| القاهرة - من وليد طوغان |
تتقدم الحياة... وتتبدل الوسائل، وتحل أدوات تكنولوجية... أكثر سرعة في الأداء والنتائج، وتتحول أحلام كثيرة إلى واقع، تقود الدنيا إلى آفاق أرحب من المعرفة والثقافات والعلوم، ولكن!
ولكن... تبقى الخرافة والأساطير... السحر والتعاويذ، الاستنساخ الروحي واستدعاء الروح، أشياء تحكم عقول الناس في جميع القارات، وتحت كل الظروف، وفي كافة المستويات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والدنيوية.
نجلس إلى الكمبيوتر والشات والنت، ونتواصل عبر اتصالات لاسلكية وفضائية، وكثيرا ما ننظر إلى الخرافة، على أنها «المنقذ».
نركب الطائرات، وتجوب سفن الفضاء السماء، ونبقى في انتظار أن نذهب إلى ساحر، أو إلى قبيلة بدائية لحل «لغز»...
كل هذا يحدث في مجتمعاتنا العربية... وأيضا الغربية، تحدث في مجتمعات متقدمة اقتصاديا وتكنولوجيا وثقافيا، وبالمثل في مجتمعات قبلية مغلقة لم تقترب مما يحدث في الدنيا بعد.
وليس غريبا... أن تجد طقوسا للسحر الأسود في الصين أو منغوليا أو المغرب، وأن تجدها في ولاية أميركية أو حي فرنسي... وأن تجد جلسات لـ «عودة الروح» في ألمانيا... وأن تجدها في قبيلة في «غينيا الاستوائية».
وهناك حكايات طرد الأرواح الشريرة عند الهنود الحمر، وأيضا السحر موجود عند الأستراليين في قبائل البوشمن، كما هو موجود في الهند، وحتى في الثقافة اليونانية، وغيرها من الثقافات الأخرى.
قصص وحكايات كثيرة، في أساطير حيرت العالم... وسيطرت على البشرية، ما بين الحياة والموت وتناسخ الأرواح والحياة الأبدية والتعاويذ ونبوءات السحر... «الراي»... اقتربت من أشهرها في الحلقات التالية.
يبدو أن الحديث حول الروح متصل ... وإذا اقتربنا في الحلقة السابقة... من «حواديت» الروح في الهند... فالحديث أيضا موجود في أستراليا، وقد نعرج من جديد في سطورنا التالية على الهند:
حتى اليوم يعتقد أهل القبائل الأسترالية القديمة أن الأرواح الميتة لا تنقطع تماما عن الاتصال بعالم الأحياء، فهي تزور قريتها من آن لآخر، كما تزار من قبل الأصدقاء الأحياء والأقرباء الذين يملكون ملكة الاتصال بالعالم الغامض للأرواح، آخرون قادرون فقط على التقاط لمحات من الأرواح الميتة، تسمعهم، تراهم عن بعد أو في الظلام.
لدى بعض القبائل الأسترالية جزيرة «كونالي» هي المكان الذي تسكنه الأرواح بعد مماتها، و«كونالي» يسكنها الأحياء أيضا، وإلى «كونالي» يذهب بعض المواطنين من القبائل من آن لآخر في كونالي والجزر الملاصقة تكثر فيها عظام السلحفاة والأصداف الصفراء الكبيرة... في الحقيقة، هذه الجزيرة الصغيرة هي المصدر الرئيسي لأدوات الزينة المهمة للقرى الشمالية والشرقية الأسترالية.
الغابة الحجرية
حتى اليوم هناك قصة يصدقها معظم الفلاحين الأستراليين... القصة تقول إن «باجيدو» الساحر... كان يستقي الماء من بئر في «الغابة الحجرية» عندما ضربته روح على ظهره، وعندما التفت «باجيدو» لم ير سوى ظل يتراجع إلى الغابة، وسمع صوت «بسبسة» مثلما يحدث عادة بالشفاه عندما يريد الأهالي جذب انتباه شخص ما.
مرة أخرى كان باجيدو نائما في كونالي على الفراش، فجأة وجد نفسه يرفع، ويوضع على الأرض.
