لن يدخل رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري الى القاعة العامة غداً ومعه المطرقة ايذاناً بالشروع في عملية انتخاب رئيسٍ للجمهورية بتأخير نحو 20 شهراً. فالنصاب الدستوري والسياسي لن يكتمل على غرار 34 جلسة تمّت الدعوة اليها ولم تنعقد منذ مايو 2014 بسبب قرارٍ داخلي واقليمي بـ «تعليق» الانتخابات الرئاسية في لبنان اتخذه «حزب الله» لدوافع تتصل بمشروعه في لبنان والمنطقة واتكأ فيه على زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون الذي يعتبر نفسه صاحب الحقّ الحصري في الوصول الى الرئاسة.والجديد في جلسة يوم غد الاثنين هو وجود مرشحيْن من حلفاء «حزب الله»، واحد مدعوم من زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري، هو رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية، وآخر مدعوم من رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، وهو العماد عون. الا انه رغم وجود المرشحيْن الجدييْن، فان الجلسة لن تنعقد وبقرارٍ من «حزب الله»، الذي جدد امس تأكيد ان لا جلسة إلا في حال ضمن الفوز لمرشحه الرسمي والوحيد، اي زعيم «التيار الوطني الحر».وبهذا المعنى، فإن تعبيد الطريق امام عون لبلوغ القصر الرئاسي يحتاج حكماً الى ضمان تأييده من الحريري في شكل أساسي كونه صاحب كتلة برلمانية وازنة والأكثر تمثيلاً للسنّة كمكوّن اساسي لا يمكن القفز من فوقه في «ابو الاستحقاقات»، اي اختيار رئيس للبلاد، وتالياً فإن من الصعب توقُّع اختراق في الأمد المنظور، وخصوصاً ان الحريري سبق ان رشح في مبادرة غير رسمية، النائب سليمان فرنجية.والثابت حتى الآن ان المرشح الذي بادر الحريري الى تسميته (اي فرنجية) سقط بـ «فيتو» من «حزب الله»، وان ما يعوق وصول المرشح الذي بادر «حزب الله» الى ترشيحه (العماد عون) هو «الفيتو» من الحريري، مما يرسي معادلة من «التوازن السلبي» على المستوى الداخلي تشي بأن الفيتوات المتبادلة تحول دون انتخاب اي من المرشحيْن، ودون ملء الشغور الرئاسي في لبنان في وقت قريب.هذا «التوازن السلبي» يمتدّ الى موقف اللاعبين الاقليميين والدوليين من هوية الرئيس اللبناني العتيد. فقطْع «حزب الله» الطريق سريعاً على فرنجية كان مردّه في جانب اساسي منه الى انه رُشح بغطاء سعودي - فرنسي، ومن غير المستبعد ان يستمرّ الحريري في قطع الطريق على عون، الذي يتمتع بدعم ايراني وربما بتغطية اميركية.وتسود بيروت توقعات بأن تصبح هذه المعادلات أكثر سلبية على وهج السيناريوات التي تتحدث عن ان المواجهة السعودية - الايرانية تتجه لتصبح وجهاً لوجه في سورية، في ضوء التقارير عن عزم الرياض بناء تحالف «بري» تقوده لقتال «داعش» في سورية، وعن اتجاه الحرس الثوري الايراني الى رفْع مستوى حضوره الميداني في الصراع السوري.وبإزاء تحولات من هذا النوع، فإن ما اشيع عن نصائح جدية أُسديت للعماد عون للانفتاح على الحريري والتفاهم معه مصحوبةً بضمانات من «حزب الله» لعودته (الحريري) رئيساً للحكومة، مرشحة لان تذهب أدراج الرياح مع اشتداد المواجهة السعودية - الايرانية، وسط تقديرات بأن تطورات من هذا الطراز ستنقل الاهتمام من البحث عن تسويات رئاسية الى العمل على بناء «مانعة صواعق» تقي لبنان خطر الانفجار.