على لون واحد جمعت «المَدِينَة الوردية» المسلمين والهندوس. فبدى الوردي حلماً وواقعاً في «البيت الهندي» الحديث.جيبور.. وردة الصحراء الزاهية، والمدينة المطلية بلون الشفق، تأخذك في شوارعها الواسعة إلى محورٍ بين الشمس والقمر! لم لا وهي العاصمة التي بناها المهراجا راجا جي سينغ حسب قواعد الفلك، لتمتد بين مشرق الشمس ومدخل القمر!...وتبدو جيبور غير بعيدةٍ اليوم عن قديمها بشهرة عالمية في مجال السياحة، وفي كل مكان من جيبور تطل حكاية ٌ، من زمان هندي خاص، ولا تزال «كبرى مدن إقليم راجستان» وابنة الشمس «التي تولي وجهها ناحيتها، ويتبعها نجوم هوليوود، لا تزال تجمع أنظار الشرق والغرب كما جمعت قبل قرون حكام المسلمين المغول وملوك راجستان الهندوس على زواج ملكي نادر، حين تزوج الإمبراطور جلال الدين أكبر المغولي ابنة سلالة المهراجا الهندوسي» مان سان جانتا منتار. لكن السياسة التي جمعت بالأمس البعيد ملوك من ديانتين على الزواج تبدو اليوم بعيدةً عن أجواء جيبور التي استبدلتها بالاقتصاد مع واقع وجود وازدهار الصناعات المرتبط بعضها بالأحجار شبه الكريمة، وبالحرير، وغير ذلك من الجماليات. إضافةً إلى الأنشطة التجارية، والسياحة التي تميّز مدينة جيبور في الوقت الراهن.الجمال... ماركة في جيبورأطلت مركبتنا إلى المدينة من بوابة القمر، ومع الضيوف الأجانب والمضيفين الهنود كانت قصة جيبور مثاراً للحديث، على وقع حركة ازدحامٍ كانت ترتفع وتيرتها كلما اقتربنا من قلب المدينة، وفيما سرنا باتجاه المدينة برزت قطاعات تجارية مصطفة على جانبي الطريق، وبدت المباني الوردية ذات اللافتات المتسقة صورةً للتجانس والتناغم. علمنا أن المدينة التي بنيت في العام 1727 تم طلاؤها بهذا اللون في العام 1876 احتفالاً بأول زيارة رسمية يقوم بها أمير ويلز لتعرف بعد ذلك باسم «المدينة الوردية». ويعتبر الجيبوريون أن بادرة الطلاء تحيةً للأمير الإنجليزي دليل على كرم الضيافة الذي «يميزأرض الملوك» كما تسمى، فالجمال ماركة مسجلة هنا، في تفاصيل الآثار القديمة المغولية والراجستانية كما في مجسمات الجمال كلها التي تتحلى بها البنايات التاريخية في المدينة، واللون الزاهي يطول حتى المباني والمنشآت الحكومية التي كانت رغم حجمها الكبير ورصانتها الظاهرة... ملونةً بالوردي!هوا محلبوابة القمر، واحدة من بوابات سبع رئيسية للمدينة، وبالخروج منها يطل مباشرةً قصر «هوا محل»، وهو ليس قصراً عادياً، لكنه صرحٌ... في «الهوا»!من أكثر معالم جيبور تميزاً، بناه المهراجا برتاب سنغ في العام 1840، واسمه يشير إلى موقعه... قصر الرياح، وهو قطاعات سكنية ملكية كبيرة مؤلفة من خمسة أدوار لها ارتفاعات متعددة، في حين لا يتجاوز عرض المقصورة الواحدة أكثر من ثلاثة أمتار.وفي واجهة القصر الذي بات مغلقاً أمام الزائرين اليوم، تظهر الشرفات البارزة التي تميز عمارة المدينة كلها، وفي هذا القصر يدخل الهواء من الفراغات المحيطة بالنقوش على الجدار الخارجي والتي صنعت بهذا الشكل لتسمح بمشاهدة أميرات الأسرة الملكية للاحتفالات العامة والمواكب الملكية دون أن يراهن العامة.أميرات الهندوس لا يراهن أحد!ونساء الهندوس كّن مثل نساء المسلمين، بحسب الأعراف والتراث المتوارث في الأسر الملكية الراجستانية التي تحظر الظهور العمومي لوجوه الأميرات وبنات الأسر النبيلة. وللـ«حريم» الجيبوري 900 غرفة في القصر.وفي جانب من المدينة يبرز الحضور الإنجليزي مجدداً ليبدو متحف «ألبرت هول» الذي يعرض المقتنيات الأثرية الجيبورية العريقة.جيبور أكبر مدن إقليم راجستان وأكثرها اكتظاظاً بالسكان، حيث يبلغ تعداد سكانها أكثر من أربعة ملايين نسمة وفق الإحصائيات الرسمية، والمدينة الرومانسية التي تتبع وجهة الشمس، والمشهورة بِالحَرير، واللون الوردي في بناياتها، تبدو قمةً في الحداثة الهندية، ويشير إليها التاريخ كأول المدن تخطيطاً في الهند.قصر العنبرقصر العنبر أو «أمبير»، محطةٌ مثيرة، تقف خارج المدينة، على بعد ساعه من «هوا محل» مشيدة بها قصور، وحدائق، ومعابد تطل من أعلى تلة على بحيرة اصطناعية، وكانت مقراً لملوك راجبوت إلى أن بنيت العاصمة جيبور.