تتناغم الصورة الشعرية في نصوص الشاعرة والكاتبة الدكتورة عالية شعيب مع الكثير من المفردات التي تبدو في توهجها رؤى إنسانية موغلة في مشاعرها، ومنحازة- كل الانحياز- إلى مضامين يغلب على معظمها الطابع الاستلهامي، الذي يحاول البحث عن الحياة في كل الموجودات الساكنة والمتحركة لإتاحة الفرصة له كي تكون كائنات تتنفس الواقع وتشارك الشاعرة رحلتها المضنية في البحث عن الحقيقة، والتي تتوارى خلف غشاوة شديدة الظلام.وفي ديوانها «قلق غزالة» الصادر عن دار العين للنشر... تمكنت شعيب من الوصول إلى مناطق مفعمة بالمشاعر، ومتواصلة مع الكثير من الدلالات التي تشير للحياة في حيويتها وتدفقها... في ما اتسمت المفردات بالرشاقة والقدرة على تنبيه الحس الإنساني بمواضيع تبدو في مجملها متناسقة مع الواقع ومتفاعلة مع قضايا عدة تحفل بها الأرض:ومن خلال العنوان «قلق غزالة»... سيكون الذهن متجها إلى صور خيالية مرهفة وفي الوقت نفسه كثيرة المعاني، فالقلق أصاب كائنا رقيقا «الغزالة»، وهو كائن جبل الشعراء على أن يكون وصفا للجمال والرقة والرشاقة، عند حديثهم عن المرأة، إلا أن الشاعرة رأت في هذا الكائن الرقيق قلقا، يستوجب كشفه، والبحث عن أسبابه، ومن ثم كان التأهيل النفسي لاستقبال نصوص الديوان موجودا، في هذا العنوان، الذي يحمل قدرا كبيرا من المضامين والدلالات.ثم نقترب من البداية، والتي نراها إهداء غير تقليدي وضعته الشاعرة في مستهل ديوانها:إلاالأماكن التي ارتشفتنيوالأكواب التي احتضنتنيوالأوراق التي انسكبت فيهاوالكراسي التي أسندتنيوخشب الطاولات الذي شهق بيوالفساتين التي أضاءت روحيوالمرايا التي سكرت بهاوالأقلام التي صورتنيوالمشاهد التي كتبتنيوالمارة الذين أحببت دون علمسلام... وأكثر وأكثرهذا الإهداء اجتمع فيه الجماد والكائنات الحية... في حديقة روحها، التي لا تفرق بين ساكن أو متحرك... كلها أشياء تبعث في نفسها الحب والطمأنينة، وتتناسق معها في عزف إنساني جذاب.والديوان يضم 225 ورقة من القطع المتوسط احتوى على قصائد يدخل بعضها في منظومة الومضة وبعضها الآخر يستغرق بعضا من الوقت من أجل الوصول إلى منتهاه، غير أن المعنى يظل متشبثا بروح الإنسان الباحث عن الطمأنينة، والحرية، المتأمل في أحوال الحياة ذلك التأمل الذي ليس فيه كلل أو ملل، فهو استغراق مشابك مع النفس والروح، وملتصق بالصفات والأحوال.تسقط من شفتي كقطرة ندىأنا امرأة مطفأةفأسبح إلى مواطن الينابيع في قلبيأشعل هواك وأستوحشروح الماء تغمرنالن نفيقلن نغرقومن خلال الومضة الخاطفة تستطيع الشاعرة أن تصل إلى مبتغاها، وأن تجلس الفكرة على أريكة البوحة، من أجل أن تقول بتكثيف وإيحاء شديدين، ثم يأتي التأمل كي يضيف إلى المعنى توهجه، وحضوره:في عطش الانتظارصورتك معلقة بمسامرينواحد في قطرة ماء عنيدةوآخر في قلبيالانتظار يجعلني كرسياوالأشواق تجعلني شجرةتعلق على بدنها الأمنياتوعلى أساس ما تضيفه شعيب إلى نصوصها من صور ومشاهد وخيالات... ستجد أن اللوحة بارزة في وجدانك، وقد اكتملت عناصرها، وتوهجت ألوانها، ويمكنك بسهولة تعليقها على حائط احلامك، وتأمل مفرداتها التي تتخذ من العمق لغة حية ومتحركة في أكثر من اتجاه:يا لقسوة المطارات يا حبيبيوكيف توقظ فينا الوحشة والأشباحلماذا يهرب الفرح من قاعات المطار؟لماذا تتسم قهوته بالمرارةويفترسنا وجوم الوجوهوكأن النفوس جثث مؤجلةليت هذه الدنيا بلا مطارات يا حبيبيوأبقى في حضنك بلا سفر.وتبقى المفردات الشعرية مهمومة بالشأن الإنساني ومتفاعلة مع مضامينه وتحولاته، وذلك وفق منظومة حسية، طرحتها الشاعرة في متون نصوصها، وهو طرح يتبدى فيه التأمل مصحوبا بالتوجس تارة والطمأنينة تارة أخرى، وفي بعض الأحوال قد يكون التأمل محصلة للتوجس والطمأنينة معا:ما زال عطرك يبعد الدخان عن انفاسيويدك تطعمني الحب خبزالا يزال قميصك يحارب القبح عنيويبذر شتلات ياسمين وزنبق على شرفاتيلا يزال اسمك يعلو بي كلما ضعفت وكدت أسقطوعينك تشير للغيمة بأن تتبعنيوفمك يتلو الأناشيد لتهدهد أحلاميوالدكتورة عالية شعيب... تتمتع بقدر كبير من الحس الفني والأدبي من خلال موهبتها في الشعر والفنون التشكيلية، إلى جانب تخصصها الأكاديمي، الذي يبحث في النفس البشرية، وكتاباتها الصحافية الناقدة للمجتمع، ومن خلال هذه الاتجاهات، فإن شعيب لديها قدرة شديدة على تكثيف الفكرة، وتشخيص المشكلة، ومن ثم محاولة معالجتها بالكلمة.
محليات - ثقافة
ديوانها صدر عن دار العين للنشر
قراءة / عالية شعيب... تكشف «قلق غزالة» شاردة
12:56 م