يشير بعض الباحثين في العلوم الاجتماعية إلى أن الحنين مكون أساسي من مكونات السلوك البشري لكونه يمثل العديد من الدوافع، لكنه عندما يتحول إلى نمط حياة مسيطر على الفرد فانه يتحول إلى مؤشر خطر قد يكون مرضيا، قد يكون بداية الاكتئاب، ومن ثم الانسحاب من عالم الواقع لآخر منزوٍ، منفرد عن العالم المحيط به.من أكثر الأعمال الأدبية التي تشعل ذاكرة المتلقي، تلك المتعلقة بالحنين، إما بسبب فقد واما غياب الحبيب. في عملها الثالث (كانت هنا) الصادر عن الزميلة نوفا بلس للنشر والتوزيع عام 2014 تقدم الروائية حنان السعيد على إثارة مشاعر المتلقي بهذا الزخم الكبير من الحوارات المتضمنة شكوى طرفي الصراع العاطفي في كل زمان ومكان (الرجل والمرأة) ومثلتهما بشخصيتي (نورا ومساعد) بما يعمّق هوية الحكي بالبيئة المحلية التي حمل العمل بعض مفرداتها في السرد والحوار، كما أن دلالة الاسمين مستعارة من فيلم (بس يا بحر) الذي يموت مساعد في البحر من أجل احضار ما يعتقده حلم ومستقبل زواجه من نورة، كما مرّ ذلك في الرواية، ولكن اختلفت هنا سيرة الموت.يبدأ السرد بما يشبه رسالة لمساعد (أنا لا أكتبنا) فيرسلها لغيرهما- هو ونورا- بأنها ليست عن الهجر والفراق، وإنما للبحث عن الصلح مع قلبه، مع ذاته ومن حوله، لتخلق منه إنسانا آخر.ثم يسترسل السرد على لسان مساعد عن وصف اللقاء الأول بينه ونورا خارج جغرافية الوطن، مخاطبا إياها ومستذكرا الصدفة التي جاءت أشبه بـ«ديجافو» الموقف، بما يدلل على انتظاره الطويل لمثل هذه اللقاءات التي تحملها الصدف الجميلة. ثم يأتي كل من السرد الحوارات جنبا إلى جنب على امتداد الرواية، مستشهدا ببعض الالتقاطات التي شكّلت وعيهما عن بعضهما، كما جاء في سرد مساعد: «قد قلّصني الحزن يا نورا حتى بت لا أجد أثرا لي على تلك الجدران التي انسكبت بحضن الصدأ، وحين قامرت بحب الوطن كسرني خواء الرجاء والأمل في قرعة أكون بها الخاسر دائما».أو الحوار بين الطرفين عن الموسيقى، وتأثيرها على الإنسان، في مقارعة الحجج الدينية والنفسية والفنية، ما بين التحريم والإجازة بها، مرورا بمسألة القوامة وهل تناقض المساواة بين الجنسين، وصولا لقضايا فكرية أعم، قد توسع أو تضيّق من الهوة بين طرفي الصراع في هذا العالم منذ الخطيئة، وكأنها محاولة لتبرئة الذات أو ربما التكفير عنها. إضافة لحوارات مساعد مع أهله والدوران في قطب رحى المكانة والشكليات الاجتماعية.(كانت هنا) عمل روائي يأتي ضمن سلسلة أعمال أخرى ناقشت فكرة الحياة بين الرجل والمرأة في شراكة دوريهما لا تبعية أحدهما للآخر بحسب سلطة النص أو المجتمع، اختارت الكاتبة قالب الحب كميدان للصراع/ الجدل من أجل الآخر، وليس بقاء أحد من دون آخر، برغم بعض التكرار التي مرّ بنا في أعمال سابقة عن أحلام تفتت على صخرة الواقع والعالم الذي بدأ ينكمش داخله بفعل، محاولا الخروج من هذا الحصار النفسي في الكتابة عن ألم الفقد والحنين، بأمل التعافي من الصدمة التي نعيشها كل يوم.والعاقبة لمن يعقل ويتدبر.* كاتب وناقد كويتي@bo_salem72
محليات - ثقافة
فاصلة / كانت هنا...
فهد توفيق الهندال
08:40 م