ليس اعدام الشيخ نمر النمر هو المسألة، الا انه الباب لفرصة لم تفوتها إيران لمواصلة مشروع محورها الثابت في المحيط الاقليمي المتغير، والهادف الى إخضاع المنطقة لخطها، لذا كان بديهيا أن توظف «حزب الله» لترجمة هذا المشروع في الساحة اللبنانية، وان يستخدم الحزب عدة الشغل التي تقضي بإعدام كل ما يمت بصلة الى الانفتاح والاعتدال، الذي لا يزال يمثله الرئيس سعد الحريري وتيار «المستقبل»، والذي بدأ حتى قبل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتتابعت حلقاته مع كل ما جرى ويجري منذ ذلك الحين، وذلك بهدف وحيد أوحد، وهو قطع حبل السرة اللبنانية مع محيطها العربي وتحديداً السعودي، وربطها مباشرة بالخط الممتد الى إيران مروراً بـ«سورية الأسد» و«عراق الحشد الشعبي».من هنا، تلقف الحزب اعدام النمر كورقة سياسة ليوجِّه ضربات يتمنى ان تكون قاضية، الى الحريري الابن ويواصل إعدامه سياسياً، تماماً كما فعل مع والده، مع استفزازه ليعود الى لبنان رغم اضطراره الى ابتعاد قسري في ضوء معلومات أمنية توجب الحذر، بالاضافة الى تعييره بوضعه المالي، على اعتبار ان الحريري محروم من المال النظيف الذي يعبر القارات، في عمليات مشبوهة مرتبطة بالمخدرات وتبييض الاموال، وما الى ذلك من ارتكابات استوجبت مزيداً من العقوبات على الحزب وانعكست تشدداً حيال المصارف اللبنانية.وفي حين لا بد من التوقف عند اسقاط هذا الاعدام على الحالة اللبنانية والمسارعة الى استثمار وقح وصدامي في هذا المقام، تجدر الاشارة الى الموقف الاخلاقي الرافض للإعدام، في المبدأ، كوسيلة عقابية تحتل إيران مرتبة بارزة فيها، إذ تأتي في المرتبة الثانية بعد الصين، والى رفض المس بحرية التعبير التي لا يقبلها «حزب الله» ومحوره الممتد من «سورية الاسد» الى إيران، التي تفرض إقامة جبرية على معارضين لم تجد جدوى في تصفيتهم جسدياً حتى تاريخه، وأيضاً وأيضاً رفض تدخل رجال الدين في السياسة واستخدامهم لغة تحريضية مذهبية، مع التذكير بارتباط النمر بمرجعية إيرانية، ومطالبته علناً وجهاراً بولاية الفقيه في السعودية.وبمعزل عن كون اعدام النمر من الشؤون السعودية الداخلية، وردود الفعل يجب ان يأتي من السعوديين، يبقى واضحاً ان المواقف الاخيرة التي صدرت عن نواب في «حزب الله» بشأن الأزمة اللبنانية لا يتعلق بخصوصيات هذه الازمة وسلتها المتكاملة، بل بتثبيت دعائم النفوذ الايراني في لبنان عبر تغيير النصوص، سواء بالنسبة الى قانون الانتخابات او صلاحيات رئيس الجمهورية، التي تبين انها تتعلق قبل أي بحث آخر بتقليص صلاحيات رئيس مجلس الوزراء «السني».وبعد ذلك علينا ان نصدق ان الموقف الحزب الله من اعدام النمر لا يرمي الى تأجيج الفتنة بين السنة والشيعة.كذلك علينا ان نصدق ان لا استغلال لهذا الحدث ليصار الى قولبة السلة المتكاملة عبر الغاء الدور السعودي في لبنان، حتى لو استوجب الأمر إعدام الدور السياسي المعتدل للحريري ولتيار «المستقبل»، وكذلك اي اعتدال وانفتاح في المنطقة، وترك سنة لبنان امام خيار التطرف بمواجهة الهيمنة الايرانية التي تشدّد قبضتها أكثر فأكثر على مفارق الحياة السياسية اللبنانية، على اعتبار ان «تفريس» الاقليم لن يتم الا بتأجيج مشروع «الدواعش» و«القاعدة».وقولبة السلة وصولا الى الخطاب الحالي للحزب ونوابه، كانت ولا تزال هدفاً مبيتاً يخبو ويستعر وفق الظروف. بالتالي، هي ليست طارئة او طالعة من فراغ او نتيجة ظرفية لقرار الاعدام، وكلنا نذكر تحميل السعودية مسؤولية العمليات الاجرامية التفجيرية لـ «داعش» على مساجد شيعية في المملكة، والحديث الهامس عن حاجة شيعة السعودية الى ميليشيا «حشد شعبي» تحميهم، مع ان الرياض في كل ارهاب نال شيعتها سارعت الى كشف المرتكبين والقاء القبض على معظمهم.كلنا نذكر أيضاً هتافات تنادي بـ«الموت لآل سعود» قبل اعدام النمر بكثير ومع كل تفجير استهدف الضاحية الجنوبية لبيروت، مع ان ما ناب السعودية من الارهاب لا يقارن بما ناب «حزب الله» الذي لم يواجه «داعش» حتى تاريخه، الا في جزء من خطابه.لذا لا يبدو مستغرباً ان يترجم في لبنان كلام المرشد الاعلى للثورة الايرانية علي خامنئي بأن «الانتقام الإلهي سيحل بالساسة السعوديين بسبب إعدام النمر»، مع إصرار فريق الممانعة على احتكار الايمان واعتباره ان هذا الاعدام هو المدخل الى سيطرة محوره على مكة المكرمة وليس أقل، لتصبح هي العاصمة الخامسة بعد بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء.. وحينها لا لزوم لتحرير القدس ربما!! ويحضر في هذا المجال، احتفاء قناة المنار التابعة لـ«حزب الله» قبل ايام، برأس السنة من خلال تقرير عن مرشد الثورة الايرانية علي خامنئي خلال زيارته عائلة مسيحية في إيران، تزين جدرانها بصورته الى جانب صورة للخميني. بالطبع استكمل التقرير مع كتابات باللغة الفارسية ما يدل على ان هذه اللغة هي بوصلة السلة المتكاملة لفريق الممانعة.. وكل عام وانتم بخير.