«عاصفة» سعودية ستجتاح الأراضي السورية. عاصفة من نوع آخر تحدّث عنها المستشار في مكتب وزير الدفاع السعودي العميد الركن أحمد عسيري في الخامس من فبراير الجاري، عندما أعلن أن بلاده على استعداد للمشاركة في أي عملية برية ضمن التحالف الدولي في سورية، ليعاود تأكيد «أن قرار الرياض بإرسال قوات برية إلى سورية لمحاربة تنظيم داعش نهائي ولا رجعة عنه».كلام عسيري أكده وزير خارجية بلاده عادل الجبير الذي قال عقب لقائه نظيره الأميركي جون كيري «إن ثمة مناقشات تتعلق بإرسال فرقة من القوات البرية أو فرقة قوات خاصة للعمل في سورية إلى جانب التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الجماعات الإرهابية، والمملكة أبدت استعدادها لتوفير قوات خاصة لمثل هذه العمليات إذا تمت».ارسال قوات برية سعودية الى سورية هو الحدَث الذي تدور حوله التصريحات الدولية. وفي هذا السياق أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن «السعودية وتركيا اتفقتا على امكان شنّ عملية برية في سورية ضد تنظيم (داعش) وان المملكة ارسلت طائرات حربية إلى قاعدة إنجرليك في اضنة على الحدود مع سورية لكن إلى الآن ليس واضحاً كم عدد الطائرات التي ستصل».قرار السعودية دفع رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف إلى التحذير من خطر نشوب «حرب عالمية جديدة» في حال حصل هجوم بري خارجي في سورية، حيث لفت الى ان «الهجمات البرية عادة تؤدي الى ان تصبح اي حرب دائمة»، في الوقت الذي أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن التنسيق بين عسكريين روس وأميركيين يشكل أساساً لحلّ مشكلات إنسانية في سورية وشرطاً لا بد منه لتحقيق هدنة، معرباً عن أمله في أن يساعد هذا الاتفاق في تحقيق مهمة تشكيل جبهة موحّدة لمحاربة الإرهاب.التطورات الأخيرة جاءت مع استمرار روسيا في تطبيق سياسة «الأرض المحروقة» وتقدُّم النظام في حلب، مع عرقلة عملية المفاوضات، لتبدأ التساؤلات: هل التدخل السعودي البري في سورية آتٍ لا محالة؟«الراي» استطلعت آراء محللين من دول عربية عدة، وكانت رؤيتهم على النحو الآتي:الكاتب السعودي جمال خاشقجي، أكد «أن لا تراجع عن (عاصفة الحزم) التي تقودها المملكة العربية السعودية للتدخل البري فى سورية، وهي آتية لا محالة، أما دلالات هذه العملية فهي ان السعودية لن تسمح للروس والايرانيين بالانتصار في سورية».وفي هذا السياق، أوضح أنَّ «مستشار وزير الدفاع السعودي وعادل الجبير قالا إن السعودية سترسل قوات في اطار التحالف ضد داعش، والبعض فهِم أن العملية محدودة ضد التنظيم، في حين أن وزير الخارجية السعودي يقول إنه لا يمكن القضاء عليه من دون القضاء على بشار الأسد، ولذلك اذا جمعنا التصريحين نستنتج أن المملكة معنيّة بداعش وبشار الأسد وببناء سورية حرّة مستقلة في المستقبل».وأضاف:«إذاً العملية السعودية واسعة في المستقبل، وتبدأ بمنع انتصار الايرانيين والروس في سورية، وتنتهي ببناء سورية حرة مستقلة قوية، لكن بين البداية والنهاية قد تمضي سنوات فالجميع يعلم كيف تكون البداية ولا أحد يعلم كيف ستكون النهاية».