استجابة لبلاغ، قام مفتشون تابعون لإدارة الأغذية والعقاقير الأميركية (إف دي إي) بزيارة مفاجئة إلى مقر مصنع أجبان في منطقة ريفية في ولاية بنسلفانيا ذات يوم بارد من أيام نوفمبر 2012، وسرعان ما عثر أولئك المفتشون الفيدراليون على ما كانوا يبحثون عنه، ألا وهو دليل مادي يثبت أن مصنع «كاسل تشيز» كان يضيف بدائل رخيصة ورديئة الجودة إلى الجبن الذي ينتجه ويسوقه في أضخم وأشهر المتاجر الاستهلاكية في الولايات المتحدة باعتبار أنه جبن «بارميزان» حقيقي وصافٍ بنسبة 100 في المئة، وهي البدائل التي كان من بينها لباب (عجينة) الخشب !وللوهلة الأولى، قد يبدو هذا المشهد الصادم مقتطعاً من أحد مسلسلات الخيال الاجتماعي، لكن ما عثر عليه مفتشو إدارة الأغذية والعقاقير آنذاك كان حقيقياً، إذ اتضح بعد ذلك تباعا أن بعض منتجي وموردي جبن البارميزان دأبوا على غش منتجاتهم من خلال خلطها مع كميات مفرطة من مادة السيليلوز التي هي عبارة عن مكوّن مضاد للتكتل يتم استخلاصه من لباب الخشب، كما أن البعض الآخر دأبوا على إضافة كميات كبيرة من أجبان أرخص ثمناً إلى عجينة جبن البارميزان الحقيقي ثم بيع المنتج باعتباره جبن بارميزان خالصا.وكشفت تحريات وتقصيات عن أن هناك علامات تجارية أميركية مشهورة عالمياً تزعم نقاء منتجها بنسبة 100 في المئة، لكن اتضح أن بعضها لا يحوي أي «بارميزان» أصلاً بل نكهات مضافة إلى خليط من الأجبان الرخيصة واضافات من بينها مادة السيليوز المستخلصة من لباب الخشب.وظهرت أخيراً بوادر تشير إلى أن هناك من سيدفعون فاتورة ذلك الغش الغذائي، إذ إنه من المقرر لرئيسة شركة «كاسل تشيز»، ميشيل ميرتر، أن تعترف خلال الشهر الجاري أمام المحكمة بأنها مذنبة في ما يتعلق بالتهم الجنائية الموجهة اليها بخصوص غش جبن «البارميزان»، ومن المتوقع لها أن تواجه عقوبة السجن لمدة تصل إلى سنة إلى جانب غرامة مالية تصل إلى 100 ألف دولار أميركي.وتعليقا على تلك القضية التي أثارت جدلاً واسعاً في أوساط المستهلكين الأميركيين، قال خبير وكبير منتجي ومسوقي الأجبان الأميركي نيل شومان إن مخاطر الغش قائمة وموجودة فعليا، مشيرا إلى أنه يعتقد أن ما يقدر بنحو 20 في المئة من إجمالي الانتاج الأميركي من الأجبان مغشوش بشكل أو بآخر، وهي النسبة التي تعادل مبيعات سنوية بقيمة 375 مليون دولار أميركي.واضاف شومان محذرا: «يصل الغش إلى أعلى مستوياته في الجبن المبشور، إذ إن نسبة الجبن الحقيقي فيه لا تتعدى 40 في المئة فقط. المستهلكون ضحايا أبرياء، وهم لا يحصلون على ما يتوقعونه في مقابل ما يدفعون. وهذا أمر خاطئ قطعاً».وسعيا إلى تحديد مدى جدية وخطورة المشكلة، قامت خدمة «بلومبيرغ نيوز» الإخبارية بشراء عينات عشوائية متنوعة من الأجبان من متاجر مختلفة في أرجاء الولايات المتحدة وأرسلتها ليتم تحليلها لدى مختبر مستقل بهدف التأكد مما إذا كانت تحوي لباب خشب (سيليلوز).وفي ضوء حقيقة أن السيليلوز هو في الواقع من الاضافات الغذائية الآمنة في حدود تتراوح بين 2 و 4 في المئة، أسفرت نتائج التحاليل عن أن عينات جبن «البارميزان» الذي تسوقه شركة «Jewel-Osco» باعتبارها صافية بنسبة 100 في المئة تحتوي على سيليلوز بنسبة 8.8 في المئة، أما جبن «البارميزان الصافي» الذي تسوقه متاجر «وول مارت» تحت مسمى «Great Value» يشتمل على نسبة سيليلوز تبلغ 7.8 في المئة. وتراوحت النسب في نطاقات أقل بالنسبة لأجبان شهيرة أخرى لم تكتب على ملصقاتها التعريفية أنها تحوي نسبة سيليلوز بما في ذلك أجبان كرافت.