في ظل تأكيده على أن «حزب الله» يتحمل جزءاً كبيراً من الأزمة الرئاسية التي يشهدها لبنان، شدد الأمين العام لمجلس شورى «الجماعة الإسلامية» عزام الأيوبي على أن هذا الحزب الذي يدخل ويخرج من سورية خلافاً لكل مبادئ القانون اللبناني والسيادة اللبنانية والعلاقات الديبلوماسية التي يفترض أنها لا تقبل بأن يخرج فريق ليقاتل في دولة أخرى، هو مَن يستفيد اليوم من الفراغ ومن المساحات الهائلة التي ينتجها هذا الفراغ.وبعد انتخابه مطلع 2016 أميناً عاماً جديداً لولاية تنظيمية تمتدّ لثلاث سنوات خلفاً للأمين العام السابق إبراهيم المصري ارتأى الأيوبي أن لكل مرحلة معالمها، وأنه لا يعتبر نفسه غير مَن سبقه، إلا أن هناك نمط تفكير مختلفاً وروحاً ستعبّر عن جو شبابي.«الراي» التقت الأيوبي، وكانت لها معه جولة أفق على الأوضاع السياسية محلياً وإقليمياً، توقفت فيها عند انتخابه كأمين عام للجماعة وملامح المرحلة الجديدة في عملها السياسي فضلاً عن أفق تحالفاتها ومصير خصوماتها في هذا الحوار:? ثمة مَن يرى في تولّيكم لهذا المنصب بداية مرحلة جديدة في العمل السياسي للجماعة.. ما عنوانها وما ملامحها؟ـ أولاً وصولي إلى موقع الأمانة العامة سياق ليس مفاجئاً بل طبيعي. لا أتحدّث على المستوى الشخصي، بل بشكل عام بالنسبة إلى نظام الجماعة الذي يفرض إجراء انتخابات كل ثلاث سنوات.ومنذ نحو ثلاث دورات أي نحو سبع سنوات أو أكثر بقليل، أضيفت إلى النظام مادة تنص على أنه لا يحق لأي مسؤول أن يتولى أكثر من ولايتين متتاليتين، فبات من المنطقي والبديهي أن يأتي شخص آخر بخلاف المرحلة الماضية حيث لم يتوال على الأمانة العامة طوال 55 عاماً إلا ثلاثة أشخاص. بالتالي فإن المادة الجديدة التي أضيفت أصبحت تفرض عملية التغيير، ما يعني وصول وجه جديد. وقد أوصلت تقديرات الأخوة المعنيين في لبنان بالانتخاب عزّام الأيوبي اليوم إلى سدّة الأمانة العامة.? إذا كان الأمر كما تقولون فهل ستكون هناك سياسة جديدة؟- من دون أدنى شك. فلكل مرحلة معالمها، وأنا لا أعتبر نفسي غير مَن سبقني. لكن طبيعة الظروف المحيطة بالساحة اللبنانية وإقليمياً تفرض نفسها، بالإضافة إلى نمط العقلية إذ هناك فارق في العمر بنحو ثلاثين عاماً بيني وبين الأخ الأمين العام السابق، ما يعني أن هناك نمط تفكير مختلفاً وروحاً تعبّر عن جو شبابي يودّ أن يكون منخرطاً أكثر بالعملية السياسية في الساحة اللبنانية وليس منغلقاً داخل التنظيم فقط.ومن هنا فإن الملامح الأكثر وضوحاً حتى هذه اللحظة أننا سنكون أكثر انفتاحاً على المجتمع اللبناني ككل. ولن تعود «الجماعة الإسلامية» هي محور اهتمامنا، إنما ستكون هي المنطلق كتنظيم وحزب سياسي لبناني بغض النظر عن كل القناعات التي نمارسها كدعوة إسلامية، فالجانب السياسي سيكون أكثر تفاعلاً مع المجتمع اللبناني وسيكون ذات دور أكبر في السياسة اللبنانية؛ هذا العنوان الأبرز الذي يفترض أن نجسده خلال الأيام المقبلة إن شاء الله.? هل مجيء قيادة شبابية هو تعبير عن حال الانكماش الذي كانت تعانيه «الجماعة» في ملعبها الأساسي أي الوسط الإسلامي السني تحديداً مع وجود ظاهرة تطرف من جهة وظاهرة ليبرالية من جهة أخرى.. وبالتالي هل هناك محاولة لوثبة جديدة؟