بعد موجة من الركود، وسيطرة لون واحد من سينما العنف والمخدرات التجارية التي تخاطب الغرائز تحت مسمى «الجمهور عايز كده»، شهدت السينما المصرية نفضة خلال موسم نصف العام السينمائي، حيث تصدرت الأفلام الجادة وأفلام المهرجانات الأفيشات على دور العرض للمرة الأولى منذ فترة.ومع عودة عدد من رموز عصر السينما الذهبي، على رأسهم المخرجان محمد خان وداود عبدالسيد، شهد الموسم حالة من الانتعاش في دور العرض السينمائي في القاهرة والمحافظات المصرية، خصوصاً أن هذه الحالة تأتي بعد حالة من الركود وتراجع الأعمال السينمائية الجادة والمهمة، وسيطرة نوعية واحدة من الأعمال التي لا تلقى استحسان النقاد والجمهور عادة، لما تتضمنه من مشاهد عنف أو جنس، لكنها تحقق الرواج عبر مغازلتها الفئة العمرية الصغيرة نسبياً.نقاد سينمائيون رأوا في تصريحات لـ «الراي»، إن الموسم مختلف هذا العام مع طرح 8 أعمال سينمائية تحمل أفكاراً ورؤى وأحداثاً حقيقية، واستطاعت أن تفرض حضورها في مهرجانات عربية ودولية لتحصد العديد من الجوائز قبل عرضها في دور العرض السينمائي سواء في مصر أو الخارج. واعتبروا أن هذه الأعمال التي تحمل توقيع مخرجين كبار وجادين بقيمة داود عبدالسيد، ومحمد خان، وأمير رمسيس، وشادي لينين الرملي، تؤكد أن السينما ما زالت قادرة على طرح أعمال جادة تحترم عقلية المشاهد وتجمع بين القيمة الأدبية والجماهيرية أيضاً.وتضم قائمة الأفلام التي لا تزال تتصدر الأفيشات حالياً في قاعات العرض السينمائي، فيلم «قدرات غير عادية» الذي تم إنتاجه العام الماضي، لكن تأخر طرحه في دور العرض نتيجة مشاركته في العديد من المهرجانات، منها مهرجان قرطاج السينمائي. وفي الفيلم، يكشف المخرج داود عبدالسيد عن عالم آخر من القدرات الخاصة التي يمتلكها الإنسان برؤية وحس جمالي، من خلال شخصية بطله «يحيي» ويجسدها الفنان خالد أبوالنجا الذي يمتلك قدرات خاصة، تجعله يعتمد على نفسه ويترك منزله، ليبحث عن قدرات غير عادية في البشر، وتنشأ بينه وبين المترددين على «البانسيون» الذي يقيم فيه علاقة قوية، خصوصاً مع ابنة صاحب البانسيون وهي طفلة تملك قدرات غير عادية، فيحاول التقرب منها لاكتشاف ذلك. ويشارك أبوالنجا في بطولة الفيلم كل من نجلاء بدر ومحمود الجندي وإيهاب أيوب وأحمد كمال وعباس أبوالحسن وسامي مغاوري، وهو من تأليف وإخراج داود عبدالسيد.فيلم «الليلة الكبيرة» للمخرج سامح عبد العزيز، وبالرغم من خروجه خالي الوفاض من المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي الأخير، إلا أن هذا لا يقلل من قيمة العمل الذي يضم ما يقرب من 50 فناناً وفنانة من النجوم الكبار. وتدور أحداث الفيلم في يوم واحد عما يحدث في أحد الموالد الكبرى، وعلاقات الناس بعضهم البعض ومدى تأثير المولد على حياتهم الشخصية، واعتقاداتهم بأن ضريح هذا المولد ممكن أن يصنع المعجزات في زمن غابت فيه المعجزات. والفيلم من بطولة سمية الخشاب وأحمد رزق ووفاء عامر وزينة وآيتن عامر ومحمد لطفي وسميحة أيوب وصفية العمري وأحمد بدير ووائل نور ونسرين أمين وصبري فواز وسامي مغاوري وسيد رجب وأحمد وفيق ومن تأليف أحمد عبدالله.كذلك، يُعرض فيلم «من ضهر راجل» الذي خرج هو الآخر من مهرجان القاهرة السينمائي من دون جوائز، إلا أنه حقق إيرادات عالية في دور العرض السينمائي. وتدور أحداثه حول شاب يعشق الملاكمة ويتمني أن يصبح ملاكماً شهيراً ويقع في حب فتاة تعيش في حارة شعبية، وتعاني شقيقها البلطجي، وبعد نجاحه يواجه كثيراً من المعوقات التي تقلب حياته رأساً على عقب. والفيلم من بطولة آسر ياسين ومحمود حميدة ورانيا يوسف وشريف رمزي ووليد فواز ومن تأليف محمد أمين راضي، وإخراج كريم السبكي.