وعما إذا كان هذا التدخل قادراً على تحقيق تحوُّل في الأزمة السورية، أجاب:«أهمّ تحوُّل هو منْع حسْم المعركة لمصلحة النظام والروس والايرانيين، وأعتقد أن هذا أهم شيء يمكن تحقيقه بسرعة. ويبقى الانتصار ولا أحد يعلم متى، ومتى تتوحّد سورية. قد نشهد في مرحلة المنتصف تقسيم سورية بين منطقة شرقية من حلب الى درعا يمكن أن تسمى سورية الوطنية، ومنطقة غربية هي سورية الطائفية تحت الانتداب الروسي والايراني، ثم ينتقل الطرفان الى عملية تستغرق أشهراً أو سنوات وهذا أحد السيناريوات المطروحة. العملية ليست سهلة وبالطبع السعودية وتركيا وقطر غير متحمسين للمواجهة مع الروس لكن في الوقت نفسه لن تقبل السعودية بالذات بانتصار الروس».وعن التحذير من حرب عالمية جديدة، رأى أنَّه «نوع من التخويف وايضاً تفسير صحيح، إذ انه قد يؤدي هذا الازدحام في سورية إلى أن تخرج الحرب من ذلك البلد إلى خارج الحدود، ولذلك لا بد من الاهتمام الدولي بما يحصل هناك».وأشار إلى أنَّ «اتفاق ميونيخ يمكن أن يلغي الحاجة الى التدخل السعودي إذا صدَق الروس وان يفتح الباب أمام مرحلة انتقالية، لكن اليوم تشهد حلب قصفاً غير مسبوق على مدار الدقيقة وليس الساعة. والواضح أن الروس يحاولون أن يحققوا انتصاراً لبشار وايران على الارض في اسرع وقت قبل أن تزداد عليهم الضغوط لوقف الاعمال العدائية».وختم خاشقجي:«اتفاق ميونيخ قد يؤدي الى مرحلة انتقالية، لكن التفاؤل في غير محلّه عندما ننظر الى ما يفعله الروس الآن».بدوره، الخبير العسكري الأردني اللواء المتقاعد فايز الدويري، قال:«أولاً من حيث المبدأ، فان عسيري تحدث عن ارسال قوات برية بحجم ما بين مئة الى مئة وخمسين الفاً، وبعدها جاء تصريح الامارات عن مساهمة مشروطة، ليعلن بعدها وزير الخارجية السعودي الجبير عن استخدام قوات خاصة وتكثيف الحملات الجوية. اذاً أصبحنا أمام اختلاف في مستويات التدخل. والآن الترجيح الأكبر والسائد في الخطاب السعودي هو استخدام قوات خاصة مع كلام على وصول خبراء سعوديين الى قاعدة انجرليك الجوية من أجل درس كيفية استخدامها من الطائرات السعودية. ويقابل ذلك تصريح وزيريْ الخارجية والدفاع الاميركييْن عن مهاجمة مدينة الرقة والموصل، بمعنى آخر ليس فك الحصار عن حلب، وبمعنى أدق فقط محاربة تنظيم الدولة الاسلامية».وأضاف:«تُقابِل ذلك ايضاً مواقف معارِضة سواء من رئيس وزراء روسيا الذي حذّر من أن استخدام قوات برية قد يفتح باب الحرب العالمية الثالثة، وفي خطابه في ميونيخ لفت إلى ضرورة عدم إخافة الأهالي من تدخل بري».ولفت الدويري إلى ان «ايران على لسان قائد حرسها الثوري محمد الجعفري أعلنت أن سورية هي منطقة حيوية لها وان أي تدخل سعودي يعني اشتباكاً مع القوات الداعمة لايران، وبالتالي بداية تفكك النظام السعودي، ولذلك يمكن الاستنتاج أن الصورة ضبابية، لكن الجليّ في الأمر هو تكثيف غارات جوية مع استخدام قوات خاصة».لكن حتى هذا النوع من التدخل يحتاج، حسب الدويري، إلى «مظلة اميركية فاعلة، أي حضور أميركي حقيقي في القيادة وقبولٍ روسي وضابطٍ على الأرض لمنع الاشتباكات غير محسوبة النهاية. اذاً نحن نتحدث الآن عن عمليات جراحية انتقائية بقوات خاصة يمكن أن تحصل إذا تحقق التدخل والقيادة الاميركية والقبول الروسي أو عدم الاعتراض الروسي على الأقلّ».