، وفي هذا الإطار ماذا عن العلاقة مع القوى السياسية القائمة، عن أفق التحالفات ومصير الخصومات؟ـ الدور الذي كانت تمارسه الجماعة في المرحلة الماضية كان يجعلها مطحونة بين التيارين، لأنها لم تكن تمثل خطاً ثالثاً قادراً على أن يشقّ طريقه نحو فئات كبيرة جداً في الساحة اللبنانية لها خيارات جديدة.اليوم عندما نتحدث عن انفتاح وعن روحية شباب لديها تطلع لأن تلعب دوراً أساسياً على الساحة، فإن هذا الأمر يفترض أن ينعكس في السياسات الجديدة للجماعة، وبالتالي قضية التحالفات والخصومات الموجودة ستكون مقاربتها بطريقة أكثر دينامية، بمعنى أننا لن نكون أسرى عناوين معينة، إنما سنكون أكثر توجّهاً نحو تطلعات، وما يخدم هذه التطلعات يفترض أن يحدد معالم التحالفات كما الخصومات.لدينا انطلاق من رؤية لبنانية شاملة وليس فقط من الساحة الضيقة التي كنا نمثّلها. نحن اليوم نتطلع أننا لسنا أقلّ من أي فريق على الساحة اللبنانية، بل نحن متساوون مع الجميع، وبالتالي ما هو حق للآخر هو حق لنا. بمعنى إننا سنتطلع إلى الساحة اللبنانية بكل مندرجاتها وكل ما هو حق للجميع هو حق لنا، وبالتالي سنتحالف داخل الساحة الإسلامية وداخل الساحة السنية ومع الساحات الأخرى سواء كانت مسيحية أو شيعية أو درزية، فكل هذه الساحات تُعتبر مساحات عمل لنا، وبالتالي أصبح الأفق هنا مختلفاً كلياً.? هل لتوسيع مروحة التحالفات علاقة بمأزق العلاقة مع «تيار المستقبل» نتيجة الاعتبارات الإقليمية أي علاقة «المستقبل» بالسعودية وموقف التيار من مصر.. وهل الابتعاد خطوة عن «المستقبل» وتوسيع مروحة الاتصالات لها علاقة بهذه الاعتبارات؟ـ «تيار المستقبل» هو أحد الخيارات الأساسية التي يفترض أن نتعامل معها. لا نستطيع أن ننسى أن ساحة العمل المباشرة التي تعمل فيها «الجماعة الإسلامية» هي ساحة تشترك بشكل كامل مع «تيار المستقبل». فكل منطقة نتواجد فيها يتواجد فيها التيار؛ وبالتالي هو أحد الخيارات سواء في التحالفات أو حتى في غير ذلك.لكن عندما نبتعد قليلاً خطوة إلى الوراء، فذلك من أجل أن تكون الرؤية شاملة للجميع وليس فقط «تيار المستقبل»، فهو ليس الخيار الوحيد بالنسبة لنا، ومن الأمور التي كانت تُنتقد فيها الجماعة هو أن ليس لديها خيار غير أن تكون خلف «تيار المستقبل»؛ «المستقبل» فريق أساسي في الساحة اللبنانية وفريق أساسي يمثّل الساحة السنية، وسنتعامل معه على أنه فريق أساسي ولكنه ليس الخيار الوحيد بالنسبة لنا في التعاطي السياسي.