حشد كبير من الناس مع «تواو» زعيم قبيلة «كانا» ذهبوا إلى كونالي، رسوا غير بعيدين عن حجر «موداوزي»... عندما شاهدوا رجلا يقف هناك، على الفور تعرفوا عليه هو «جيوبولو» المحارب العظيم ذو الشجاعة والقوة التي لا تبارى، الذي مات حديثا في القرية بمسافة لا تزيد على «5» دقائق من مساكن قبيلة «كانا».
عندما اقتربوا منه اختفى، لكنهم سمعوا بوضوح «بوكسسوسي بالا» «أنتم تبقون، أنا سأرحل» ـ الصيغة المعتادة للوداع.
الفلاحون الأستراليون
رواية أخرى، تقول كان أحدهم في كونالي يشرب الماء من إحدى الآبار الكبيرة، التي تماثل الريبوج عندما سمع فتاة تدعى «بوافاو» تصيح عليه، وتناديه بالاسم، من خارج هذه البئر.
الفلاحون الأستراليون وبواقي القبائل الأسترالية القديمة حتى اليوم لديهم كثير من تلك الحكايات... أرواح «كونالي» معظمها أرواح طيبة... رغم تصرفاتها التي تميل قليلا إلى العبث... مثل: لقاء رجل محترم خارج فراشه، أو ضربه على ظهره».
لا يبدو أن الأهالي يأخذون مثل هذه المظاهر أو مزح الأرواح بأي شعور من الخوف، ولا يبدو أنهم يخشونها، خشية الأوروبيين من الأرواح.
وسطاء الموتى
معظم أهالي القبائل الأستراليين لديهم كثير من الحكايات أيضا عن وسطاء الأرواح الذين يتصلون بالأنوات.
كتب الباحث سيلجمان: «هناك أفراد يقال إنهم زاروا «كونالي» وعادوا إلى العالم فوق»... هؤلاء الناس نادرون، وهم من كلا الجنسين رغم أنهم بالطبع يتفاوتون كثيرا في الكشف الروحي في «قبيلة كانا»، أكثر شخص شافٍ من هذا النوع امرأة تسمى «بوالاجسي» ابنة الزعيم الراحل «نوماكالا»، شقيق وسلف «تويولاوا» الزعيم الحالي «كانا» قامت بزيارة «كونالي»، وتستمر على ما يبدو في زيارتها حيث تشاهد وتتحدث مع الأرواح.
هناك أيضا رجل اسمه «مونيجاوا» يذهب إلى «كونالي» من وقت لآخر ويحضر الأنباء من الأرواح وأيضا الرسائل الشخصية من مختلف الأرواح إلى عائلاتهم... الأهالي هناك يؤمنون بكل نبوءات الأرواح، وينقذون ما جاء في رسائلهم بالحرف الواحد.
السيدة «بوالاجسي» العجوز تقول إنها لم تتذكر مطلقا ما شاهدته، رغم أنها تتذكر ما قيل لها، إنها لا تسير أو تبحر إلى «كونالي»، إنها فقط تغرق في النوم لتجد نفسها بين الأرواح.
أرواح الهند
في الهند هناك شكل مختلف قليلا للاتصال بالأرواح يتم عن طريق أناس تنتابهم نوبات قصيرة يتحدثون خلالها إلى أرواح الموتى... هؤلاء يقولون كلاما صحيحا معظم الأوقات، وتفاصيل لم يكن يعلمها أحد في كل الأوقات ولا أحد الآن قادر على تحديد السبب وراء تلك الظاهرة.
إدوارد مون «باحث فرنسي» كتب في كتابه: «أرواح الهند» هذه القصة... قال فيه: ذات صباح سمعت صياحا وأنا في منزلي القديم بقرية «ماكاتا» الهندية الساحلية، وخيل لي أنه شجار كلامي من الجانب الآخر للقرية، وحيث إنني كنت يقظا دائما للحصول على بعض التوثيق الاجتماعي، استفسرت من الأهالي في كوخي عما حدث، أجابوا إن «جمجويا» ـ رجل رصين ومحترم ـ يتحدث إلى الأرواح.
أسرعت إلى المكان، لكن وصلت متأخرا، وجدت الرجل منهكا في فراشه، نائما على ما يبدو... لم يثر الحادث أي إثارة لأنه كما قالوا، كان معتادا الحديث.
