بالنسبة لي شخصياً، لم يكن حديث نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية أنس الصالح حول الوضع المالي للبلد والتوجهات الحكومية الأخيرة في ترشيد الدعوم وتصريحه الشهير أن (الموس على كل الروس)، وما قاله كذلك رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم في جلسة يوم الثلاثاء الماضي (لن نكذب على الشعب الكويتي بأن جيبه لن يُمس، هذا غير صحيح)، أمراً مستغرباً أو مستبعداً.ففي أول مقال نشر لي في صحيفة «الراي» قبل نحو ست سنوات تحدثت فيه عن بعض التصريحات التي أطلقتها الحكومة حول مقترحاتها بشأن فرض الضرائب على المواطنين، فذكرت أن (الكويت بلد نفطي بحت يشكل فيه النفط والغاز الطبيعي والصناعات التي تقوم عليهما نحو 95 في المئة من الدخل الإجمالي، وعليه فإن أي اختلال في أسعار النفط سيشكل خطراً على ميزانية الدولة، كما أن حجم المصاريف المتزايد والذي قدر بنحو ثلاثة أضعاف بند المصروفات عما كانت عليه قبل ستة أعوام قد شكل بالفعل جرس إنذار حقيقي.إن الميزانية العامة للدولة والتي بُنيت على أساس سعر ستين دولاراً للبرميل، قد قدرت قيمة العجز لهذا العام - وأقصد هنا عام 2011 - باثنين وعشرين مليار دينار).ولا أعتقد أن الوزراء والقائمين على أمور الدولة يُخفى عليهم مسببات الواقع الحالي، حيث اقتبست في ذلك المقال فقرة من أحد التقارير الحكومية ذكرت صراحةً التالي (تشير التوقعات أيضاً أن ميزانية الدولة ستشهد تساوياً في حجم المصروفات والإيرادات خلال العقد القادم إذا استمر الوضع على ما هو عليه من زيادة لحجم المصروفات وعدم وجود بدائل أخرى للدخل).ولا أعتقد أيضاً أن الحلول المثلى غائبة عن صانع القرار، والإشاره هنا إلى المقال نفسه (إن من الأجدى على الحكومة أن تعزز من استثمار الفوائض المالية الناجمة عن زيادة أسعار النفط والتي بلغت خلال السنوات العشر الماضية 200 مليار دولار، من خلال إيجاد فرص استثمارية مجدية ومربحة ذات مردود عالٍ، وعن طريق خلق بيئة استثمارية مناسبة داخل الدولة، وتشجيع قطاع التصنيع بشقيه البترولي وغير البترولي، ودعم المشاريع العقارية والترفيهية، وتوفير قاعدة صُلبة للسياحة، وكل ذلك وغيره سيساهم في زيادة العوائد غير النفطية مما يؤدي إلى تقليل مساهمة النفط في إجمالي الناتج المحلي).أما الملاحظ خلال الأيام القليلة الماضية فهو حجم التصريحات الحكومية الهائلة والمتعارضة حول تخفيض الدعوم وترشيد الإنفاق والإشارة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى جيب المواطن من دون أي تحرك أو تنفيذ فعلي على أرض الواقع، والذي يحمل بوجهة نظري في طياته أمرين لا ثالث لهما.فإما أن الحكومة تسعى بالفعل إلى تهيئة المواطن لما هو قادم مستقبلاً، وتحاول أن تُغير الأيدلوجية الفكرية التي زرعتها فيه لتتحول من دولة مانحة، إلى دولة تتشارك فيها هي والمواطن حاجاتها ومتطلباتها، أو أنها لم تصل بالفعل إلى قرارات نهائية وواضحة حول آلية معالجة الأزمة الحالية.ولكن ما أكاد أجزم به أن أي قرار حكومي سيقوم على أساس مبدأ (موس الوزير الصالح) ليمس (جيب المواطن)، سيكون له عواقب وتبعات حالية ومستقبلية لن تحمد عقباها!، لأن المواطن بكل بساطة لم يكن مسؤولاً ولا يريد أن يتحمل تبعات وتخبطات وسوء إدارة حكومات سابقة!Email: boadeeb@yahoo.com