إذا كانت رؤيتنا تتحقق بالتحالف مع «تيار المستقبل» سنتحالف معه، لكن إذا كانت رؤانا ستكون محدودة مع التيار سنتخذ خيارات أخرى؛ لا يوجد أي مانع عندنا من أن نتخذ خيارات أخرى تحقق الطموحات والتطلعات التي سنتبناها.? ربطاً بالموضوع الإقليمي هناك حالة استقطاب سني ـ شيعي على مستوى المنطقة بأسرها نتيجة التدخل الإيراني عبر أذرع له كما في سورية والعراق واليمن، فضلاً عن الأزمة السعودية ـ الإيرانية الأخيرة... وقد انعكس هذا الصراع بشكل أو بآخر حالة استقطاب حتى على مستوى الداخل اللبناني... كيف تقاربون هذه الإشكالية؟ـ أولاً لدينا ثابتة في هذا الأمر أننا لا نقبل بتقزيم هذا الأمر ليكون صراعاً سنياً ـ شيعياً حتى لو اتخذ في جانب كبير منه هذه الصفة.نحن مصرّون على اعتباره صراعاً سياسياً بين مشروع إيراني في المنطقة وبين المكونات الأخرى القائمة، والتي تعتبر أن هذا المشروع يتوسع ضمن مساحات هي معنية في أن تملأها؛ وبالتالي الصراع ليس من وجهة نظرنا سنياً ـ شيعياً ولن نقبل بأن يكون كذلك. لأن هذا الأمر سيدفع بنا إلى أتون صراع دموي لا ينتهي.نعتبر أن واجبنا كحركة إسلامية أن نعيد هذا الصراع إلى خانة الصراع السياسي الذي من الممكن أن ينتهي في أي لحظة. ونحن والشيعة متعايشون، كما سنتعايش مع الجميع.الإيرانيون وكل مَن هم ضمن فلك هذا المشروع هم مكوّنات موجودة في المنطقة، ونحن راغبون بأن يكون هناك تفاهم على صيغة التعايش القائم في المنطقة ضمن قاعدة حفظ حق كل مكوّن بألا يُعتدى عليه. أي أن يكون لكل مكوّن حق ضمن مساحات معينة؛ وبالتالي إن مقاربتنا لهذا الملف هي على قاعدة إعادة التوازن إلى المنطقة. ونعتبر أن انعدام التوازن بين المكوّن الإيراني والمكونات الأخرى وتحديداً الأنظمة العربية جعل هذه الحالة تطغى وتتسبب بالنزاعات القائمة اليوم، ولو كان هناك توازن حقيقي، فلا نظن أن إيران كانت ستدخل في مثل هذه الصراعات وتُحوِّل المنطقة إلى منطقة ملتهبة.بالتالي، إن دورنا اليوم أن نعيد تجميع الحالة الموجودة في المنطقة وأن نخفف من حالات الصراع والتنازع التي تزيد من الضعف، حتى نستطيع أن نجلس إلى طاولة حقيقية للحوار والتفاهم مع إيران أو مع أي مكوّن آخر ضمن هذا المحور، ومن هنا أؤكد أن الصراع سياسي. لإيران الحق في أن يكون لها مشروع وللفريق الآخر الحق في أن يكون له مشروع، لكن هذه المشاريع يجب ألا تكون متقاتلة، لأن الشعوب ستدفع حينها التكاليف الباهظة وسيستفيد مَن هو صاحب مشروع أبعد من المنطقة.? ربطاً بهذا التوصيف كيف تقاربون موقف «حزب الله» وتدخّله في سورية، العراق، البحرين.. فالحزب طرف لبناني لكنه لا يخفي دوره في الساحات الإقليمية الأخرى، هل تعتبرونه جزءاً من المشروع الإيراني أي انه طرف لبناني بأدوار إقليمية؟ـ أظن أن «حزب الله» لا يُتعِب الآخرين أصلاً في توصيف نفسه. فالحزب هو جزء من هذه المنظومة ومن هذا المشروع القائم في المنطقة. هو ليس متحالفاً فقط، فهناك ارتباط عضوي في هذا الاتجاه.