الفيل وسيلةٌ مفضلة سياحياً لمشاهدة مبنى القصر العنبري، وأما السير علي الأقدام فوسيلة لا يفضلها الكثير من القادمين إلى المكان، ومواكب الفيلة الملونة أيضاً باللون الوردي والمخصصة لنقل السياح في جولة حول القصر تبدو شاعريةً ومنسجمةً مع روح القصر المترفة، وبالغة الحفاوة. تتنوع مراكب الفيل السائرة ضمن جموع بين ما يحمل شخصاً مفرداً، وما يحمل شخصين، وتسير الفيلة الأنثى المخصصة للمواكب على وقع العزف وإيقاع الطبول التي تتمايل معها مراكب الفيل الصاعدة نحو القصر.ويقال أن ما بين 4 آلاف و5 الاف سائح يزور المعلم الكبير يومياً، وذلك خلال الموسم السياحي الممتد بين شهري نوفمبر وحتى آخر مارس. في وسط المكان تتربع «قاعة الشمس» التي كانت تقام فيها عروض المحاربين القدامى، و تصل درجات ضخمة بين الساحة الخارجية وداخل القلعة، وعلى ناحية اليمين يقوم معبد العائلة المالكة الذي يتم الدخول إليه عبر بوابة من الفضة.في جانب من القلعة زاوية تتمتع بجمال استثنائي. مرايا مصفوفة على الجدران، والسقوف، وهو ركن يعرف باسم «جدار المرايا».وفيه ترى النجوم في عز الظهيرة!، من خلال عشرات قطع المرايا المختلفة الأشكال التي تتلألأ في انعكاس الضوء عليها تاركةً المكان في وهجٍ ساحر، والقسم الأخير من القلعة فهو مخصص للنساء وفيه غرفة لكل واحدةٍ من نساء الملك، ويقال إن تصميم المكان تم بحيث يخفي الغرفة التي يختار الملك الدخول إليها، لأنها جميعاً تنفتح على رواق واحد.متحف النجومجانتار مانتار أو (متحف الفلك) الذي بناه المهراجا جاي نفسه باني مدينة جيبور أنشئ في بداية القرن الثامن عشر، وهو من معالم جيبور اللافتة. ويحتوي المتحف والمرصد الفلكي على عدد من الاختراعات منها الإسطرلاب لمراقبة النجوم، والساعة الشمسية العملاقة، وكذلك مركز الأبراج الفلكية، كما أن هناك نحو عشرين آلة ثابتة، ويُعتبر الموقع أهم وأدق مجموعة من المراصد القديمة التي تمت المحافظة عليها جيداً، وتشير الآلات الموجودة إلى قدرات لافتة في مجال الرصد الفلكي القديم والتي اهتم بها المهراجا ساواي جاي سينغ الثاني فقام بدعمها وجمعها في هذا المكان.مدينة جيبور بالكامل مزيج بين الفن المغولي الإسلامي والفن الراجستاني الهندوسي، وبناها السلطان المسلم راجبوت، وفي ولاية راجستان الواقعة على الحد الشرقي مع باكستان والتي يجري بين أراضيها نهر شامبال تتميز العاصمة جيبور بأنها من أهم المراكز التجارية في الهند اليوم، وتختص بصناعة العطور والحرير والفن المعماري.ومع توهج النجوم في جيبور ذات المتاحف والقصور والجمال غدت مقصداً لنجوم هوليوود الباحثين عن عطلة رومانسية بين الشمس والنار والأحجار الكريمة.جيبور والحجر الثمينوفي أنحاء المدينة تنتشر محال للمجوهرات ذات النقوش الهندية التقليدية، وتبدو خيوط الذهب المنسوجة مع الألماس والياقوت بتصاميم بديعة شكلاً فريداً للأحجار اللامعة، ولكن جيبور التي تبيع الذهب للقادمين إليها من كل مكان تتميز خاصةً بأنها مكان لصقل الأحجار وتهذيبها، ومنها الياقوت والمرجان كما الألماس وأحجار أخرى، وفي أطراف محال المجوهرات الكبرى في الهند ملاحق يجلس بها العمال المختصون بصقل الأحجار ودقّها لتبدو أخيراً في وضع ملائم للاستخدام في قطع المجوهرات، ومن القلائد إلى الأساور من الماس المنمق بعناية، والياقوت الأحمر القاني على أعناقهن وأيديهن بدت المجوهرات الهندية خطاً خاصا. لجذب محبي الجمال.من غرائب المدينة التي جمعت الشمس بالقمر، أن الحكاية لم تكن تشبه التلاقي المستحيل، ولم تكن أسطورة شعبية، أو بدعة فلكية، بل إنه التعايش الحضاري بيت فئتين من البشر، دار فيهما الزمان والرجال ليتعاقب الملوك حكاماً على المكان الساحر تاركين فيه إلى اليوم بعضاً من الأثر المحلي الممزوج بروح النمو الاقتصادي والآمال الطموحة.
- سياحة وسفر
غدت مقصداً لنجوم هوليوود الباحثين عن عطلة رومانسية بين الشمس والنار والأحجار الكريمة
«جيبور» أرض الأحلام الوردية... والوحدة الوطنية!
04:57 م