فيما كان السوق يخسر مئات ملايين الدنانير من قيمته السوقيّة يومياً، خرجت البنوك بأرباحٍ وتوزيعات فاقت توقّعات أشد المتفائلين. كيف حصل ذلك؟تحرص مصادر مصرفيّة على الإيضاح أن أرباح الربع الأخير من 2015 حافظت على نمطٍ مماثل لنتائج الأرباع الثلاثة السابقة، ليس لأن المصارف لا تستشعر القلق من تراجع الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية، وتهاوي أسعار النفط، ولكن لأن سياسات التحفّظ والحصافة التي كان البعض يشتكي منها في السنوات الماضية، أثبتت صوابها الآن.وتشير المصادر إلى أن عدداً من البنوك طلبت من البنك المركزي السماح لها بنقل جزء من المخصصات الاحترازية لتدعيم بعض المخصصات المحددة وشطب ديون متعثرة، فكان لها ذلك، من دون أن تتأثر أرباحها.وفي تقدير المصادر، أن البنك المركزي يطبّق السياسات الموصى بها دولياً، والتي هي من خلاصات الأزمات العالمية، بحيث يطلب تجنيب مخصصات كبيرة في فترات الرخاء، ليكون بوسعه إتاحة المجال أمام شيء من التيسير في فترات الشدّة، كالفترة التي تمر بها الأسواق حالياً. وكان من ثمار ذلك أن استخدمت البنوك «قرشها الأبيض» هذه الأيام، فلم تضطر إلى الأخذ من الأرباح لتعزيز المخصصات، وتمكنت في المقابل من تقديم توزيعات مجزية، كان لها أثرها المعنوي الملموس في السوق، حتى قبل أن تتحوّل إلى «كاش» بيد المساهمين.إلا أن ذلك لا يعني أن الربع الأول من العام الحالي سيكون بالضرورة على صورة الربع الأخير من العام الماضي، إذ من المعروف أن التراجعات الأكثر حدة في البورصة طرأت بعد بداية العام.كيف حال البنوك اليوم؟ تسجّل المصادر المصرفيّة بضع ملاحظات لإيجاز الوضع:1-لا قلق على المدى المنظور من أي أزمة نظامية، تشبه أو تقل عن أزمة 2008، على الرغم من القلق الحقيقي الذي ينتاب جميع القطاعات لصعوبة الوضع الاقتصادي. فاختبارات الضغط التي يجريها البنك المركزي بشكل دوري أتاحت تحديد مكامن الضعف وتدعيم ما يجب تدعيمه مبكراً. ولذلك هناك من قلق على ملاءة البنوك، خصوصاً بعد عمليات الرسملة والتخلي عن الأصول التي قامت بها البنوك التي كانت بحاجة لذلك، وفق توجيهات البنك المركزي، وبما يتوافق مع تعليمات «بازل 3».2-يتمتّع القطاع المصرفي من سيولة صحيّة للغاية حالياً. فعلى الرغم من أن آخر البيانات الرسمية تشير إلى تراجع توظيفات البنوك لدى البنك المركزي بأكثر من مليار دينار بين مايو ونوفمبر الماضيين (بلغت 4.81 مليار دينار بنهاية نوفمبر، شاملة الودائع لأجل والودائع تحت الطلب وسندات البنك المركزي)، إلا أن شهر ديسمبر شهد تحسناً كبيراً في السيولة، بعد أن قامت وزارة المالية بتسديد دفعات مستحقة لوزارة الكهرباء والمؤسسة العامة للتأمينات.3-وربطاً بالنقطة السابقة، توضح المصادر أن تراجع ودائع القطاع الخاص بحدّة خلال الأشهر الماضية (بنحو ملياري دينار بين مايو ونوفمبر 2015)، كان ناجماً على الأرجح عن تأخر وزارة المالية في صرف مستحقات التأمينات ومؤسسة البترول الكويتية (على وزارة الكهرباء)، ما اضطر هاتان المؤسستان إلى السحب من ودائعهما المحلية لصرف الرواتب وتأمين المصروفات، وهذا ما أدى تراجع مستويات السيولة في الجهاز المصرفي لبعض الوقت. وربما كانت وزارة المالية تتريّث ريثما تحسم الحكومة أمرها بإصدار السندات أو تغطية العجز من الاحتياطي العام لكن بعد تسوية الدفعات.4-أظهرت الحكومة مرّة أخرى التزامها بدعم الجهاز المصرفي، الذي هو رئة الاقتصاد. فحينما تراجعت ودائع القطاع الخاص بادرت الحكومة إلى زيادة ودائعها بما يقارب 700 مليون دينار بين يونيو ونوفمبر، لتتمكّن البنوك من الاستمرار في تمويل الاقتصاد والحاجات الشخصية للأفراد.وتبيّن المصادر أن الدعم الحكومي للبنوك أساسيّ وفعّال جداً في الحفاظ على مستوى مرتفع من التصنيفات، سواء من خلال الودائع الحكومية المستقرة، أو من خلال أوعية التوظيفات التي يوفرها البنك المركزي للسيولة الفائضة، والتي توفر شبكة أمان دائمة، أو من خلال ضمان الودائع. وتقول المصادر إن هذا الدعم كان له فضل كبير في خروج البنوك من الأزمة، وتدعيم مراكزها المالية والرأسمالية.5-أخيراً، تشير المصادر إلى أن تطبيق معايير «بازل 3» كان له أثر إيجابي بالغ في تدعيم القواعد الرأسمالية للبنوك، ولو أن ذلك حمّل البنوك تكلفة للأموال لا يستهان بها.وأشارت المصادر إلى أن يُحسب للبنوك المركزي تدرّجه في تطبيق المعايير، ومنها مثلاً مسألة خصم الضمانات العقارية من الأصول الموزونة المخاطر. وفي هذه النقطة، توضح المصادر أن العقار سيظل مقبولاً كضمان للإقراض (على الرغم من أن البنوك عالمياً باتت تهتم بالتدفقات النقدية للشركة المقترضة أكثر بكثير من الرهونات الحسيّة، كضمان للقدرة على السداد)، لكن سيتم تدريجياً وقف احتساب الرهونات العقارية ضمن مخففات المخاطر عند احتساب كفاية رأس المال.في الخلاصة، تلفت المصادر إلى أن البيئة الإشرافيّة الكويتية أثبتت احترافيتها في فترة ما بعد أزمة 2008، ما مكّن القطاع المصرفي من تكوين مصدّات كافية، وحصافة مالية وتنظيمية لمواجهة الظروف الراهنة، لكن ما يشغل القطاع المصرفي هو ما يشغل قطاعات الاقتصاد الأخرى، لأن هبوط النفط يصيب الاقتصاد الكويتي في الصميم.