رغم ذلك، فإن هذا الأمر لا يعنينا كثيراً. ما يعنينا هو الممارسة. نحن منذ اللحظة الأولى اعتبرنا أن ممارسات «حزب الله» وانخراطه في صراعات خارج الحدود هي بحد ذاتها مشكلة كبيرة جداً للساحة اللبنانية، وزادت من منسوب الاحتقان المذهبي، وهي كانت أحد أسباب صبغ الصراع القائم بأنه سني ـ شيعي، وبالتالي كنا نقول منذ اللحظة الأولى لقيادات «حزب الله» خلال لقاءاتنا بهم إن ما تذهبون إليه هو عملية انتحار، ولا أظن أن هناك اليوم اثنين يختلفان على أن «حزب الله» خسر كثيراً من خلال عملية الانخراط بمثل هذه الصراعات. فالحزب الذي كان دخل كل بيت في العالم العربي والإسلامي من خلال المقاومة للعدو الإسرائيلي، خسر كل هذه الصورة المشرقة عندما عادت صورته إلى حزب شيعي مرتبط بمحور إيران، لذلك هذه كانت خسارة، ونعتبر أن حتى هذه الخسارة أصابنا جزء منها، بما أننا نعتبر أنفسنا جزءاً من المقاومة ضد إسرائيل. وهناك كثير من الفئات داخل وخارج لبنان أعادت تقييمها لمشروع المقاومة ضد إسرائيل بمعنى هل هو حقيقي أم طريق للوصول لأهداف أخرى.لذلك كنا نتمنى منذ اللحظة الأولى ألا يدخل «حزب الله» في مثل هذه المتاهات. وحتى هذه اللحظة ما زلنا مصرّين على دعوة الحزب للانسحاب من هذه الساحات والصراعات وإعادة حساباته كفريق لبناني أولاً وكفريق يوصّف نفسه على أنه إسلامي.? وسط التريث الذي يسيطر على الأجواء في أعقاب مبادرتيْ ترشيح العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية، ما موقف الجماعة من الترشيحيْن وهل ترون أننا بتنا قاب قوسين أو أدنى من ملء الشغور الرئاسي؟ـ في موضوع الرئاسة، أعتقد وللأسف الشديد أننا ما زلنا بعيدين عن إنهاء الشغور. وعملية ترشيح العماد عون أخيراً من الدكتور سمير جعجع، وبغضّ النظر عن التحليلات وإذا كانت ردّة فعل على ما قام به الرئيس سعد الحريري من ترشيح لسليمان فرنجية الذي يتعارض مع ترشيح 14 مارس لجعجع نفسه، أعتقد أن القضية لا يستطيع أي مكوّن لبناني أن يقدّم فيها مبادرات جدية وحقيقية.ومنذ بداية تاريخ لبنان يعلم الجميع أن جزءاً أساسياً من صناعة الرئاسة اللبنانية يكون خارج لبنان. هذا الأمر يعود لطبيعة التركيبة اللبنانية وطبيعة تأثيرات القوى الدولية والإقليمية في الساحة اللبنانية. فكل هذا يؤثّر ليس فقط في صناعة رئيس الجمهورية بل ربما في صناعة كل المواقع الأساسية في لبنان.واليوم يضاف إلى هذا التوصيف الملفُ المعقّد في الإقليم؛ فالصراع في سورية لا يمكن للبنان أن يكون معزولاً عن تأثيراته. وبالتالي ما دامت المرحلة داخل سورية هي مرحلة انتظار إلى حد ما، فالأرجح أن الرئاسة اللبنانية ستنتظر إلى جانب هذا الملف بشكل أو بآخر.وفي سياق متصل، لا أظن أن ملفّ الرئاسة يمكن أن يبقى بمنأى عن تأثير الصراع السعودي ـ الإيراني. وبالتالي إذا كان البعض استوحى من مبادرة الرئيس الحريري أن هناك اتجاهاً للمضي قدماً في انتخاب النائب فرنجية لموقع الرئاسة، أظن أن عودة احتدام الصراع بين السعودية وإيران قد بدّد هذه النظرة.