يشهد «بيت الوسط» في وسط بيروت منذ ثلاثة ايام حركة كثيفة للغاية أعادت الدينامية بقوّة الى مقر الرئيس السابق للحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري بفعل عودته الثالثة الى بيروت منذ العام 2011 حين غادرها عقب إطاحة قوى «8 آذار» بالحكومة التي كان يترأسها.ولعل أفصح تعبير عما أحدثتْه عودة الحريري يتمثل في برنامج استقبالات زعيم «المستقبل» وتحركاته وزياراته خارج بيت الوسط الذي كان استقبل اول من امس مثلاً غالبية سفراء الدول المؤثرة غربياً وعربياً، ومن أبرزهم سفراء الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية والإمارات وممثلة الامين العام للأمم المتحدة في لبنان وآخرين، قبل ان يجتمع امس بسفراء روسيا ومصر والأردن.كما ان هذه الحركة قرنها الحريري بزيارات قام بها الاثنين بدءاً من السرايا الحكومية مروراً برئيس حزب الكتائب سامي الجميل، قبل ان يختم يومه الماراثوني بالزيارة التي استقطبت الوهج والأضواء لمعراب حيث مقر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع منهياً الإشكال الواسع والصاخب الذي حصل عقب احتفال احياء ذكرى 14 فبراير اي اغتيال الرئيس رفيق الحريري.واذ استكمل الحريري امس، لقاءاته الدائرية الواسعة، بدا واضحا ان زعيم «تيار المستقبل» نجح في شكلٍ واضح في تحريك ركود المشهد الداخلي بقوّة من خلال عودته في توقيتٍ شديد الحساسية اولاً بالنسبة الى تياره من خلال استنهاضه، ومن ثم من خلال نشوء ملامح موقف متطور لقوى «14 آذار» لا يبلغ حدود التوافق على إنهاء التباينات بينها حول الترشيحات لرئاسة الجمهورية وانما ينظّم هذه التباينات ويديرها بما يعيد الكرة الى مرمى التزام اللعبة الدستورية.وقد برز ذلك بوضوح من خلال مسارعة الحريري الى احتواءٍ عاجلٍ للترددات السلبية للغاية التي برزت عبر الغضب الواسع لمناصري «القوات اللبنانية» بسبب الملاحظة اللاذعة التي وجّهها الحريري الى جعجع في خطابه يوم الاحد حول تأخر المصالحة المسيحية - المسيحية اي بين رئيس «القوات» والعماد ميشال عون وتحبيذه لو انها تمت قبل عقود لكانت وفّرت الكثير على المسيحيين واللبنانيين.وبدت زيارة الحريري ليل الاثنين لمعراب بمثابة وضْع حدٍ سريع للحؤول دون تَصاعُد الغضب «القواتي»، الأمر الذي ساعد موقف جعجع نفسه في ترسيخه من خلال رفضه كل ما سيق في حقّ الحريري وتأكيده انه لا يقبل في ايّ شكل بإدراج الزيارة الحريرية في إطار الإعتذار.غير ان الأهمّ في هذا السياق ان الحريري وجعجع رسما من خلال لقاء معراب الليلي الذي استمرّ نحو ثلاث ساعات وتخلله عشاء، ملامح اكتمال موقف مبدئي موحّد لقوى «14 آذار» كافة يقوم على نقطتيْن محوريتيْن: الاولى التسليم بوجود ثلاثة مرشحين لرئاسة الجمهورية هم زعيم «التيار الوطني الحر» العماد عون المؤيَّد من جعجع، ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية المدعوم من الحريري، والنائب هنري حلو مرشح النائب وليد جنبلاط. والنقطة الثانية هي دعوة فريق «8 آذار» الى النزول الى مجلس النواب لانتخاب رئيس جديد مع تأكيد الحريري ان لا فيتو على أحد بمَن في ذلك العماد عون و«الفائز نهنئه» وان لا مقاطعة من «المستقبل» للجلسات في أيّ من الأحوال، وهو الموقف الذي لاقاه فيه جعجع بإعلانه أنّه «لم يعد لدى فريق (8 آذار) حجّة في حال كان يعتبر الجنرال عون مرشّحه الأول للتغيّب عن الجلسة، ولو أنّ سعد الحريري لا يريد التصويت له، وهذا حقّه».