وكان لافتاً تعمُّد «حزب الله» إرسال وفد امس لزيارة عون في يوم الذكرى العاشرة على توقيع ورقة التفاهم بين الجانبين. وقد حسم المعاون السياسي للامين العام للحزب حسين خليل بعد اللقاء عدم المشاركة في جلسة الانتخاب الرئاسية غداً، مكرراً «ان لدينا مرشحاً طبيعياً ودائماً اسمه الجنرال ميشال عون، وعندما تتوافر الظروف الملائمة لانتخابه رئيسا سنكون أول الوافدين الى البرلمان».واذ عبّر عن ارتياح «حزب الله» الى المصالحة بين «القوات اللبنانية» و«التيار الحر» قال: «نعتبر ان ما جرى في معراب (حيث مقر»القوات» الذي منه اعلن جعجع دعم ترشيح عون) هو بمثابة خطوة صحيحة في مسار طويل ونأمل في ان يتعمم ليس فقط في الوسط المسيحي بل ايضا الى كل الوطن».ورداً على سؤال، أكد انهم «لم يستطيعوا ان يضعضوا فريق 8 آذار، بل صار هناك تسليم لدى 14 آذار بان الرئيس يجب ان يكون من 8 آذار واليوم هناك عمل كثير، ويجب ان نعمل على النقطة المركزية والتي هي ان لدينا مرشحاً دائماً وهو العماد عون ويجري العمل على هذه النقطة ليس فقط مع 8 آذار بل مع كل الأفرقاء في البلد».وهل هذا يعني انكم تعملون على سحب ترشيح فرنجية؟ أجاب: «كلا، ليس معناه اننا نعمل على هذه النقطة اي سحب ترشيح الوزير فرنجية وليس معناه انه اذا سحب ترشيحه يكون لمصلحة العماد عون، الأمور بأوانها»، مضيفاً: «هناك مرشح اسمه الوزير فرنجية حليفنا ومن 8 آذار، ولكن حزب الله لديه مرشح اسمه العماد عون، وما دام مرشحاً فهو مرشح حزب الله».وفي موازاة ذلك، تشخص الانظار على الذكرى 11 لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، وسط تكهنات كثيرة حول ما سيكون عليه برنامج إحياء ذكرى 14 فبراير الأحد المقبل، ومنها الحضور الشخصي للرئيس سعد الحريري.وفي هذا الإطار أوضح النائب عمار حوري (من كتلة الحريري) لـ «الراي» أن قرار مشاركة الحريري في الذكرى من لبنان يعود اليه شخصياً «وفقاً لمعطياته الشخصية»، مؤكداً أن أحداً غير رئيس «المستقبل» لا يملك هكذا قرار.وفيما تكثر التساؤلات عمّا إذا كان هناك اتجاه لإعلان الرئيس الحريري رسمياً تبني ترشيح فرنجية في إطلالته في 14 فبراير، أكد حوري أن الكلمة التي سيلقيها الحريري في المناسبة «يعدّها هو شخصياً، وبالتالي لا معلومات مسبقة عنها».وعما يجري من محاولات للملمة صفوف 14 آذار قبل إحياء ذكرى 14 فبراير، من بينها تحرك النائب السابق فارس سعيد وعمّا إذا يمكن أن تطلّ 14 آذار في مشهدية موحدة في هذه المناسبة؟ قال: «الدكتور فارس سعيد هو أصلاً الأمين العام لقوى الرابع عشر من آذار، ولذا فإن أيّ تحرُّك يقوم به هو تحرك طبيعي»، مشدداً على أن «ما يجمعنا كقوى 14 آذار أكبر بكثير مما يفرقنا، وفي الوقت نفسه فإن مناسبة 14 فبراير جامعة، وأتوقع حضور الجميع لهذه المناسبة».وعن المعلومات التي تشير إلى نصائح أُسديت الى عون بالانفتاح على الحريري والتفاهم معه والى إسقاط «حزب الله» الفيتو عن عودته إلى رئاسة الحكومة، وإذا كان هناك احتمال لحصول تفاهم مع عون يتيح تبني ترشيحه من «المستقبل»، لفت حوري إلى أنه «تم توافق قبل تشكيل هذه الحكومة. والظروف الموضوعية هي التي أدت إلى عدم الوصول إلى تفاهم حول الانتخابات الرئاسية»، مشيراً إلى أن «الرئيس الحريري موقفه واضح في دعم النائب فرنجية، وأعتقد أن لا شيء قد تغيّر».