كان الحوار يتم بواسطة «جمجويا» في نغمة حادة عالية النبرات تبدو كمونولوج.صاخب.
في قرى الهند يقولون إن «الأرواح»، بطريقة غامضة، مهتمة دائما بالاحتفالات، وتراقب للتأكد من وفرة الطعام، أي شبح، سواء أكان سببه البخل أو الحظ السيئ للمنظم، تدينه الأرواح التي تلومه عليه سواء أكان خطؤه أم لا، هكذا، في حالتنا هذه، اتصلت الأرواح بـ «جمجويا» بغرض التعبير عن عدم رضائها الشديد بالطابع الهزيل للاحتفال الذي تم على الشاطئ.
اتصال الموتى والأحياء
في الهند أيضا... تلعب الأحلام بعض الأدوار... في الاتصال بين الأرواح الميتة والأحياء، ربما تحدث الحالات التي تظهر فيها الأرواح الميتة للأحياء عقب الوفاة مباشرة، عندما تأتي الروح وتقص الأنباء على أي قريب أو صديق حميم لا يوجد في المكان، مرة أخرى، غالبا ما تأتي الروح إلى النساء في الأحلام لتخبرهن أنهن سيصبحن حوامل.
أثناء «الجونشي»، الاحتفال السنوي، يزار الناس مرارا من أقاربهم الموتى في الأحلام، في أولى الحالات المشار إليها «عندما تأتي الأرواح بعد الوفاة إلى الأصدقاء أو الأقارب الغائبين» هناك بعض الإسقاط، وبعض التركيز، كما هو مفترض في تفسير الأحلام على امتداد كل العصور والحضارات.
أسئلة وألغاز
لابد أن كثيرين يسألون: «ماذا تشبه الأرواح؟ هل جسمها مثلنا أو مختلفة؟ وبأي طريقة هي مختلفة؟».
الرد على مثل هذه الأسئلة سيكون واحدا تقريبا لدى الهندوس... هم يقولون إن الأرواح مثل انعكاس «صورة» في الماء.
«إدوارد مون»... يكمل تساؤلاته في كتابه الرائع ويقول: «لقد كنت دائما تحت انطباع أن مثل هذه الأسئلة ليست تعريفا أكثر من كونها تشبيها. أقصد بذلك أن كثيرا من الهندوس ليسوا متأكدين مطلقا بأن الأرواح تتركب من نفس المادة كانعكاس، في الحقيقة، هم يعرفون بأن «الانعكاس» لا شيء، وأنه «كذبة».
إذن... كيف يمكن للروح أن تصيح أو تأكل أو تمارس الحب أو تلقي الأحجار، أو تضرب رجلا إن كان مثل الظل؟
الأكثر ذكاء أجابوا نفس الإجابة «حسنا الروح مثل الانعكاس، ومثل الظل، لكنها أيضا مثل البشر، وتتصرف كما يتصرف البشر».
الأقل ذكاء أو الأقل صبرا من الرواة يميلون لهز أكتافهم أمام هذه الأسئلة، آخرون قد يصبحون مهتمين اهتماما واضحا بالتأملات، ويخرجون بآراء فردية، ويسألونك الرأي، ويبدأون نقاشا، لكن مثل هذه الآراء الفردية لا ترقى إلى تأملات عميقة، فهي تدور حول الآراء العامة التي سبقت الإشارة إليها.
يكمل مون: هناك آراء معينة يجمع عليها الجميع، ليس هناك أدنى شك بأن الروح تحتفظ بشبه الشخص الذي تمثله، فإنك إن رأيت الروح رأيت الشخص الذي كان.
ويقول: «الهنود الهندوس وبعض طوائفهم الفقيرة يعتقدون أن الروح تعيش حياة البشر، تكبر، تأكل، تنام، وتحب أيضا».
الروح الشريرة
يرى الأفارقة أن «الروح الشريرة» هي المرحلة الأولى في طريق الروح الميتة للأرواح الطيبة... هم يقولون إن الأرواح تمكث وقتا بعد الوفاة حول، وقرب منزلها ثم تغادر، وهناك من يقول إن الأرواح فور الوفاة هي التي تقرر ما إذا كانت ستكون طيبة أم شريرة.
