فجأة «استفاقت» الأزمة اللبنانية بكل «مكوّناتها» الداخلية والخارجية على وقع الأزمة غير المسبوقة في العلاقات بين بيروت وبين السعودية ودول الخليج والتي تتجه حكماً الى فصول جديدة من التصعيد ستتبلور تباعاً، بما يشي بأن هذه «الانتكاسة» الأولى من نوعها مرشّحة لأن تتمدّد على طريقة «بقعة الزيت» التي يُخشى ان تتداخل مع «النار» الاقليمية.وبدا لبنان منذ انفجار هذه الأزمة وكأنه «يحبس الأنفاس» في انتظار «الخطوة التالية» من «الإجراءات العقابية» للسعودية ودول الخليج، التي كانت بدأت مع قرار الرياض وقف المساعدات العسكرية المخصصة للبنان بسبب المواقف «المناهضة» لها وخروج ديبلوماسيّته عن الإجماع العربي، في ما خص الموقف من الهجوم على سفارتها في طهران، لتنفتح الأزمة على فصول جديدة بعدما قابلت المملكة البيان «الاستدراكي» الذي أصدرته الحكومة اللبنانية الاثنين على طريقة «غير كافٍ والمطلوب أكثر»، وهو ما تُرجم سريعاً بطلب السعودية من رعاياها عدم التوجّه الى لبنان ومن المقيمين المغادرة، لتلاقيها الامارات العربية المتحدة بسقف أعلى قضى بـ «منع» مواطنيها من السفر الى بيروت وخفض بعثتها الديبلوماسية الى «الحد الادنى»، وتناشد البحرين رعاياها عدم السفر نهائياً الى «بلاد الأرز»، قبل ان تطلب الكويت وقطر امس من مواطنيهما مغادرة لبنان.ودعت سفارة دولة الكويت لدى لبنان رعاياها المتواجدين في لبنان الى المغادرة الا في الحالات القصوى التي تستدعي بقاءهم. كما طالبت رعاياها المتواجدين بأخذ الحيطة والحذر في تنقلاتهم وتجنب الاماكن غير الامنة والتواصل مع السفارة والتنسيق معها عند الضرورة وذلك حفاظا على امنهم وسلامتهم تجنبا للمخاطر.ولفت البيان الى ان السفارة تود تذكير رعاياها الراغبين بالسفر الى لبنان الى التريث إلحاقا الى تعاميمها السابقة في هذا الشأن.وفي الدوحة، دعت وزارة الخارجية جميع المواطنين القطريين إلى عدم السفر إلى لبنان. وطلبت الوزارة ، في بيان، من المواطنين الموجودين هناك المغادرة حرصا على سلامتهم، والاتصال بالسفارة القطرية في بيروت لتقديم التسهيلات والمساعدة اللازمة لهم.وفيما كانت بيروت تترقب امس «جرعة التصعيد» الخليجي الجديدة وسط الخشية من وجود قرار بوقف رحلات الطيران السعودي الى بيروت، صار واضحاً التشابُك بين الأزمة المستجدّة في العلاقة بين لبنان ودول الخليج وبين «المأزق» السياسي الذي تعيشه البلاد جراء غرقها في الشغور الرئاسي منذ 21 شهراً وتَحوُّل مجلس الوزراء الى ما يشبه «حكومات» من دون اي ضابط للسياسة الخارجية التي صارت تُرسم وتعبّر عن نفسها وفق «الأجندة» الاقليمية لفريق 8 آذار.وبات جلياً أكثر في ضوء وقائع الأيام الاخيرة من انفجار «الغضبة» الخليجية على لبنان، ان هذا التطور يتّصل بالمشهد الاقليمي «العاصف» واشتداد لعبة «التطاحن» بين السعودية وايران، في حين يبدو لبنان كمَن صُدم بأنه لم يعد بمنأى عن تشظيات المواجهة الاقليمية بعدما كان استكان الى عنوان «تحييده» عن أزمة المنطقة رغم انخراط «حزب الله» بكامل ثقله العسكري في الحرب السورية، وتَرَك أفرقاؤه السياسيون اللعبة الداخلية تنزلق الى الإمعان في ضرب المؤسسات وتفريغها وتكريس أعراف وممارسات شكّلت عملياً تسليماً لـ «مفاتيح اللعبة» الى فريق 8 آذار بقيادة «حزب الله».