في السياسة الإيرانية تجاه العالم، وهو تغيير عميق جدا، بمعزل عن الخطوط بين الإصلاحيين والمحافظين، التي يبدو أنها لم تعد صالحة للاستخدام عند الكلام عن اتجاهات السياسة الإيرانية.ما من شك في ان الإصلاحيين، بالمعنى القديم للكلمة، حققوا تقدما كبيرا، تمثّل في فوزهم بكامل مقاعد طهران الـ 30 وانتصار رموزهم الكبيرة، ولا سيما الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، إلى جانب الرئيس حسن روحاني، في انتخابات مجلس الخبراء الذي من مهماته الرئيسية اختيار المرشد، مع خسارة رموز المتشددين، ومن ضمنهم الرئيس السابق للمجلس محمد يزدي. ولكن التغيير الحقيقي تمثّل بانتقال كتلة كبيرة من المحافظين، إلى ضفة المعتدلين، منذ ما قبل التوصل إلى الاتفاق النووي، مع بقائهم تحت عباءة المرشد، لتصبح الغالبية البرلمانية الجديدة في يد المعتدلين، إصلاحيين ومحافظين، ولتتراجع اسهم المتشددين المعارضين للاتفاق النووي بشكل كبير. وهو ما يعتبر تثبيتا بالتصويت الشعبي لموازين القوى التي ارتسمت أثناء التفاوض على الاتفاق، حين أدرك المرشد مدى ضيق الإيرانيين من العزلة وتوقهم للخروج منها، فوفّر الحماية اللازمة للفريق المفاوض بقيادة الوزير محمد جواد ظريف وإشراف روحاني، من سهام التخوين التي كانت تطلق عليهم في تلك الفترة، وأمّن بالتالي الانتقال الهادئ إلى الوضع الجديد عبر الانتخابات.على رأس قائمة الخاسرين، يقف الحرس الثوري، بالأساس في ما يتعلق بشبكة المصالح الداخلية المرتبطة به، ولكن أيضا في وظيفته الخارجية. هذا لا يعني أن النفوذ الإيراني في الخارج سيضعف. العكس هو الصحيح، لكن في زمن تتمتع إيران بعلاقة ترقى إلى مستوى التحالف مع روسيا، ولنقل بتقاطع كبير في المصالح مع الولايات المتحدة والغرب عموما، لا يبدو الحرس هو الأداة الفضلى لتعزيز النفوذ في الخارج، إلا عندما يتعلق الأمر بالقتال المباشر، كما هو الحال في سورية، وحينها تتجنّد كل إيران وليس الحرس وحده.هذا قد يفسر إلى حد كبير تصاعد التوتر في العلاقات بين إيران ودول الجوار، ولا سيما الخليجية منها، رغم التنامي الكبير في قوة المعتدلين. فالاعتدال لا يساوي هذه المرة تراجع سعي إيران لتعزيز نفوذها في الخارج، بل انه يقع في صلب الوظيفة المقبلة التي تريدها طهران لنفسها كمركز ثقل إقليمي كبير، والتي يقبل بها، بل ويريدها لها أيضا، الغرب والشرق معا، بشرط الاعتدال. وهذا يفترض أن الدعم الإيراني للتنظيمات الموالية في الخارج، لن ينخفض مع تراجع دور الحرس، رغم أنه من المطالب المعروفة للإصلاحيين تقليص الدعم لهذه التنظيمات، وتوجيه الأموال إلى الداخل الإيراني. فحل مسألة أولويات الإنفاق يكمن في الانفتاح العالمي على طهران، الذي سيعود عليها بأموال يمكن توجيهها في الاتجاهين معا.من نقاط القوة التي استفادت منها إيران في التسويق الخارجي لدورها، هي قوة النموذج، سواء من حيث الحيوية السياسية، أو من حيث الاستقرار. فرغم الطبيعة الدينية للدولة، لا بد من الإقرار بنجاح طهران في إظهار حيوية كبيرة، من خلال تداول منتظم للسلطة عبر الانتخابات، مهما كانت الشوائب التي تشوبها، مثل القيود على الترشح، وبمعزل عن كل المآخذ التي يمكن أن تكون لهذا الطرف أو ذاك على النظام الإيراني.ويصح ذلك أكثر لأن المحيط ليس في أفضل أحواله، لا من حيث الديموقراطية ولا من حيث الاستقرار. فبلداننا العربية هي إما غارقة في صراعات دموية بعد حكم دكتاتوري طويل، وإما محافظة على نوع من الاستقرار، وانما مع تأجيل أي حديث عن إصلاحات جوهرية، بانتظار هدوء الاضطرابات، التي يبدو أنها ستنتهي إلى تغييرات تطاول الخرائط في أكثر من دولة في المنطقة، في ظل طروحات تتراوح بين الفيديرالية والتقسيم.
مقالات
«النووي» اقترع في إيران!
12:55 ص