أما فيلم «خانة اليك» للمخرج أمير رمسيس، فهو من نوعية الأفلام التي تدور أحداثها في يوم واحد فقط وتدور أحداثه في إطار تشويقي بين خمس شخصيات محتجزين داخل مصنع مهجور لنرى العديد من الاشتباكات بينهم. واعتبر رمسيس لـ «الراي» أن فيلمه صناعه شبابية تحمل العديد من الأفكار والرؤى الواضحة لجيل قادم من صناع السينما، بتقنيات إخراجية وتمثيلية جديدة وهذا هو المطلوب في الفترة الحالية. والفيلم من بطولة محمد فراج ومحمد شاهين وعمر السعيد ونبيل عيسي ورامز أمير وأمينة خليل، ومن تأليف لؤي السيد.فيلم «أوشن 14» للمخرج شادي لينين الرملي، تدور أحداثه في إطار اجتماعي كوميدي، حول مجموعة من الشباب الذين يتعرضون لعدد من المواقف في حياتهم، وكيف يتغلبون على هذه المشكلات بطريقة كوميدية، والفيلم من بطولة أبطال مسرح مصر عمر مصطفى متولي ومصطفى خاطر ومحمد أنور وحمدي المرغني وكريم عفيفي، وهو من قصة وسيناريو وحوار أحمد مجدي أبوإسماعيل وإيهاب عبدالرحيم وعمر عبدالحي بدر. وقال المنتج محمد السبكي إن الفيلم مستمر في دور العرض حتى موسم نصف العام لما يشهده من إقبال جماهيري كبير، وتحقيقه أعلى الإيرادات.وغير بعيد، يستعرض فيلم «كدبة كل يوم» في إطار رومانسي ساخر العديد من المشكلات الدفينة المرتبطة بالعلاقات الزوجية لمختلف الأجيال، مناقشاً ما يراود النفس البشرية خلال العلاقات الزوجية وتطوراتها. والفيلم من بطولة عمرو يوسف ودينا الشربيني ودرة ومحمد ممدوح وكريم قاسم وشيرين رضا ومن تأليف شريف الألفي وإخراج خالد الحلفاوي.وفي اتجاه مغاير، شهدت الأيام القليلة الماضية عرض فيلم «أسد سينا» الذي يعد العمل السياسي الأول والذي يؤرخ حرب أكتوبر المجيدة، حيث يروي الفيلم قصة البطل سيد زكريا خليل الذي كان يخدم ضمن سلاح المظلات بالقوات المسلحة المصرية، والذي نجح بمفرده في القيام بإيقاف كتيبة إسرائيلية كاملة خلال الحرب بعد استشهاد بقية أفراد الفصيلة التي كان ينتمي إليها. الفيلم من بطولة عمرو رمزي ونهى إسماعيل وحنان يوسف وحمدي الوزير وحنان سليمان ومن تأليف عادل عبد العال وإخراج حسين السيد.وأخيراً، تم طرح الفيلم الكوميدي «سلاح التلاميذ» الذي يدور في إطار كوميدي، حيث يتناول قضية التربية والتعليم بشكل طريف ممزوج بالمواقف الكوميدية المختلفة بين التلاميذ ومدرسيهم. والفيلم من بطولة حسن عبدالفتاح ومراد فكري ونسمة ممدوح وإيمان السيد ومن إخراج تامر حربي وتأليف محمود صابر.الناقد السينمائي كمال رمزي قال لـ «الراي»: «هناك تنوع جيد وهناك أكثر من اتجاه في السينما المصرية، فهناك الكوميديا والدراما الاجتماعية وأيضاً الرومانسية. كما أن هناك بعض الأعمال التي تتسم بالمغامرة وبها جرأة من بينها (خانة اليك) وإن كانت غير مكتملة». واعتبر رمزي أن «من أجمل الأفلام المعروضة خلال الموسم (قدرات غير عادية) للمخرج داود عبد السيد، لما يثيره من تساؤلات عقلية جعلت الجمهور يتأثر بعقله قبل عينه وعواطفه، أما بالنسبة إلى الحشد الضخم في فيلم (الليلة الكبيرة) فقد شكّل حمولة للفيلم أثقل من حمولته الفنية». وفي الختام رأى رمزي أن «هذه الأعمال تبشر بدماء جديدة في السينما المصرية وأن القادم سيكون أكثر وعياً مما سبق».من جانبه، عبر الفنان عمرو يوسف عن سعادته بتجربة فيلمه «كدبة كل يوم»، مؤكداً أن العمل يقدم رؤية واقعية عن الحياة الزوجية ولكن بشكل ساخر، ومعتبراً أن السينما تحتاج إلى قدر كبير من التنوع، وأن على الجميع المبادرة لخلق دماء جديدة وأدوار وشخصيات مختلفة.