وأعتقد أن الملف لا يزال معقداً، والنظرة الدقيقة إلى وقائع الأمور تدلّ على أن أي المرشحيْن لن يستطيع أن ينال الغالبية في مجلس النواب أي 65 صوتاً، وبالتالي سندخل في سيناريو جديد يقوم ليس على تعطيل الجلسة، فهي ستنعقد لكنها لن تخرج برئيس لأن أياً من الرجلين لن يحظى حتى هذه اللحظة بغالبية الأصوات.وفي ما يتعلّق بموقف «الجماعة» من المرشحيْن، قلنا منذ اللحظة الأولى إنه لا توجد عندنا مشكلة شخصية مع أي مرشح. سابقاً كان هناك العماد عون والدكتور جعجع، وقلنا إننا نقارب الأمور من خلال الطروحات التي يتقدم بها أي مرشح. والوحيد الذي تقدّم حينها بطروحات كان الدكتور جعجع، وقلنا وعبّرنا في حينه عن أن هذه الطروحات تلامس تطلعاتنا بالنسبة إلى دولة لبنانية حديثة وقوية، ولكن المعوَّل عليه في النهاية هو ما يُطبَّق.وحتى الآن لم نستمع من الجنرال عون إلى أي كلام مباشر حول رؤيته للرئاسة، وقد بات اليوم مرشحاً من فريقيْن: «حزب الله» والدكتور جعجع، ونأمل أن تكون هناك فرصة للإطلاع مباشرة منه على طروحاته. ولكن قناعتنا أن أياً من الرموز الموجودة اليوم في فريقيْ 8 و14 مارس لن يستطيعوا ملء هذا الشغور.? في لعبة المفاضلة بين سليمان فرنجية وميشال عون، لنفترض أن جلسة 8 فبراير ستعقد وسيكون للجماعة موقف.. ما هو؟ـ الموقف ليس بالضرورة أن يكون محصوراً بين أحد المرشحَيْن. فعندنا خيار أن يكون لنا مرشح ثالث أيضاً. وبالتالي فإن الخيارات مفتوحة إلى أبعد الحدود.وأكرر اننا سنستمع إلى كلا الرجلين حول حقيقة مواقفهما ورؤيتهما للدولة اللبنانية في عهدهما، وبناءً عليه سنحكم؛ فإما أن نقتنع بأحد المرشحَيْن وإما أن يكون لنا رأي ثالث في هذا الإطار. لكن في كل الأحوال نحن مسرورون بإمكان أن تنعقد جلسات انتخاب الرئيس بنصاب مكتمل، فهذا الأمر في ذاته كان أحد الأمور التي ننتقدها على مدى الأشهر الطويلة الماضية. إذ من غير الطبيعي ألا ينعقد مجلس النواب، وألا يكتمل انعقاده من أجل ملء شغور مضى عليه حتى الآن أكثر من عام وثمانية أشهر.? توقعتَ سيناريو يمدد تعطيل الرئاسة. في مقاربتكم السياسية، مَن يتحمل مسؤولية تعطيل انتخاب رئيس جمهورية في لبنان. ففيما يبدو أن اللبنانيين تعايشوا مع هذا الأمر باعتباره أمراً ثانوياً، غير أن واقع الأمر أن هناك خطفاً للاستحقاق تترتب عليه تداعيات خطيرة؟ـ إذا أردتُ تحميل المسؤولية، يُفترض أن أنظر مَن هو المستفيد من الفراغ الرئاسي، بل من ضعف وشبه فراغ كل المؤسسات في لبنان.