اتفق النائبان السابقان الدكتور حسن جوهر والدكتور محمد العبدالجادر على أن الكويت أمام مشهد سياسي جديد بشخوص ونتائج مختلفة، بعد أن أصبح نظام الصوت الواحد الانتخابي أمراً واقعاً، فيما استدركا أن إشكالية التوزان السياسي فيه لا تزال قائمة بعد أن انتقل ثقلها من كفة القوى السياسية إلى الحكومة، وأشارا إلى أن هذا النظام لم يعالج الإشكاليات التي شابت الممارسة السياسية خلال الفترة التي سبقت إقراره.ودعا النائبان السابقان كافة القوى السياسية إلى التعامل مع هذا الواقع والمهشد السياسي وفق الآليات المتاحة والوحيدة والواقعية المتمثلة في المشاركة البرلمانية وعبر مجلس الأمة، لإعادة التوازن السياسي، وأكدا في «الندوة السياسية التي نظمتها «الراي» تحت عنوان «المشهد السياسي بعد تجربة الصوت الواحد...وحدود العمل البرلماني» ضرورة مراجعة التجربة وإعادة صياغتها عبر الاستفادة من دروس المرحلة الماضية وخلق رأي عام جديد يتفق حول قضايا محددة لتكون هي عنوان المشهد المقبل.وفيما وجه جوهر الدعوة لنفسه والقوى السياسية للمشاركة في الانتخابات المقبلة، بعد خلق رأي عام جديد حول القضايا المتفق عليها، أكد أن القوى السياسية إذا تحركت بجدية فبإمكانها تحقيق انتصار سياسي حتى في ظل النظام الانتخابي الحالي.وكشف جوهر عن أن كافة الأنظمة الانتخابية في البلاد لم تأت من رحم البرلمان، وعندما يتم فهم اللعبة فيها يتم تغييرها، مشيراً إلى أنه عادة ما تكون البرلمانات الأولى بعد أي نظام انتخابي جديد ضعيفة ثم تزداد قوة بعد التجربة وهذا ما يتوقعه لبرلمانات الصوت الواحد.وشدد جوهر على «أننا أمام مشهد سياسي جديد مختلف ومعيب على من ينتقده أن يبكي على الأطلال، فهو بحاجة إلى آلية عمل وتغيير بالأدوات الدستورية المتاحة»، مشيراً إلى أن الوضع إذا لم يكن على مستوى ما كان عليه عام 2012 فإنه لم يقل سوءًا «فالاختناق الفئوي والطائفي والعائلي لا يزال قائما».اما العبدالجادر فيرى أن المشهد السياسي الماضي انتهى «ونحن أمام مشهد جديد وهناك دورس مستحقة من التجربة الماضية، على الحكومة والقوى السياسية الاستفادة منها خاصة وأن الهاجسين الأمني والاقتصادي يلقيان بظلالهما على كافة تفاصيله، مشدداً على ضرورة اتصال الأطراف السياسية الواعية بعضها لإعادة التوازن المفقود بالمشهد السياسي.وقال العبدالجادر إنه بعد المواجهة السياسية لا يوجد منتصر ومهزوم وعلى الجميع مراجعة حساباته، خاصة وأن المجلس تتوافر فيه آليات التغيير، مشيراً إلى أنه آن الأوان لطرح برنامج سياسي متوازن للخروج من الأزمة التي نعانيها وبالذات في مجلس الوزراء.وشدد العبدالجادر على أن تعديل الدستور لجهة زيادة عدد الأعضاء أو المشاركة في الحكومة قد يكون إحدى الخطوات لفتح الأفق المسدود في المشهد السياسي، لافتا إلى أن المفترض بمجلس الوزراء أن يكون أقوى في ظل حالة الاستقرار.وتوقع العبدالجادر أنه في حال إقرار أي زيادة على الرسوم وإلغاء الدعوم عن الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطن دون دراسة فـ«ستذهب» الحكومة بسببهما في ظرف شهرين، مشيرا إلى أن المواطن لم يستشعر عمل الحكومة الحالية وهناك الكثير من الملفات حركها المجلس.وفي ما يلي تفاصيل الندوة:? «الراي»: قد يكون العنوان حمال أوجه وملتبسا حول تقييم المشهد البرلماني بعد تجربة الصوت الواحد وحدود العمل البرلماني ولكن ما يعنينا هل المشهد كما هو أم أنه تغير؟ ولماذا ؟