أحدثت آخر الجلسات الفاشلة التي عقدها البرلمان اللبناني لانتخاب رئيس للجمهورية والتي حملت الرقم 35 تداعياتٍ غير معلنة في مسار الأزمة الرئاسية التي طوت حتى الآن اكثر من عشرين شهراً.ذلك ان هذه الجلسة التي قاطعها «التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون و«حزب الله» وكذلك رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية، شكلت الإثبات الأقوى على ان نهج فرض المرشح الذي يريده «حزب الله» في التوقيت والظروف التي تناسبه فقط هو الذي يتحكم بالأزمة الرئاسية في المقام الاول، بدليل ان ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لعون لم يدفع الحزب الى تبديل سياساته في تعطيل الانتخابات الرئاسية.واعتبرت اوساط سياسية بارزة عبر «الراي» ان فشل جلسة اول من امس الانتخابية التي أرجئت الى الثاني من مارس المقبل شكل ايضاً صدمة سلبية لتوافُق معراب الذي أعلن في 18 يناير الماضي والذي رشح خلاله جعجع العماد عون، فإذ بالجلسة الاولى التي تُعقد بعد هذا التطور تمضي في تكريس الأزمة والتعطيل كأن شيئاً لم يكن.وتشير هذه الأوساط الى انها تستبعد إقرار ايٍّ من اللاعبين بالحسابات السلبية التي ظهرت في الساعات الأخيرة، ولكن ذلك لا يعني إهمال البُعد المتمثل بان الأزمة بدأت تثقل بقوة أشدّ على القوى السياسية وخصوصا فريق «8 آذار» الذي بدا في الجلسة الاخيرة مشتَّتاً ولا يملك التبرير المنطقي لتعطيل الانتخابات بعدما بات المرشحان الأساسيان للانتخابات من فريقه.وفي ظل ذلك تكشف الاوساط ان محطة 14 فبراير التي تصادف الاحد المقبل في الذكرى الحادية عشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري قد تشهد بعض الملامح المتقدمة للملمة فريق «14 آذار» وتبديد الصورة الشديدة السلبية التي لحقت بهذا الفريق جراء اختلاف زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري وجعجع على الملف الرئاسي. اذ تلفت الاوساط الى ان لا الحريري تمكّن من إحداث خرقٍ ايجابي في ترشيحه فرنجية ولا جعجع تمكّن من تسويقٍ ايجابي في ملف الرئاسة عبر ترشيحه لعون، ولو ان رئيس «القوات» نجح في التسويق المتعلق بالمصالحة المسيحية المسيحية التي ستمكّنه من قطف ثمارها.وفي ظل هذه المعادلات تقول الأوساط نفسها ان المداولات الجارية عبر الاجتماعات التحضيرية لاحياء ذكرى 14 فبراير اتجهت في الأيام الأخيرة نحو محاولات جدية للغاية لإعادة الاعتبار الى مبدأ التحالف الذي قام بين قوى «14 آذار»، أقله كمنطلق للتخفيف من الآثار السلبية الواسعة والعميقة التي أصابت صورة هذا التحالف في الأشهر الأخيرة بعد ترشيح كل من فرنجية وعون.وتقول الأوساط ان اللقاءات التي أُجريت في الرياض بين الرئيس سعد الحريري وشخصيات من قوى «14 آذار» في الأيام الأخيرة تركزت على هذا الجانب تحديداً، مشيرة الى ان بعض هذه الشخصيات لمس ان الحريري ليس في وارد التخلي عن مبادرته في ترشيح فرنجية راهناً ولا في احتمال تأييد ترشيح عون، ولكنه لن يتطرق في الكلمة التي سيلقيها الأحد المقبل الى ترشيحه لفرنجية حصراً بل سيشرح موجبات المبادرة لكسْر أزمة الفراغ مع مفاصل