علاقة الروح بجسم الشخص الحي مازالت أقل وضوحا بالنسبة لمعظم المعتقدين في تناسخ الأرواح وانتقالها من جسد لجسد، فهم غير قادرين على إعطاء أي إجابات محددة على أسئلة مثل: أين توجد الروح في أي جزء من الجسم «الرأس، البطن، الرئتين»، هل تتركه أثناء الحياة؟ هل الروح هي التي تسير في الأحلام؟
مهما طال اللف والدوران هم لا يستطيعون تحديد موضع الروح، وللحق أنهم فقط يتخيلونها كقرين ينفصل عن الجسم عند الموت، لا كروح تسكن في الجسد أثناء الحياة.
أما السؤال المهم الآخر الذي لا إجابة له حتى الآن في معظم أساطير الأرواح هو مقرها الفعلي... أين توجد بعد الوفاة؟
هل تقيم على سطح الأرض، أو هل تعيش تحت الأرض أو في مكان آخر؟ هناك عدة آراء في الأساطير المحتلفة وفي ثقافات القبائل القديمة... ممتدة مع أبنائها حتى الآن ومؤيدو كل منها جادون تماما في تأييد وجهة نظرهم.
لعل العامل المشترك الوحيد عن الأرواح في العالم إنها تسكن إما جزيرة، أو باطن الأرض أو السماء، أما قصتها تحت الأرض فتحكمها قبيلة «الوانجونا» الأفريقية... تقول أسطورتهم: إن الأرواح تنزل تحت الأرض إلى «عالم سفلي» واقعي، وتعيش هناك في عالم سفلي ذي طابقين، عندما تموت الروح في نهاية وجودها الروحي الأول تنزل إلى الطابق أو الطبقة السفلى... من هناك فقط تكون قادرة على العودة إلى العالم المادي أي الجسد.
الأغلبية ترفض هذه النظرية وتقول إن هناك فقط طبقة واحدة من العالم السفلي، وهذا ما يتفق مع قول الأستاذ سيلجمان: «أرواح الموتى لا تمكث في العالم فوق مع الأحياء، بل تنزل إلى العالم الآخر تحت الأرض».
تتقدم الحياة... وتتبدل الوسائل، وتحل أدوات تكنولوجية... أكثر سرعة في الأداء والنتائج، وتتحول أحلام كثيرة إلى واقع، تقود الدنيا إلى آفاق أرحب من المعرفة والثقافات والعلوم، ولكن!
ولكن... تبقى الخرافة والأساطير... السحر والتعاويذ، الاستنساخ الروحي واستدعاء الروح، أشياء تحكم عقول الناس في جميع القارات، وتحت كل الظروف، وفي كافة المستويات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والدنيوية.
نجلس إلى الكمبيوتر والشات والنت، ونتواصل عبر اتصالات لاسلكية وفضائية، وكثيرا ما ننظر إلى الخرافة، على أنها «المنقذ».
نركب الطائرات، وتجوب سفن الفضاء السماء، ونبقى في انتظار أن نذهب إلى ساحر، أو إلى قبيلة بدائية لحل «لغز»...
كل هذا يحدث في مجتمعاتنا العربية... وأيضا الغربية، تحدث في مجتمعات متقدمة اقتصاديا وتكنولوجيا وثقافيا، وبالمثل في مجتمعات قبلية مغلقة لم تقترب مما يحدث في الدنيا بعد.
وليس غريبا... أن تجد طقوسا للسحر الأسود في الصين أو منغوليا أو المغرب، وأن تجدها في ولاية أميركية أو حي فرنسي... وأن تجد جلسات لـ «عودة الروح» في ألمانيا... وأن تجدها في قبيلة في «غينيا الاستوائية».
وهناك حكايات طرد الأرواح الشريرة عند الهنود الحمر، وأيضا السحر موجود عند الأستراليين في قبائل البوشمن، كما هو موجود في الهند، وحتى في الثقافة اليونانية، وغيرها من الثقافات الأخرى.
قصص وحكايات كثيرة، في أساطير حيرت العالم... وسيطرت على البشرية، ما بين الحياة والموت وتناسخ الأرواح والحياة الأبدية والتعاويذ ونبوءات السحر... «الراي»... اقتربت من أشهرها في الحلقات التالية.