وعما إذا كان تدخل التحالف الإسلامي البري في سورية سيحقق تحولاً في مسار الأزمة السورية، أجاب:«سيحقق تحولاً محدودا. والآن الحديث ليس عن الأزمة السورية، فعندما نتحدث عن محاربة (داعش) نحن لا نتكلّم على الازمة السورية للاسف، فـ «داعش» هو أحد أعراض المرض، أما المرض الأساسي فهو الأزمة بين النظام والشعب الذي أدى إلى تدمير البنية التحتية وقتْل ما يقارب نصف مليون وجرح ما يقارب المليون، مع نزوح نحو 45 في المئة من السكان».وعن تحذير رئيس الوزراء الروسي من اندلاع حرب عالمية ثالثة في حال نفذت السعودية قرارها وتدخلت برياً في سورية، رد الدويري:«هذا تهديد مبطّن تراجع عنه مدفيديف واجاب عنه أمين عام الحلف الاطلسي عندما قال إن أي اعتداء على أي دولة من حلف الناتو لن تقتصر مهمة الرد على هذه الدولة بل على الدول المشاركة في (الأطلسي)».وعما إذا كنا أصبحنا أمام «سوريتين» في حال حصل التدخل، واحدة تدور في فلك المملكة السعودية والأخرى في فلك روسيا وايران والنظام؟ أجاب: «الآن الاستراتيجية العسكرية الروسية تقوم على السيطرة على (سورية المفيدة) كما أطلق عليها بشار الاسد. ولذلك هي تحاول استرداد المناطق التي تقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة لتضع العالم أمام خياريْن: إما بشار الأسد أو أبو بكر البغدادي. لأن المعارضة في هذه الحال تنتهي، مع تأهيل جزئي، أي بقيام حكومة ذات صدقية تشارك فيها معارضة موسكو مثل هيثم مناع، اي إعطاء الفتات للمعارضة السورية على المائدة».وعلّق الدويري على اتفاق ميونيخ، بالقول: «بذور فشل هذا الاتفاق موجودة في النص. فالعبارات غامضة ومبهمة كما أنه لم يتحدث عن وقف اطلاق نار بل وقف عمليات عدائية وعدم شمول بعض التنظيمات مثل النصرة وتنظيم داعش. علماً ان روسيا تستخدم تعبير (الجماعات الارهابية) الذي ينطبق وفق مفهومها على كل مَن يعارض النظام السوري. وثانياً تحدث البيان عن تقديم مساعدات انسانية الى مناطق يصعب الوصول اليها، بمعنى آخر لم يتجرأوا على قول مناطق محاصرة».أما المحلل السياسي التركي اوكتاي يلماز، فاعتبر أن «السعودية تتبنّى منذ البداية المعارضة السورية وتقف مثل تركيا وقطر الى جانبها»، لافتاً إلى أنَّ «التطورات الأخيرة وتَقدّم النظام السوري بفعل القصف الروسي على المدن والمدنيين غيّر موازين القوى في البلاد ما جعل السعودية تشعر بأن هدف الروس انهاء المعارضة المعتدلة لتقول للعالم إما النظام أو داعش، وكأنه لا يوجد خيار ثالث».واضاف: «ثانياً ترى السعودية أن هذه التطورات تهدّد أمنها القومي تماماً كما تشعر تركيا. وثالثاً لا يختلف أحد على أن داعش تنظيم ارهابي يهدّد الاقليم بأكمله ويعطي مبررات للتدخل الخارجي، فروسيا وايران وميليشياتها تدخلوا بحجة محاربة الارهاب، ولذلك يجب إزالة هذا الخطر لانه تهديد ويعطي تبريرات للآخرين للتدخل في سورية ويعرقل اي حلّ فيها. لذلك رأت السعودية أنه لا بد من التدخل البري إذ ان قصف التحالف الدولي لم يعط نتائج ملموسة. نعم تراجعت قوات (داعش)، لكن للقضاء على هذا التنظيم لا بد من عملية برية كبيرة».