رغم مؤتمر الرياض الذي جمع الطيف الاوسع منها تحت مظلّة الهيئة العليا للمفاوضات، فإن المعارضة السورية لا تبدو في وضع مريح، وهي تخوض محادثات جنيف غير المباشرة مع النظام. الأخبار الآتية من أرض الميدان جنوبا وشمالا ليست سارة بالنسبة لها، بعدما ترك التدخل الروسي أثرا ملحوظا على مجريات القتال. كما أن إيران الخارجة من العقوبات، ما زالت قوية داخل سورية، وأصبحت أقوى على الساحة الدولية. في المقابل، فإن أكثر حليف للمعارضة قدرة على دعمها، أي تركيا، محشور بين ضغوط أميركية وأوروبية لوقف تدفق المقاتلين من الغرب نحو سورية والمهاجرين من سورية نحو الغرب، وبين الضغط العسكري الروسي على نفوذه في شمال سورية، ولا سيما في ريفي اللاذقية وحلب، أي في المناطق الأكثر حيوية بالنسبة إليه.سيكون على المعارضة مواجهة اختبار صعب كان حتى الآن مؤجلا، هو كيف ستنعكس المفاوضات على العلاقة بين الفصائل المقاتلة على الأرض والتي تتشارك المناطق نفسها، وفي بعض الحالات الإطار التحالفي نفسه؟ كيف ستكون العلاقة مثلا بين «حركة أحرار الشام» و«جبهة النصرة» المندرجتين ضمن «جيش الفتح»؟ هل ستقبل «أحرار الشام» قتال «جبهة النصرة» والمجموعات الأخرى المصنفة إرهابية إلى جانب «داعش»، وفق ما ينص عليه إطار التسوية العام الذي اتفقت عليه روسيا وأميركا، ويقضي بالتوصل إلى حل سياسي بين النظام والمعارضة، ينتقل على أثره الطرفان لقتال هذه المجموعات؟الإجابة على هذه الأسئلة حتمية بالنسبة للمعارضة في أي مفاوضات يراد لها أن تؤدي على الأقل إلى احتواء الأزمة السورية، وهذا ما تسعى له الآن أميركا قبل روسيا، بسبب تزايد المخاوف من امتداد الأزمة إلى دول الجوار، ولا سيما الأردن ولبنان وتركيا، فضلا عن تفجير العراق أكثر مما هو متفجّر، وصولا إلى تأثّر دول النفط، الرخيص حاليا، في الخليج.أميركا تريد أيضا حصر المكاسب التي استطاعت موسكو تحقيقها حتى الآن، بعدما اختارت لحظة مناسبة جدا للتدخل مكّنتها من قلب المعادلات، حتى أصبحت، بالشراكة مع إيران، تملك كامل السلطة في مناطق سيطرة الرئيس بشار الأسد، الذي فقد زمام القرار تماما بسبب اعتماده الكلي على حلفائه، غير أنه في الوقت نفسه ما زال الرئيس القادر على التوقيع باسم سورية، كونه ما زال السلطة المعترف بها دوليا. وهذه معادلة رابحة تستطيع موسكو أن تحميها إلى ما لا نهاية عبر الفيتو الذي تملكه في مجلس الأمن.الوضع الداخلي في أميركا، وخصوصا في ظل المزايدات الانتخابية، يضغط على الإدارة للتدخل بشكل أكبر لاحتواء الأزمة السورية التي يخاف من آثارها الأميركيون، بعد تكاثر الهجمات في الولايات المتحدة التي رُبطت بها، وتدفق المهاجرين إلى أوروبا وإمكانية حصولهم لاحقا على جوازات سفر أوروبية تمكنهم من الانتقال بسهولة إلى الضفة الأخرى من الأطلسي.أطراف القتال نفسها أُنهكت بعد خمس سنوات من الحرب. وبعدما كان النظام وحلفاؤه يعانون من عدم القدرة على ردم الفجوة البشرية مع المقاتلين الذين يحاربون ضدهم، جاء دور هؤلاء ليعانوا حاليا، بعد إرغام تركيا على إغلاق حدودها إلى حد كبير، فضلا عن الإجراءات التي اتخذتها الدول التي كان يأتي منها هؤلاء المقاتلون. فبلغ النزيف البشري عند «داعش» مثلا حد أنه لم يستطع الدفاع عن مدينة كالرمادي سوى بـ 200 إلى 300 مقاتل، فخسرها، فضلا عن أنه صار في موقف تراجعي بشكل عام بعدما نالت منه الغارات الغربية والروسية، حتى إن لم تكن بالكثافة المطلوبة.المفاوضات الآن حاجة عالمية ملحّة، لا يمكن لأي من الأطراف السورية رفض المشاركة فيها. والمعادلة بسيطة جدا: الوضع الحالي على الأرض لا يتيح للمعارضة تحقيق الكثير.في كل الأحوال المفاوضات الحقيقية هي بين الدول الكبرى أكثر منها بين النظام والمعارضة، السياسية منها والعسكرية. وفيما لا يملك النظام سوى طاعة رعاته وحلفائه وتأدية الدور المطلوب منه باتقان، ولديه محترفون في ذلك، تحاول المعارضة المناورة، يساعدها في ذلك كون بعض حلفائها الإقليميين أنفسهم متمرّدين على الحليف الأكبر، أي الأميركي... لكن إلى متى يمكن أن يطول هذا؟