يبدو أن الحديث حول الروح متصل ... وإذا اقتربنا في الحلقة السابقة... من «حواديت» الروح في الهند... فالحديث أيضا موجود في أستراليا، وقد نعرج من جديد في سطورنا التالية على الهند:
حتى اليوم يعتقد أهل القبائل الأسترالية القديمة أن الأرواح الميتة لا تنقطع تماما عن الاتصال بعالم الأحياء، فهي تزور قريتها من آن لآخر، كما تزار من قبل الأصدقاء الأحياء والأقرباء الذين يملكون ملكة الاتصال بالعالم الغامض للأرواح، آخرون قادرون فقط على التقاط لمحات من الأرواح الميتة، تسمعهم، تراهم عن بعد أو في الظلام.
لدى بعض القبائل الأسترالية جزيرة «كونالي» هي المكان الذي تسكنه الأرواح بعد مماتها، و«كونالي» يسكنها الأحياء أيضا، وإلى «كونالي» يذهب بعض المواطنين من القبائل من آن لآخر في كونالي والجزر الملاصقة تكثر فيها عظام السلحفاة والأصداف الصفراء الكبيرة... في الحقيقة، هذه الجزيرة الصغيرة هي المصدر الرئيسي لأدوات الزينة المهمة للقرى الشمالية والشرقية الأسترالية.
الغابة الحجرية
حتى اليوم هناك قصة يصدقها معظم الفلاحين الأستراليين... القصة تقول إن «باجيدو» الساحر... كان يستقي الماء من بئر في «الغابة الحجرية» عندما ضربته روح على ظهره، وعندما التفت «باجيدو» لم ير سوى ظل يتراجع إلى الغابة، وسمع صوت «بسبسة» مثلما يحدث عادة بالشفاه عندما يريد الأهالي جذب انتباه شخص ما.
مرة أخرى كان باجيدو نائما في كونالي على الفراش، فجأة وجد نفسه يرفع، ويوضع على الأرض.
حشد كبير من الناس مع «تواو» زعيم قبيلة «كانا» ذهبوا إلى كونالي، رسوا غير بعيدين عن حجر «موداوزي»... عندما شاهدوا رجلا يقف هناك، على الفور تعرفوا عليه هو «جيوبولو» المحارب العظيم ذو الشجاعة والقوة التي لا تبارى، الذي مات حديثا في القرية بمسافة لا تزيد على «5» دقائق من مساكن قبيلة «كانا».
عندما اقتربوا منه اختفى، لكنهم سمعوا بوضوح «بوكسسوسي بالا» «أنتم تبقون، أنا سأرحل» ـ الصيغة المعتادة للوداع.
الفلاحون الأستراليون
رواية أخرى، تقول كان أحدهم في كونالي يشرب الماء من إحدى الآبار الكبيرة، التي تماثل الريبوج عندما سمع فتاة تدعى «بوافاو» تصيح عليه، وتناديه بالاسم، من خارج هذه البئر.
الفلاحون الأستراليون وبواقي القبائل الأسترالية القديمة حتى اليوم لديهم كثير من تلك الحكايات... أرواح «كونالي» معظمها أرواح طيبة... رغم تصرفاتها التي تميل قليلا إلى العبث... مثل: لقاء رجل محترم خارج فراشه، أو ضربه على ظهره».
لا يبدو أن الأهالي يأخذون مثل هذه المظاهر أو مزح الأرواح بأي شعور من الخوف، ولا يبدو أنهم يخشونها، خشية الأوروبيين من الأرواح.
وسطاء الموتى
معظم أهالي القبائل الأستراليين لديهم كثير من الحكايات أيضا عن وسطاء الأرواح الذين يتصلون بالأنوات.
كتب الباحث سيلجمان: «هناك أفراد يقال إنهم زاروا «كونالي» وعادوا إلى العالم فوق»... هؤلاء الناس نادرون، وهم من كلا الجنسين رغم أنهم بالطبع يتفاوتون كثيرا في الكشف الروحي في «قبيلة كانا»، أكثر شخص شافٍ من هذا النوع امرأة تسمى «بوالاجسي» ابنة الزعيم الراحل «نوماكالا»، شقيق وسلف «تويولاوا» الزعيم الحالي «كانا» قامت بزيارة «كونالي»، وتستمر على ما يبدو في زيارتها حيث تشاهد وتتحدث مع الأرواح.
