يقال ان التاريخ يكتبه المنتصرون، وقد يكون ذلك صحيحا نسبياً، بيد أن التاريخ يكتبه المهزومون أحياناً، والمثال الأوضح هو عندما انتصر الأنجلو ساكسون على الرومان، وطردوهم من الجزيرة البريطانية وغرب أوروبا، كانوا وثنيين أميين، بينما كان الرومان مسيحيين متعلمين ومتحضرين، فكتبوا تاريخ بريطانيا ووجودهم فيها من وجهة نظرهم، ولا أحد منا يعرف بالضبط الحقيقة كاملة، غير مشوهة أو منقوصة.والمهزومون قد يكونون مهزومين داخلياً ومعنوياً، يعرفون أنهم يكذبون ويغطون على كذبهم بمزيد من الكذب، فهل ما نعرفه عن التاريخ حقيقة مطلقة؟ فهذا النتاج البشري غير موثوق به، غير أن الناس البسطاء يصدقونه أو يريدون تصديقه، لأنه يحقق لهم رضاً داخلياً، أو لأنهم لا يريدون اشغال فكرهم بالبحث عن الحقيقة، بل ربما يضفون على الحكاية توابل تتضخم بالنقل الشفاهي، لتصبح أساطير وملاحم.والمنتصرون / المهزومون يلوون الحقائق، أو يستندون إلى بذرة حقيقة ويغلفونها بالأكاذيب، وقد يكونون ملوكاً أو قادة أو عسكرا أو طغاة، يلوون عنق التاريخ لصالحهم، والتاريخ مليء بالتزوير والتشويه والإساءة والتمجيد الزائف، وتاريخنا العربي الحديث يحفل بالانقلابات العسكرية وشبه العسكرية في الأحزاب القومية، التي سميت ثورات وحركات تصحيحية، وقامت بتصفية الأعداء حتى يسمع الناس حقيقة واحدة، هي الحكاية من جانب المنتصر المهزوم.فهل يتذكر أحد فينا ثورة الشعب السوري؟ كل ما نذكره هو العصابات الإرهابية والتدخلات الخارجية، وقد نجح أعداء الشعب السوري موقتاً في جعلنا نقول فليبق النظام السوري، لأن البديل هو الدولة الإسلامية.ورغم أن السائد هو «التاريخ يكتبه الملوك»، إلا أن التفسير المادي للتاريخ، أثبت أن الشعوب هي التي تكتب التاريخ حقيقة، فلا أحد يستطيع تزوير القوانين العلمية، فهي موضوعية موجودة، خارج وعينا وفهمنا ورغباتنا.osbohatw@gmail.com
مقالات
اصبوحة
من يكتب التاريخ؟
11:04 ص