لماذا تركت المسرح؟ هذا هو السؤال الصعب الذي يتلقاه أي فنان عاشق للمسرح، والذي ربما يحرك داخله شجوناً كثيرة، خاصة إذا جاء وسط حشد من المسرحيين. السؤال طرحه المركز الإعلامي لمهرجان المسرح العربي في ختام أنشطته أمس على عدد من رموز المسرح الكويتي، وبحضور لفيف من وجوه المسرح العربي. وفي لقاء أداره الزميل عبدالستار ناجي، تحدث الفنانون سعد الفرج ومحمد المنصور وصلاح الملا، بحضور الفنانة القديرة سعاد عبدالله وحشد من المسرحيين العرب، فيما اعتذر الفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا لظروف شخصية.استهل الإجابة عن السؤال المحوري الفنان القدير سعد الفرج قائلا: «منذ عشرات السنوات ونحن نبحث عن أب إلى أن ظهر لنا الشيخ الدكتور سلطان القاسمي فتعلقنا به مسرحياً»، وأردف الفنان الكبير مؤكداً: «ما لم يتمتع المسرح بحرية فإنه لا تقوم له قائمة في أي مكان، والفنان الأصيل هو رقيب نفسه، ولا يمكن أن يصدر منه ما يخدش الحياء، وأنا قبل سنة قدمت أكثر من مسرحية خارج الكويت، منها مع الفنان غانم السليطي، وفي دولة قطر وذلك بعد أن تعرضت للتضييق عليّ في الكويت، والمسرح يتعرض لتضييق مستمر منها ما يتعلق بما يحتاجه من ميزانيات حتى في تكلفة الاعلانات، التي كانت في السابق ربما تكلف 100 دينار للاعلان، بينما الآن كي تتفق مع شركة تحتاج إلى عقد مناقصات وتجارة، وحتى الصحف إلا فيما ندر منها أصبحت تتقاضى مبالغ طائلة للإعلان عن المسرحيات».وعن انتمائه للمسرح أكمل «بو بدر» قائلا: «أنا مثل السمكة التي لا تعيش خارج الماء، فانا لا اتنفس دون المسرح الذي هو حياتي، وإن (سُكِّرت) الأبواب في وجهي في الكويت أخرج للعمل خارجها، ودون المسرح أصبح عجوزاً وحين أبدأ بروفة عمل مسرحي جديد أعود شاباً في العشرينات من عمري». الفرج وختم قائلا: «في البدء والانتهاء فإن المسرح هو مرآة الواقع، وهو أخطر السلطات، وقد كنا في إحدى السنوات مع شخص ضيف، عندما دخل علينا أحد المسؤولين وقال عنا اننا خطرون لأن مجلس الأمة يُحل بمرسوم لكن هؤلاء المسرحيين كيف نحلهم؟».ثم جاء دور الفنان القطري صلاح الملا الذي قال: «بداية لولا المسرح لما كنت جالساً مع قامات المسرح، والمسرح الذي عرفته وتعلمت منه بالنسبة لي شخصيا في بلدي قطر، رغم أن الظروف متشابهة في الخليج، هو مسرح واضح وتقليدي وجميل يقدم كل ما هو موجود في واقعنا وقريب منا، وقد كانت بدايتي مع الفنان عبدالرحمن المناعي، وكانت أعيننا على مسرح الكويت، وتفكير فنانينا في صقر الرشود، واستمر المسرح على أحسن حال مع عملنا في الدراما، إلى أن بدأت فترة التقشف عندنا وكانت بدايتها بتقليص عدد الفرق المسرحية من أربع فرق إلى فرقتين، ولم يكن هناك من يدافع عنا، بينما المسرح يحتاج إلى الاستقرار ولا يصلح العمل فيه بقلق». وأضاف الملا قائلا: «فوجئنا بدخول أشكال مسرحية غريبة أفقدت أبو الفنون القدرة على التواصل مع الجمهور، فظهرت علينا (العبثية) وغيرها وأصبح كل شخص سواء كان دارساً أو غير دارس يدلي بدلوه في المسرح، ومع الأسف الشديد أصبحت المهرجانات شكلاً للمؤسسات ولا تهتم بالمضمون، وفي النهاية أين الذين اشتغلوا، (محد) يسأل عنهم، وأصبح مجهود شهرين يبذل لتقديم عرض واحد ويقولون (باي باي) وتراجع في المسرح الواقعي».