نظمت دار «العين» المصرية الأسبوع الماضي، ندوة ناقشت فيها كتاب «عالم الغيطاني قراءة في دفتر التدوين»، والتي أدارتها الدكتورة فاطمة البودي.
في بداية الندوة، أشار الدكتور سعيد توفيق - مؤلف الكتاب - إلى السبب الذي جعله يختار جمال الغيطاني تحديداً، معتبرا أن الناقد هو أيضاً اختيار، وله ذائقة مثل المبدع وقال: «هذا التلاقي بيني وبين جمال هو الأساس الذي تقوم عليه عملية التعاطف في الفن، والتي كان هيدجر يسميها الفهم العاطفي، الذي يولد حوارا مع النص، وهو حوار لا يكون فيه الناقد صامتاً، بل يساير العمل ويحاوره، لكي يستنطقه، وبهذه الروح اخترت أعمال الغيطاني، وأعترف أن ما كنت أؤمن به من رؤى فلسفية قد تعمقت بقراءتي لأعماله. وأنا لست ناقدا محترفا في هذا الكتاب، وإنما ناقد هاوٍ. والنقد لابد أن يكون هواية لأنه تعاطف في الأساس».
واتفق معه الدكتورشاكر عبد الحميد، في أن أساس قراءة هذا العمل هو الحب. وتحدث عن محاورعدة يقوم عليها الكتاب وهي:
المحور الأول: السيرة الذاتية في التدوين. والتي تحولت في التدوين من خلال التأمل والتذكر، والخيال إلى شكل آخر، فيه تخلصت السيرة الذاتية من واقعيتها المباشرة الحرفية التسجيلية فاختلطت بالمتذكر. المحور الثاني: هو التداخل بين الأنواع الأدبية، فهذه الأعمال تجمع ما بين القصة القصيرة والرواية والشعر والسيرة الذاتية، إضافة إلى ما فيها من أشكال تنتمي إلى الموسيقى والعمارة وفن النسيج والتشكيل.
المحور الثالث هو الذاكرة أو كما يسميها الغيطاني «التحنين». وهي فكرة الانتشال اللحظي للذات من الوجود الذي يحدث من خلال المرأة أو الأدب أو الإبداع عامة، والفن والجمال والسفر، من خلال استدعاء الأطياف، أطياف الماضي وليست أشباحه.
المحور الرابع هو الوعي التخيلي: ذلك المظهر الذي يتبدى للوعي من خلال الانعكاس الذاتي والتأمل والتذكر والتداعي فيوصلنا إلى ما يسميه سعيد توفيق الوعي التخيلي، وهو هنا يشير إلى موقف سارتر الذي رأى الموضوع الجمالي بوصفه موضوعاً يحيا على مستوى الوعي التخيلي بمنأى عن اللمس والاختلال وواقعية الإدراك الحسي، فالخيال لدى سارتر هو التعبير الكامل عن الحرية.
المحور الخامس : الوعي الزماني : فالزمان المجرد الخالص ، زمن الساعة لا يعني شيئاً بالنسبة لنا كموجودات بشرية ، كما يشير سعيد توفيق ، وما يهتم به في قراءته للغيطاني هو الزمان الذي نشعر به، وهنا يرتبط القطار بالقرب الذي لا يتم والبعد الذي لا يكتمل، هان ظل القطار عبر المكان والزمان من خلال هذه الحركة الحرة لكنها مرتبطة بالأرض ، بالعجلات والقضبان.
هذا القرب اللحظي الموقوت بالخيال، أو اللحظة العابرة التي لا تدوم ، مثل المرأة الموجودة في دائرة التمني والترقب والفقد ، عطش ثانتالوس الذي ما إن تبلغ المياه شفتيه حتى تنزل وتفيض إلى حين ثم تعود وتعود فيظل في عطش دائم . ومن خلال ذلك يستمر معنى وجوده.
المحور السادس: الفكرة المسيطرة: فالفكرة المهيمنة في خلسات الكرى كما رأى سعيد توفيق هي فكرة الوجود الأنثوي،
المحور السابع: هو تفاصيل الخيال، حيث يرتبط بأفكار النسج والنسيج والفسيفساء، لذا يمكن أن نسميه خيال التفاصيل وهو بشكل عام له معنيان:
المعنى الأول: وهو خيال التفاصيل ويعني ذلك الولع بالوصف التفصيلي للأشياء والأحداث والمواقف والشخصيات، المعنى الثاني هو تفاصيل الخيال.
وعن علاقته بالفلسفة تحدث الروائي جمال الغيطاني وقال: «أعقد الأسئلة الفلسفية هي التي يطرحها الكبار، مثل السؤال المشهور أنا جيت منين... ولكن كان سؤالي أنا هو « امبارح راح فين؟».
وكل ما فعلته في حياتي بعدها كان محاولة للفهم، وسؤال الزمن هذا قادني إلى الاهتمام بالفلك حتى أننى كنت أقضي بالثلاثة أيام في مرصد حلوان، أتابع ظهور النجوم.
وعن كتاب سعيد توفيق قال: «انني لا أجامل إذا قلت أن هذا «نص على النص»، فهذا ليس بناقد وإنما هو إنسان عنده نفس التساؤلات التي عندي».
وعن علاقته بالمكان والحنين إليه قال: «ان فكرة التحنين المسيطرة على جزء كبير من كتابته، في الأساس هي طقس في قريته حيث تتجمع النساء في بيت احداهن وينشدن الأغاني بصوت مرتفع، وذلك حتى يحن الناس لفريضة الحج، وأنا عندما سافرت من الصعيد إلى القاهرة، نازعتني الأشواق إلى بلدتي الأولى، كما أنني عشت فترة طويلة في الجمالية، التي أصبحت مرجعا بالنسبة لي، فحينما أذهب إلى أي مكان في العالم أقول «بس برضه مش زي الجمالية».