أجد أنه في الدرجة الأولى اليوم، مَن يتصرف وكأنه هو الدولة هو الذي يتحمل المسؤولية ابتداءً، وهو مَن أظن أنه يرغب في إطالة عهد الفراغ. وتحديداً أقول إن «حزب الله» يتحمل جزءاً كبيراً من هذه الأزمة. ومن الواضح أن الحزب، الذي يدخل ويخرج من سورية خلافاً لكل مبادئ القانون اللبناني والسيادة اللبنانية والعلاقات الديبلوماسية التي يفترض أنها لا تقبل بأن يخرج فريق ليقاتل في دولة أخرى، هو مَن يستفيد اليوم من الفراغ ومن المساحات الهائلة التي ينتجها هذا الفراغ؛ فاليوم ما من رئيس للجمهورية، وفي الوقت نفسه ما من حكومة حقيقية بل حكومة مشلولة ومجلس نواب لا يجتمع إلا بناء لضغوط معيّنة.مَن يستفيد من هذه الفراغات؟ أعتبر أن هناك أكثر من فريق، لكن في الدرجة الأولى أذكر «حزب الله» لأنه المستفيد الأكبر من هذه الحالة. ولعله يريد أن تمتدّ هذه الحالة من الفراغ حتى تتبلور الصورة في الملف السوري. والسؤال الآخر، هل هناك جهات أخرى مستفيدة؟ نعم، لكن لا أظن أن هناك تساوياً بين استفادة هذا الفريق واستفادة القوى الأخرى.? هل تعليق الدولة في لبنان يستبطن محاولة لإظهار عجز النظام وعقمه ووجود عطل بنيوي فيه كمقدمة لتعديل نمط الحكم وآلياته أي إعادة توزيع كعكة السلطة، أم أنها مجرد محاولة لتعليق الدولة؟ـ هذا الأمر جزء. ومن دون أدنى شك هناك قضية آنية وحاضرة ولا تحتمل التأجيل وهي قضية مشاركة «حزب الله» بآلاف المقاتلين في سورية. وهذه الحالة تحتاج إلى دولة ضعيفة، إذ لا يمكن لها أن تكون قائمة في ظل دولة قوية. فما من دولة تحترم نفسها تقبل بخروج ودخول مقاتلين من أراضيها بالآلاف.موضوع محاولة تعديل تركيبة النظام اللبناني بما يعطي حظوظاً أكبر ومساحات أكبر لفريق ما، أمر وارد وبدأ الكلام به قبل أكثر من ستة أعوام. فمنذ ما قبل اتفاق الدوحة يدور الكلام حول هذه النقطة. لكن «حزب الله» يدرك أكثر من أي فريق آخر أن أي عملية تعديل للدستور اللبناني ليست بنفس مستوى تعطيل رئاسة هنا أو حكومة هناك. فهذا الأمر سيحتاج حكماً إلى عملية إجماع لبناني. فاتفاق الطائف لم يولد إلا بعد 15 عاماً من الحرب وفي ظل إجماع قوى دولية وإقليمية على هذه الصيغة. فحتى لو افترضنا أن «حزب الله» استطاع أن يُخضِع الأطراف اللبنانيين، فهذا الإخضاع وحده لا يكفي. الأمر يحتاج إلى توافق إقليمي ودولي من أجل تعديل التركيبة اللبنانية، فهذه التركيبة معنية بها دولياً قوى ذات وزن كبير أي أميركا وفرنسا، وإقليمياً السعودية وإيران ومصر.و«حزب الله» يدرك هذا الواقع أكثر من غيره، ولكن هو يصوّب على هذا الأمر. وأجد أن الحزب يمارس أصلاً في الدولة اللبنانية أكثر مما يمكن أن يحصل عليه في أي تعديل دستوري. وبالتالي هو يعتبر أن التغيير المحتمل على مستوى الإقليم سيكون بحد ذاته مدخلاً لأي تعديل دستوري يطمح إليه. فمن دون التعديل في الواقع الإقليمي، فإن كل الكلام الذي نتحدث عنه لا يمكن أن يتحقق.صراع إقليمي? في ضوء هذه التطورات، ووسط العلاقات السلبية السعودية ـ الإيرانية وبانتظار طاولة الحوار بنسختها السورية ما أفق الأوضاع في لبنان؟