هناك أيضا رجل اسمه «مونيجاوا» يذهب إلى «كونالي» من وقت لآخر ويحضر الأنباء من الأرواح وأيضا الرسائل الشخصية من مختلف الأرواح إلى عائلاتهم... الأهالي هناك يؤمنون بكل نبوءات الأرواح، وينقذون ما جاء في رسائلهم بالحرف الواحد.
السيدة «بوالاجسي» العجوز تقول إنها لم تتذكر مطلقا ما شاهدته، رغم أنها تتذكر ما قيل لها، إنها لا تسير أو تبحر إلى «كونالي»، إنها فقط تغرق في النوم لتجد نفسها بين الأرواح.
أرواح الهند
في الهند هناك شكل مختلف قليلا للاتصال بالأرواح يتم عن طريق أناس تنتابهم نوبات قصيرة يتحدثون خلالها إلى أرواح الموتى... هؤلاء يقولون كلاما صحيحا معظم الأوقات، وتفاصيل لم يكن يعلمها أحد في كل الأوقات ولا أحد الآن قادر على تحديد السبب وراء تلك الظاهرة.
إدوارد مون «باحث فرنسي» كتب في كتابه: «أرواح الهند» هذه القصة... قال فيه: ذات صباح سمعت صياحا وأنا في منزلي القديم بقرية «ماكاتا» الهندية الساحلية، وخيل لي أنه شجار كلامي من الجانب الآخر للقرية، وحيث إنني كنت يقظا دائما للحصول على بعض التوثيق الاجتماعي، استفسرت من الأهالي في كوخي عما حدث، أجابوا إن «جمجويا» ـ رجل رصين ومحترم ـ يتحدث إلى الأرواح.
أسرعت إلى المكان، لكن وصلت متأخرا، وجدت الرجل منهكا في فراشه، نائما على ما يبدو... لم يثر الحادث أي إثارة لأنه كما قالوا، كان معتادا الحديث.
كان الحوار يتم بواسطة «جمجويا» في نغمة حادة عالية النبرات تبدو كمونولوج.صاخب.
في قرى الهند يقولون إن «الأرواح»، بطريقة غامضة، مهتمة دائما بالاحتفالات، وتراقب للتأكد من وفرة الطعام، أي شبح، سواء أكان سببه البخل أو الحظ السيئ للمنظم، تدينه الأرواح التي تلومه عليه سواء أكان خطؤه أم لا، هكذا، في حالتنا هذه، اتصلت الأرواح بـ «جمجويا» بغرض التعبير عن عدم رضائها الشديد بالطابع الهزيل للاحتفال الذي تم على الشاطئ.
اتصال الموتى والأحياء
في الهند أيضا... تلعب الأحلام بعض الأدوار... في الاتصال بين الأرواح الميتة والأحياء، ربما تحدث الحالات التي تظهر فيها الأرواح الميتة للأحياء عقب الوفاة مباشرة، عندما تأتي الروح وتقص الأنباء على أي قريب أو صديق حميم لا يوجد في المكان، مرة أخرى، غالبا ما تأتي الروح إلى النساء في الأحلام لتخبرهن أنهن سيصبحن حوامل.
أثناء «الجونشي»، الاحتفال السنوي، يزار الناس مرارا من أقاربهم الموتى في الأحلام، في أولى الحالات المشار إليها «عندما تأتي الأرواح بعد الوفاة إلى الأصدقاء أو الأقارب الغائبين» هناك بعض الإسقاط، وبعض التركيز، كما هو مفترض في تفسير الأحلام على امتداد كل العصور والحضارات.
أسئلة وألغاز
لابد أن كثيرين يسألون: «ماذا تشبه الأرواح؟ هل جسمها مثلنا أو مختلفة؟ وبأي طريقة هي مختلفة؟».
الرد على مثل هذه الأسئلة سيكون واحدا تقريبا لدى الهندوس... هم يقولون إن الأرواح مثل انعكاس «صورة» في الماء.