أخرى تتصل بالواقع اللبناني والاقليمي. وتتوقع هذه الأوساط تبعاً لذلك تبريداً كبيراً في التوترات التي سادت داخل فريق «14 آذار»، الأمر الذي سيكون بمثابة انطلاقة لإعادة تقويم الحسابات الرئاسية من دون القدرة حالياً على توقُّع ما ستؤول اليه هذه المراجعة، علماً ان الأوساط تلفت الى ان العامل الاقليمي المتعلق بالأزمة السورية يبدو على مشارف تطورات ضخمة تتحكم بقوة بمسار الحسابات اللبنانية في ظل ما يحكى عن استعدادات لحملة برية بدفْعٍ سعودي قد تحصل في سورية في مقابل التقدم الميداني للنظام السوري مدعوماً من روسيا وإيران و«حزب الله».وتقول الاوساط انه اذا صحّ ان ترشيح فرنجية وبعده عون جاءا بمثابة انعكاس لمرحلة اختلال واسع في التوازنات الاقليمية، فان احتدام «صراع الفيلة» في المنطقة والتطورات المتوقعة اقليمياً قد تؤدي الى انعكاس الصورة بإعادة بعض التوازن الاقليمي مما سيرتدّ على المشهد اللبناني ولو ان الأمر يعني في كل الأحوال إبقاء الأزمة الرئاسية عالقة الى أمدٍ زمني مفتوح.في موازاة ذلك، شكّل عيد ما مارون مناسبة لإطلاق سلسلة مواقف من الملف الرئاسي حيث اكد البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في قداس العيد اذ اكد «اننا نبارك كل خطوة تجمع بين البعيدين والمتنازعين، وكل تقارب بين الأضداد وكل خطوة تعيد الثقة بين اللبنانيين ولا سيما بين الكتل السياسية والنيابية، وبين أهل الحكم في البرلمان والحكومة، ونبارك كل مبادرة شجاعة لإزالة تعطيل الجلسات الانتخابية في المجلس النيابي»، معتبراً انه «من أجل الوصول إلى انتخاب رئيس للجمهورية، لبنان بحاجة إلى رجالات دولة حقيقيين، يقومون بمثل هذه الخطوات والأفعال والمبادرات».وأعقب قداس مار مارون خلوة لافتة عُقدت بين الراعي والنائبين جيلبرت زوين (من كتلة عون) وانطوان زهرا (من كتلة «القوات») والوزير السابق يوسف سعادة (من فريق فرنجية)، في اول لقاء بين ممثلين لهذا الثلاثي منذ طرح الحريري اسم فرنجية للرئاسة ثم تبني جعجع ترشيح عون.وفي السياق نفسه تساءل راعي أبرشية بيروت للموارنة المطران بولس مطر خلال ترؤسه قداس العيد الذي غاب عنه للسنة الثانية على التوالي رئيس الجمهورية «أي ذنب اقترف لبنان لتصل حالته الى هذا السوء؟»، داعياً الى «حل المشاكل بمسؤولية وأن نضع أولاً نصب عيوننا أن كرامتنا الوطنية تحتّم علينا عدم ربط الرئاسة بأي ارادة خارج حدود لبنان»، مشددا على «ضرورة تلافي ما وقعنا فيه من خطأ سابقاً عندما فصلنا بين الدستور والميثاق الوطني، فاحترام الدستور لا يعني ادارة الظهر للحياة الميثاقية، واحترام القواعد لا تحصل بمعزل عن الدستور».وعلى هامش هذه المناسبة، اعتبر الرئيس السابق امين الجميّل «أننا نعيش انقلاباً ابيض بكل ما للكلمة من معنى ولا شك أن هناك غصة في القلب من جراء التعطيل في رئاسة الجمهورية»، محملا بعض الموارنة «جزءاَ من المسؤولية جراء تعطيل جلسات انتخاب الرئيس».
خارجيات
«14 آذار» نحو «تبريد» التوترات داخل صفوفها... والحريري يشرح الأحد موجبات مبادرته
احتدام «صراع الفيَلة» إقليمياً يعمّق الأزمة الرئاسية في لبنان
05:43 ص