وفيما أبدت أوساط نيابية في «المستقبل» عبر «الراي» ارتياحها للقاء معراب وما تخلله من تأكيد على وجوب ان تأخذ اللعبة الديموقراطية مجراها في الانتخابات الرئاسية بعيداً عن منطق فرض مرشح واحد وعلى حقّ كل مكوّن في «14 آذار» بترشيح أو انتخاب مَن يريد، مؤكدة ان عودة الحريري أعادت الاعتبار للتوافُقات الاستراتيجية بين مكوّنات تحالف «ثورة الارز» وانها تطغى على اي تباينات حول الترشيحات الرئاسية، اعلن الحريري امس في دردشة مع الصحافيين ان اللقاء مع جعجع «كان جلسة مصارحة قلنا خلالها الامور كما درجت العادة بيننا»زي ما هيي، موضحاً ان كلاً منهما بقي على موقفه في ما خصّ الترشيحات»ولكن التواصل المباشر لن ينقطع»، مذكراً»بأن المهمّ انتخاب رئيس ولينزل الجميع الى البرلمان وينتخبوا واحداً من المرشحين الثلاثة او أكثر وسنهنىء الفائز»، ومعتبراً رداً على مَن يراهنون على ان»المستقبل»سيقاطع جلسات الانتخاب بحال انسحب فرنجية ان هذا»رهان غير صحيح وليراهنوا قدر ما يشاؤون».واذ رأى ان المصالحة التي تمت بين جعجع وعون امر جيد»ونحن نعتبر ان من حق الحكيم الدستوري ان يرشح من يريد وحقي انا ان ارشح مَن اريد»، قال رداً على سؤال:»لا اريد القول ان «حزب الله» لا يريد رئيساً بل هو يستمهل ويأخذ وقته».وتبعاً لذلك، تشير المعطيات المتوافرة عن حركة الحريري ولقاءاته ان ثمة ضغطاً تَصاعُدياً سيتواصل في مطالبة»8 آذار»ولا سيما منها الثنائي»حزب الله»و»التيار الحر»بالمشاركة في جلسة الانتخاب المقبلة المحدَّدة في 2 مارس ما دام هذا الفريق حظي بمرشحيْن منه هما عون وفرنجية، وهو امر يعني حشْر قوى»8 آذار»ولا سيما منها الثنائي المقاطِع للجلسات (الحزب وعون)، ولو ان الهدف ليس حشْره بل دفعه الى كسر التعطيل المتواصل لانتخابات الرئاسة.ومع ذلك يُستبعد تماماً ان تكون الجلسة الانتخابية التي ستحمل الرقم 36 في 2 مارس مختلفة عن سابقاتها (رغم ان الحريري سيحضرها)، لان حركة الحريري أثارت مزيداً من الريبة والتوجس لدى الفريق المؤيد لترشيح العماد عون في تحالف»8 آذار»وخصوصاً بعدما التقى جعجع، الداعم لعون، مع الحريري على المطالبة الضاغطة للفريق الآخر بالنزول الى البرلمان. ثم ان الثنائي»حزب الله»و»التيار الحر»يخشى بوضوح ان يُنصب في جلسة 2 مارس فخّ لانتخاب فرنجية بالذات الذي في حال مشاركة نواب»التيار الحر»و»حزب الله»في الجلسة ستتوافر غالبية النصاب القانوني لانعقادها (86 نائباً من اصل 128 يتألف منهم البرلمان)، وتالياً سيكون الاحتمال المرجح انتخاب فرنجية لان لديه غالبية مرجحة حالياً على الاقل، الأمر الذي يُستبعد معه اي تغيير في مقاطعة الجلسة.وفي اي حال بدت الأوساط السياسية امس في ترقُّب ورصْد لما سيصدر من مواقف عن الامين العام لـ»حزب الله»السيد حسن نصرالله في ذكرى القادة العسكريين للحزب كما لموقف»تكتل التغيير والاصلاح» برئاسة عون حيال مواقف الحريري ولو ان الجميع ترقّبوا مواقف سلبية من مجمل ما أعلنه الحريري لا سيما في ظل حملته الحادة على ايران ورفضه ان يكون لبنان ولاية ايرانية.
خارجيات
«14 آذار» ردّت الكرة إلى ملعب «8 آذار»
الحريري يقود حركة تَصاعُدية لجعل الانتخابات الرئاسية اللبنانية... أولوية
05:53 ص