ـ أظن أن لبنان سيبقى في حال «الستاتيكو» القائم الآن بحيث لا ينفرط عقده ويذهب باتجاه حرب وفي الوقت نفسه لا يتطور واقعه إلى استقرار حقيقي. لبنان مطلوب أن يبقى في حالة بين الاثنين. فـ «حزب الله» ليس من مصلحته أن يدخل لبنان في صراع، لأن هذا الصراع سيكون داخل بيت الحزب، فيما هو مشغول حالياً خارج هذا البيت. ولا أظن أن القوى الإقليمية والدولية في وارد أن تشعل الساحة اللبنانية من الداخل من أجل إرهاق «حزب الله» لأنها تستنزفه أصلاً في الساحة السورية، وبالتالي هي ليست بحاجة إلى عملية استنزاف في مكان آخر. هي تحتاج إليه في سورية للحفاظ على التوازنات القائمة فيها. والفريق الذي لا يريد إيران و«حزب الله»، لا يريد أيضاً أن تكون الثورة (في سورية) الموسومة إلى حد الآن بأنها إسلامية هي الحالة الفائزة. لذلك مطلوب أن يكون هناك توازن حتى تتبلور صورة أخرى. ولبنان في هذه الحالة سيبقى في عملية اللا لستقرار واللا انفجار.? بعدما تحولت سورية إلى ساحة صراع إقليمي ودولي، هل تعتبرون أن الحل أصبح وشيكاً فيها مع تحديد موعد للمفاوضات أم أنها متجهة نحو مزيد من التفتيت والتقسيم؛ ما قراءتكم للمُعطى السوري في هذه اللحظة؟ـ للأسف الشديد الساحة السورية غير قابلة لأي عملية تبريد خلال المرحلة المنظورة. ومن الواضح أنها باتت بؤرة استنزاف على مستوى عالٍ جداً. حجم القوى المتداخلة والمتدخلة في الساحة السورية هي أكبر بكثير من قدرة القوى السورية نفسها على أن تتحكم بمآلات الأمور. أي أن القوى المحلية المعنية باتت هي أدوات في المشروع الذي يجري، ولا تستطيع أن تتحكم بهذا الملف. وبالتالي فإن الساحة السورية مرشحة لأن تستمر مشتعلة فترات طويلة. فحتماً كل ما يجري اليوم هو عملية تمرير وقت ليس إلا، وهذا التمرير سيأخذ سنوات.? هل لديكم خشية من تقسيم سورية؟ـ في ظل كل ما يتمّ الحديث عنه في قضية التقسيمات، نجد إذا جئنا إلى الأمر الواقع أن التقسيم بات أمراً واقعاً. صحيح أن ما من اعتراف دولي بالشكل الجديد القائم، لكن على الأرض هناك تقسيم.? في العراق وسورية؟- تماماً. هناك مناطق تخضع لسلطة هذا الفريق ومناطق تخضع للفريق الآخر، وهناك عملية فرز ديموغرافي على أسس عرقية ودينية ومذهبية. الأكراد والترك والعرب. كل طرف يذهب باتجاهات متعددة.السؤال هل التقسيم يذهب باتجاه تكريس أمر لنشهد ولادة دول جديدة؟ لا أظن أن هذا الأمر قد يصل إلى هذه الحالة. فهذه المسألة رهن بمتغيرات أكبر مما نحن فيه الآن. لكن كأمر واقع وعلى مدى سنوات منظورة أتوقع أن هذا الأمر سيستمر. واليوم نرى أنه في الساحتين السورية والعراقية دخلت قوى عالمية بكل ما تملك؛ روسيا ودول أوروبية مثل بريطانيا فرنسا، من دون أن ننسى إيران والسعودية وتركيا. كل هذه الدول هي جزء من حال الاستنزاف.إلى أين؟ بصراحة لا يوجد أي أفق واضح، فكل الكلام هو عبارة عن «تبصير». أما الكلام المنطقي و«على الأرض» فيقول انه إذا لم يكن هناك تعديل في موازين القوى بشكل حاسم فإن الأمور مستمرة لسنوات طويلة.