القرار الرئاسي الذي أصدره الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل فترة وجيزة بشأن تشديد شروط اقتناء السلاح في الولايات المتحدة كان يفترض أن يصدره في بداية توليه سدة الحكم أو كرسي الرئاسة نظراً لأهمية القضية ولكنه مع الأسف جاء متأخراً بعد أن كثرت حالات القتل العمد في معظم مناطق الولايات المتحدة وجاءت أيضا معها كثرة الاعتراضات والأقاويل من الحزب الجمهوري المعارض، ففي الآونة الأخيرة زادت جرائم القتل بشكل رهيب ومخيف بين السود والبيض لأسباب عرقية بحتة، وقد حدثت بالفعل قصص وروايات كثيرة تحكي عن واقع الحال العرقي المنتشر في الولايات المتحدة إما تكون بين الشباب البالغين وإما بين رجال الشرطة، وعلى اثره بدأت المظاهرات الشعبية في ولايات عدة تندد الأعمال الاجرامية وكأنها تعيد تاريخ اضطهاد السود أيام مارتن لوثر كينج، وبالرغم من اشتعال الشارع الأميركي بهذا الشأن الا أن هذه القضية لم تحسم أمرها جيداً بسبب الصراع الدائر بين إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما والكونغرس الذي يهمن عليه أعضاء الحزب الجمهوري، وبالتالي جاء القرار الرئاسي ليكون واجهة صراع جديدة بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي في سنة حكمه الأخيرة، لذلك أعلنها الرئيس أوباما بكل صراحة وجرأة على أن شروط كسب تلك المعركة قد لا تكون متاحة بالكامل فيما يمكن لغالبية الأميركيين التخلص من آفة السلاح المحمية بالاعلان «الدستوري الثاني» المقرر في عام 1791م ولكنه بكل تأكيد سيسعى جاهداً الى تحسين شروط مواجهة لوبي السلاح، وذلك لتقليل نسبة الجرائم الدموية التي مازالت تحدث بين اطياف المجتمع الأميركي من دون الالتفات إلى مدى ضررها في المستقبل، فليس أمامه سوى انتظار نضوج الظروف المناسبة لإلغاء حرية امتلاك السلاح بشكل عشوائي أسوة ببقية التعديلات التي أقرها المشرعون الأميركيون في بعض القوانين الأخيرة، إن حرية امتلاك السلاح العشوائي لم تأت بفائدة على الناس بقدر ما كانت آفة تفتك بلحم البشر وتذهب بأرواحهم سواء إن كان بدافع الحرية الشخصية والانتقام أم بدافع السرقة والعنصرية ما بين السود والبيض، وقد لوحظ قوة شخصية الرئيس باراك أوباما في صراحته بأنه جاهز لخوض المعركة بين الحزبين سواءً كانت سياسية أم دستورية من أجل تصحيح الأوضاع الأمنية في البلاد، ففي مؤتمره الرئاسي الذي انعقد بالبيت الأبيض أكد أوباما بأن تشديد شروط اقتناء السلاح جزء لا يتجزأ من المعركة الحالية لتحديد هوية الرئيس الجديد للولايات المتحدة إلا أن هذا الكلام لم يعجب معظم المرشحين البارزين من الحزب الجمهوري وأبرزهم دونالد ترامب فكان قراره الرئاسي فرصة لإطلاق بعض التصريحات النارية المضادة وسخرية التعليقات عليها، مدعين أن الرئيس الحالي سيواجه ليس فقط اعتراضات الجمهوريين وإنما اعتراضات مشرعين ديموقراطيين أيضاً في أهم قضية، تمس الإعلان الدستوري الثاني بشكل مباشر رغم أن السكوت عن هذه القضية قد ساهم في زيادة عدد ضحايا حوادث القتل والتي تجاوزت الـ 30 ألفاً خلال العام الماضي فقط، تلك هي تراكمات سابقة تتعلق بالكم الهائل من الجرائم العنصرية في وقت قياسي جعلت الرئيس أوباما يتحدث عنه ويبكي بحرقة أثناء تناوله قصة الأطفال الذين وقعوا ضحية إطلاق نار من مجرمين لا يعرفون معنى الطفولة وتجردوا من الإنسانية، قائلاً لا أستطيع إمساك غضبي حينما أفكر في هؤلاء الأطفال في كل مرة!غير أن بعض المراقبين اعتبروا دموعه التي سالت على خده ولم يتمكن أوباما من حبسها أثناء حديثه عن الضحايا الأطفال هي وسيلة لدغدغة عواطف المجتمع الأميركي وستساهم مواقفه الإنسانية على دعم قراره الرئاسي الأخير بشأن السلاح وانعكاساته على المجتمع في ظل الانتكاسات السياسية الحالية والظروف الإقليمية الصعبة، فضلاً عن مؤشر الإحصاءات التي تشير إلى أن غالبية ضحايا الجرائم ومرتكبي حوادث إطلاق النار من الصغار والشبان، وبالتالي آن الأوان بأن يتحرك الرئيس الأميركي بجدية نحو هذه القضية المصيرية للسيطرة على لوبي السلاح بعد أن أصبحت الحوادث شبه يومية وتتسبب في قلق المجتمع الذي هو بحاجة إلى سلسلة إجراءات محدودة ولكن يبدو أنها خطيرة سياسياً، لقد دان أوباما عدم تحرك خصومه الجمهوريين في هذا الاتجاه التشريعي أمام عدد كبير من أسر ضحايا حوادث إطلاق النار، مؤكداً لهم بأن لوبي الأسلحة أخذ الكونغرس رهينة له ولكن لا يستطيع أن يأخذ أميركا كلها رهينة، فالأمر ليس مؤامرة لمصادرة أسلحة الجميع حتى يغضب الجميع ولكن من أجل ضمان تطبيق أفضل للقوانين الموجودة، والسؤال هنا: هل يستسلم الرئيس أوباما أمام لوبي السلاح الأميركي؟!!لكل حادث حديث،،،alfairouz261alrai@gmail.com