وارتسمت في العاصمة اللبنانية امس ملاح سباق بين مساريْن: الاول المساعي الدولية لاحتواء الأزمة بين بيروت ودول الخليج خشية تطورها الى اتخاذ اجراءات تطول اللبنانيين العاملين في هذه الدول بما يؤثّر على الواقع الاقتصادي في «بلاد الأرز»، ويفتح الباب أمام توترات يمكن ان تنعكس في جانب منها على واقع الـ 1.5 مليون نازح سوري، الذين لا يريد المجتمع الدولي ان يبحثوا عن «سماء آمنة» خارج الدول المضيفة في الجوار السوري. اما المسار الثاني فيتّصل بسقف التصعيد السعودي، الذي ربطت الرياض فرْملته بمطالب تقف الحكومة اللبنانية أعجز من تحقيقها، وهي: الحصول على التزام من «حزب الله» باعتماد خطاب سياسي أكثر اعتدالاً وعدم التهجم على المملكة والمسؤولين فيها، وعدم تورُّط الحزب في اي حملة ضد السعودية ودول الخليج وعدم إرساله شبكات ارهابية الى هذه الدول، والحصول على وعد من «حزب الله» بالعمل السريع على الانسحاب من سورية، والعمل مع حليف الحزب اي «التيار الوطني الحر» (يقوده العماد ميشال عون) ليصبح أقرب الى المجموعات المناهِضة للنظام السوري.وتحت وطأة «كرة ثلج» التصعيد السعودي وفشل البيان الأخير للحكومة في امتصاص غضب الرياض او فتح الباب امام معالجة هادئة للأزمة، تريّث رئيس الحكومة تمام سلام في طلب موعد لزيارة المملكة او اي دولة خليجية كما كان قرّر ان يفعل ليؤكد المكانة والأهمية التي يوليها لبنان لعلاقته معها انطلاقاً من الانتماء والهوية والمصالح المشتركة.وفي هذا السياق استقبل سلام امس على مدى أكثر من ساعة السفير السعودي علي عواض عسيري الذي اكتفى بالقول: «زيارتي جاءت بناء على دعوة من الرئيس سلام الذي حملني رسالة الى خادم الحرمين الشريفين وسأنقلها نصاً وروحاً الى قيادتي الرشيدة»، فيما اشارت معلومات الى ان رئيس الوزراء اللبناني لم يطلب زيارة المملكة واكد ان حكومته مستعدة لفعل كل شيء لاحتواء الأزمة مع الرياض.وفي حين لفتت ايضاً زيارة عسيري لمفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، توالت الاتصالات الداخلية تحضيراً للجلسة التي يعقدها مجلس الوزراء اليوم، وسط الخشية من ان تكون مداولاتها عاصفة في ضوء اعتبار قوى 14 آذار ان ثمة حاجة لموقف أكثر وضوحاً بعد التعقيدات التي تَسبب بها المؤتمر الصحافي لوزير الخارجية جبران باسيل، الذي قدّم فيه تفسيراً لالتزام لبنان الإجماع العربي ربطه بالوحدة الوطنية اللبنانية التي جعلها أولوية.وفيما كانت الأنظار شاخصة على موقف رئيس البرلمان نبيه بري، أطلّ بري في كلمة ألقاها أمام لجنة الشؤون الخارجية للبرلمان الأوروبي في بروكسيل موجهاً الشكر للسعودية على دعمها للبنان، قائلاً: «هناك حاجة إلى تعزيز دور الجيش والقوى الأمنية، ومشكورة السعودية مرة وعشر مرات ولا أعتقد أنها ستبقى على قرارها الأخير (وقف الهبة)»، مضيفاً: «السعودية دولة عربية ونحن أيضاً دولة عربية وليس هناك من مصلحة على الإطلاق في أن يكون هناك خلاف بين لبنان وأي دولة عربية»، لافتاً في إشارة إلى التوتر الحاصل في العلاقة مع المملكة أنّ «ما حصل هو نتيجة معادلات سواءً في سورية أو العراق (...) وما حصل أن السعودية تأثرت وأوقفت الهبة، وقد جرت معالجة الأمر في الحكومة وخرجنا بصيغة واحدة لتلافي أي خلاف مع أي بلد عربي».وفي سياق متصل، لفت موقف للنائب وليد جنبلاط اعتبر فيه ان «لبنان وشعبه معرضان للخطر من كل النواحي، والتصريحات غير المسؤولة تهدد اللبنانيين في الخارج وينبغي تغيير الموقف من خلال اجماع وتفاهم محلي».«على حزب الله أن يفهم أنه ليس لوحده في البلد»
خارجيات
الكويت وقطر طلبتا من رعاياهما المغادرة بعد السعودية والإمارات والبحرين
لبنان في «عين الغضْبة» الخليجية ويتهيّب إجراءات جديدة
07:17 ص