«إدوارد مون»... يكمل تساؤلاته في كتابه الرائع ويقول: «لقد كنت دائما تحت انطباع أن مثل هذه الأسئلة ليست تعريفا أكثر من كونها تشبيها. أقصد بذلك أن كثيرا من الهندوس ليسوا متأكدين مطلقا بأن الأرواح تتركب من نفس المادة كانعكاس، في الحقيقة، هم يعرفون بأن «الانعكاس» لا شيء، وأنه «كذبة».
إذن... كيف يمكن للروح أن تصيح أو تأكل أو تمارس الحب أو تلقي الأحجار، أو تضرب رجلا إن كان مثل الظل؟
الأكثر ذكاء أجابوا نفس الإجابة «حسنا الروح مثل الانعكاس، ومثل الظل، لكنها أيضا مثل البشر، وتتصرف كما يتصرف البشر».
الأقل ذكاء أو الأقل صبرا من الرواة يميلون لهز أكتافهم أمام هذه الأسئلة، آخرون قد يصبحون مهتمين اهتماما واضحا بالتأملات، ويخرجون بآراء فردية، ويسألونك الرأي، ويبدأون نقاشا، لكن مثل هذه الآراء الفردية لا ترقى إلى تأملات عميقة، فهي تدور حول الآراء العامة التي سبقت الإشارة إليها.
يكمل مون: هناك آراء معينة يجمع عليها الجميع، ليس هناك أدنى شك بأن الروح تحتفظ بشبه الشخص الذي تمثله، فإنك إن رأيت الروح رأيت الشخص الذي كان.
ويقول: «الهنود الهندوس وبعض طوائفهم الفقيرة يعتقدون أن الروح تعيش حياة البشر، تكبر، تأكل، تنام، وتحب أيضا».
الروح الشريرة
يرى الأفارقة أن «الروح الشريرة» هي المرحلة الأولى في طريق الروح الميتة للأرواح الطيبة... هم يقولون إن الأرواح تمكث وقتا بعد الوفاة حول، وقرب منزلها ثم تغادر، وهناك من يقول إن الأرواح فور الوفاة هي التي تقرر ما إذا كانت ستكون طيبة أم شريرة.
علاقة الروح بجسم الشخص الحي مازالت أقل وضوحا بالنسبة لمعظم المعتقدين في تناسخ الأرواح وانتقالها من جسد لجسد، فهم غير قادرين على إعطاء أي إجابات محددة على أسئلة مثل: أين توجد الروح في أي جزء من الجسم «الرأس، البطن، الرئتين»، هل تتركه أثناء الحياة؟ هل الروح هي التي تسير في الأحلام؟
مهما طال اللف والدوران هم لا يستطيعون تحديد موضع الروح، وللحق أنهم فقط يتخيلونها كقرين ينفصل عن الجسم عند الموت، لا كروح تسكن في الجسد أثناء الحياة.
أما السؤال المهم الآخر الذي لا إجابة له حتى الآن في معظم أساطير الأرواح هو مقرها الفعلي... أين توجد بعد الوفاة؟
هل تقيم على سطح الأرض، أو هل تعيش تحت الأرض أو في مكان آخر؟ هناك عدة آراء في الأساطير المحتلفة وفي ثقافات القبائل القديمة... ممتدة مع أبنائها حتى الآن ومؤيدو كل منها جادون تماما في تأييد وجهة نظرهم.
لعل العامل المشترك الوحيد عن الأرواح في العالم إنها تسكن إما جزيرة، أو باطن الأرض أو السماء، أما قصتها تحت الأرض فتحكمها قبيلة «الوانجونا» الأفريقية... تقول أسطورتهم: إن الأرواح تنزل تحت الأرض إلى «عالم سفلي» واقعي، وتعيش هناك في عالم سفلي ذي طابقين، عندما تموت الروح في نهاية وجودها الروحي الأول تنزل إلى الطابق أو الطبقة السفلى... من هناك فقط تكون قادرة على العودة إلى العالم المادي أي الجسد.
الأغلبية ترفض هذه النظرية وتقول إن هناك فقط طبقة واحدة من العالم السفلي، وهذا ما يتفق مع قول الأستاذ سيلجمان: «أرواح الموتى لا تمكث في العالم فوق مع الأحياء، بل تنزل إلى العالم الآخر تحت الأرض».