نحن ننظر إلى الأشياء ونعجب بجمال الأجسام، وننبهر بفصاحة اللسان، وقد تكون هياكل فارغة، وأشباحاً بلا أرواح، وأجساماً بلا أحلام... هنا نتوقف لنتمعن بمسألة خطيرة في حياة الإنسانية عامة، وهي قضية العلاقة بين الشكل والمضمون، أو الجوهر والمظهر. ونعني هنا بالجوهر: مجموع الخصائص والصفات الخُلُقيّة والنفسية والصور الذهنية، والخبرات والموازنات العميقة للفرد. أما المظهر: فهو مجموع ما يحمله الفرد من الصفات الجسمية، وما يمتلكه من الأشياء، وما يَشْغَله من وظائف، مما لا يُعد له صلة مباشرة بكينونته الذاتية.لا نعتقد أن الجوهر والمنظر شيئان منفصلان انفصالاً تاماً، بل بينهما علاقة تأثر وتأثير وأخذ وعطاء، ولكن! تكمن المشكلة في اختلال التوازن بين الجوهر والمنظر، أو بين المضمون والشكل، فالناس متفقون على أن اللب هو الأصل والنواة التي ينبغي أن يُعطوا من الاهتمام والعناية القسط الأكبر لأن كل الإنجازات الحقيقية التي تتم على السطح نابعة أساساً من إنجازات تمت على مستوى الكينونة والجوهر.أما الحكم المجتمعي غالباً ما يكون منصباً على الشكل ويُعتقد أن الاهتمام بالشكل هو الأمر الطبيعي المتبادر بين البشر، أما العناية بالجوهر فينمو عن طريق التربية الخاصة في الأسرة أو المدرسة، لكن سيظل ضعيف التأثير ما لم يكن المجتمع كله خاضعاً لمبادئ الاهتمام بالجوهر قبل المنظر، أظن نتفق حين يضعف الجانب الأخلاقي لدى الفرد فإن الميزان يميل مباشرة لمصلحة المظهر، فكانت النتيجة ولادة مجتمعات تعاني من سوء الظن بالآخر، والأنانية الشخصية، والخوف من المستقبل بسبب سوء فهمه لكل من حوله.ومضت سنة 2015 ومازال هناك أشخاص لا يهتمون بالجوهر الذي من سماته الأساسية الاستقلالية، والحرية، وحضور العقل النقدي، واستثمار للطاقة الإنسانية، والنمو، والتدفق، فكان من عواقب الاتجاه إلى الشكل والتغافل عن المضمون كثرة المشتهيات والمغريات، وانعدام السعادة! وكل هذه التحولات باتجاه الشكليات جعلت المجتمع يفقد الصلة بمكوناته الأساسية، ويختل التوازن، وتكثر المشكلات والخلافات، وفقدنا السعادة التي هي شعور مصاحب للنشاط الإنساني، وهي أقرب إلى أن تكون حالة من الوجود المتصل على تلة وربوة رحبة، لأنها وهج لكينونة الإنسان، ونشاطه الداخلي، فراجع نفسك ولا تجعل 2016 تمضي كما مضت سنوات من قبلها لتكون صاحب رسالة حضارية متوازنة بين شكلها ومضمونها.m.alwohaib@gmail.comtwitter: @mona_alwohaib
مقالات
رأي قلمي
ومضت 2015..!
01:48 ص