واستطرد الملا قائلا: «جميع المضامين قدمها المسرحيون في أعمال سابقه ولا يوجد شيء لم يطرحه المسرح في السابق، وحتى موضوعات إقصاء الآخر تم تقديمها قبل أربعين سنة، وكانت هناك حرية خاصة في الكويت، وما قدمناه في مسرحية «أمجاد يا عرب» قبل عشرين سنة إنما يحكي عما يدور في الوقت الحالي». وقال: «ليس لدي استعداد أن أشارك في مسرح العبث، والحظ لعب معي دوراً وتواجدت في الدراما التلفزيونية رغم ان هناك مآخذ أيضا على الدراما، ولانه ليس لدي اختيارات في المسرح توجهت إلى الجانب الآخر»، مردفاً: «يجب أن يفكر المسرحيون بشكل صحيح ويصلوا إلى الناس، لأن العيب ليس في الجمهور الذي انصرف عن المسرح بل فينا كمسرحيين، لأننا يجب ان ندرس وندقق ونتعلم ونصل إلى الناس، لأنه دون الناس سوف نظل ندور في دائرة فارغة».من جانبه، استهل الفنان محمد المنصور حديثه قائلا: «أسعد لحظات الفنان حينما يرى رفاقه إلى جانبه والذين حملوا الرسالة منذ الستينات، أما لماذا تركت المسرح، فقد كانت المنافسة قوية حتى شاركنا في المهرجانات، ولم أترك المسرح بل شاهدت زملائي، وعندما توليت إدارة المسرح 1994 في فرقة مسرح الخليج، رأيت سقف الدعم المادي من وزارة الشؤون والذي لا يكفي لتقديم ما نريد ونتطلع إليه، وكنا في السابق في مسرح الخليج نقدم أربع مسرحيات سنويا، ولم تهمنا المادة بقدر اهتمامنا بما نقدمه، وكذلك تفاجأت بأن زملائي يقدمون أعمالاً جيدة، وكنت أجد الجمهور خلف الكواليس لاهيا بشيء آخر عبر الهواتف، وكنا في السابق عندما ترمي إبرة تسمع صوتها في المسرح، واشتريت أجهزة تشويش تمنع الارسال وقت العرض كي لا يكون هناك إرسال ولا استقبال، وطلبتها من المانيا حفاظا على سمع زملائي والحوار الذي يقولونه، وفي الفترة الأخيرة اتجه زملائي للعمل المسرحي فقط في العيد، وأصبحت البروفات تستغرق أسبوعاً أو أياماً قليلة، فيما كانت تستغرق منا في السابق أشهراً». واستطرد المنصور بالقول: «هناك أمور عدة جعلتني أعزف عن المسرح، منها عزوف الجمهور لاعتماد بعض الأعمال على الارتجال». واختتم المنصور قائلا: «اتجهنا للأعمال التلفزيونية لأن وضع المادة جيد والدعم جيد، وأصبحت رسالة الفنان تصل أسرع من قبل، لكن يظل المسرح هو «أبو الفنون»، لذلك فإنه لاغنى عنه وسنستمر فيه وسوف أعود إلى المسرح قريبا».
فنون - مسرح
مسرحيون واجهوا السؤال الصعب ... لماذا تركت «أبو الفنون»؟
سعد الفرج: المسرح خطر كبير على السُلطة
07:05 ص