وعما إذا كان تدخل التحالف الإسلامي البري في سورية سيتيح تحولاً في مسار الأزمة السورية، أجاب: «على الأقل يعيد التوازن في سورية، فتركيا لن تتدخل بمفردها، وهذا الغطاء جيد لحماية الشعب السوري ومنْع تمدد الميلشيات والنظام وازالة (داعش)، ولا بد من أنّ يتم الأمر تحت غطاء التحالف الإسلامي أو الدولي، فروسيا لا تستطيع أن تواجه الجميع».واضاف يلماز: «لا أعتقد ان هذه الأحداث ستؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، لكنها تهدد السلم الاقليمي والعالمي. فمواجهة (الأطلسي) مع روسيا حتماً سيؤدي إلى فوضى. والمفارقة انه في اليوم الذي تحدّث الروس عن السلم، ارتفع منسوب قصفهم للشعب السوري. ولا أعتقد أنهم يبحثون عن الحل السلمي بل عن الإبقاء على النظام الحليف لهم».وتابع: «هناك مخططات لتقسيم سورية، وهي مقسمة الآن إلى ثلاثة أجزاء: جزء تابع للنظام، وآخر للفصائل الكردية، والثالث لداعش، ومن دون وحدة سورية لن تنتهي المشكلة ويحلّ السلام».وإذ رأى أنَّ «اتفاق ميونيخ تمهيد لبدء المباحثات وهو خطوة ايجابية ان طبقت»، قال: «لكن لا أعتقد ذلك، ففي الليلة الذي أُنجز الاتفاق، اشتدّ القصف الروسي على الرغم من أن مطلب تركيا والمعارضة كان وقف قصف المدن والمدنيين وايصال المساعدات الى السكان لبدء اي عملية سلمية».من جهته، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر محمد المسفر أن «هذا القرار صحيح كما قال وزير الخارجية السعودي إلا أنه مشروط، فالمملكة جزء من التحالف الدولي ضد داعش، وإذا قرر هذا التحالف بالاتفاق بين جميع أطرافه انزال قوات برية، فإن السعودية ستكون على الارض».وعما إذا كان يمكن للتدخل البري ان يفضي الى تحول في مسار الأزمة السورية، قال: «المملكة تعمل بكل جهدها على أن يكون هناك حل غير عسكري منذ زمن بعيد، وهي لم تنفكّ تحاول ذلك، الا أن الأوضاع تطورت فأصبح الحل السياسي متعذراً والعسكري أيضاً، كما ضعفت قوة التحالف الدولي في التمسك بقضايا الحل السلمي».وعن امكان وقوع حرب عالمية ثالثة، أجاب المسفر: «الآن كل شيء في سورية بيد روسيا، وهم يتحدثون عن حرب عالمية ثالثة وهم يشاركون فيها بكل قواتهم إلى جانب ايران وحزب الله، فأي حرب عالمية أكثر من ذلك؟»، لافتاً إلى انه «لا يمكن الزج بقضية التحالف الاسلامي في مواجهة ما يسمى حرب عالمية تقودها روسيا أو أميركا، فهذا أمر غير معقول وغير مقبول».وقال:«التحالف الاسلامي ليس فاعلاً ولم يضع قوّة ولم يحدّد استراتيجيا حتى هذه اللحظة، سواء في سورية أو أي مكان، بل هو ما يزال في مرحلة الترتيب والاجراءات، وأعتقد أن المؤتمر الذي سيعقد في الأيام المقبلة في جدة هو الذي سيحدد مهمات التحالف عسكرياً واقتصادياً وسياسياً».ورأى أنَّ «مؤتمر ميونيخ مرتبك وغير واضح المعالم وظالم وأعطى لروسيا حق تنفيذ مهماتها في سورية بكل وضوح، والدعوة إلى وقف اطلاق النار خلال أسبوع هي للسماح لروسيا بأن تنهي مهمتها بتدمير كامل القوى المعارضة للنظام السوري وبعدها وقف اطلاق النار ما يعني ان على القوى المعارضة إلقاء سلاحها لمصلحة روسيا وايران». واضاف: «لن يغير مؤتمر ميونيخ شيئاً، لأن ارداة اميركا، وهي قائدة المعسكر الغربي، غائبة وبالتالي هناك توافق ضمني بين روسيا واميركا في الشأن السوري للقضاء على كل أطراف المعارضة وتالياً تسييد النظام بعدما كاد يفقد كل سيادته على الأراضي السورية لو لم تدخل روسيا عسكرياً لإنقاذه».