- جوهر: كان لي رأي في الصوت الواحد وبمرور كل يوم أو منعطف سياسي جديد استشعر أن موقفي بني على توقعات سليمة ، وكل نقاط التخوف التي كنت أثيرها في البعد القانوني والدستوري أو السياسي، ولكن الآن قضية الصوت الواحد حسمت بالنسبة لي من قبل المحكمة الدستورية ولابد من وجود مرجعية لحسم أي خلاف ، ومن هذا المنطلق فإن مرسوم الصوت الواحد تحول إلى قانون وأصبح أمرا واقعا ولا أجادل فيه، ولكن موقفي منه يتلخص في أنه نظام غير موفق لحل كل المشاكل أو تحقيق العدالة أو تمثيل الأقلية أو الاستقرار والتوازن السياسي، ولعل الكل يتفق أن وضعنا الحالي إن لم يكن أسوأ من عام 2012 فإنه على أضعف الايمان لم يتغير فالأجواء في عام 2012 شهدت اختناقا طائفيا مناطقيا وفئويا وهذه لم تختفِ أو تقل أو تضبط بأحكام قانونية والدليل على ذلك حجم القضايا المرفوعة أمام القضاء ،وحالة الهيجان التي تشهدها شبكات التواصل الاجتماعي والتراشق اللفظي في قاعة عبدالله السالم والتي لا تزال مستمرة حتى الآن ، وهي كانت أحد المآخذ على المجالس السابقة، وبالتالي فإن مشكلتنا تتمثل في الثقافة السياسية والمجتمعية وليس في النظام الانتخابي...? «الراي»: لكن الاحتقان الطائفي والفئوي خفتت أصوات الأطراف النافخة فيه الآن،ولم تعد هذه الحالة حاضرة في الشارع أو في البرلمان وإن حضرت فإنها تكون نتيجة عارض خارجي وليس محليا، وفي حادث مسجد الإمام الصادق شاهد الكل حالة الوحدة الوطنية التي سطرها المجتمع الكويتي ؟- جوهر: لو وقع حادث مسجد الإمام الصادق في أي زمان أو مكان فإنني أعتقد أن ردة الفعل المجتمعي ستكون واحدة، وهذا أمر طبيعي فالدول والمجتمعات حتى في حال انقسامها على نفسها عادة ما تتكاتف في المآسي والأتراح وفي بعض الأحيان تختلق بعض الدول مثل هذه الأزمات لتوحيد المجتمع أو تغير المنحى الذي تسير به، وبالتالي فإن هذا الحادث المؤلم لو تم في ظل مجالس سابقة فأعتقد أن ردة الفعل ستكون نفسها، ولا ننسى أن هذه الحالة من التعاضد والتآزر جاءت بتوجيه من القيادة السياسية التي غيرت البوصلة، وأعتقد أنه سيكون لها الموقف نفسه لو وقع هذا الحدث في أي وقت كما ان التعاطف مع ضحايا الحادث كان شعبيا أكثر من كونه تعاطفا من القوى السياسية ،ونسأل الله سبحانه وتعالى ألا تتكرر هذه المآسي لدينا في الكويت، وقد قلت حينها إننا نخشى أن تكون ردة الفعل المجتمعية إزاء حادث الإمام الصادق وحالة الوحدة الوطنية موقتة وسرعان ما تعود حالة الاحتقان،وبالفعل بعد ذلك عادت أجواء الاحتقان مرة أخرى وبالعودة إلى الحديث عن المشهد فإنني أؤكد على أن الصوت الواحد لو كان بإمكانه القضاء على الطائفية والفئوية لكفاني ذلك تأييده ،لكنه لم يحقق ذلك بل إن الصوت الواحد جزأ الأطياف المجتمعية فالقبيلة والطائفة والعائلة تجزأت في ظله والحالة والقرارات السياسية لدينا اليوم أشبه بالحالة الأردنية في كثرة حل البرلمان وخلاف التيارات السياسية مع الحكومة وتغيير الدوائر الانتخابية ،والآن الأردن تراجع عن نظام الصوت الواحد لثبوت عدم جدواه.? «الراي»: هل تقصد أن نظام الصوت الواحد الانتخابي قد يتم التراجع عنه أو تغييره ؟- جوهر: إذا تحرك الشعب والقوى السياسية بجدية فإن من الممكن أن يحققوا انتصارا سياسيا ينعكس على مجلس الأمة حتى في ظل الصوت الواحد، فتاريخيا لا يوجد نظام انتخابي في تاريخ الكويت السياسي ولد من رحم البرلمان،وحتى الدوائر الخمس التي جاءت بإرادة شعبية من تقدم باقتراحه الحكومة وكان لها مشاركة أساسية في التصويت عليه، وعادة وبعد كل نظام انتخابي جديد في تاريخ الكويت البرلماني تفهم اللعبة السياسية أكثر فيتم تغيير النظام الانتخابي لذلك عادة ما تبدأ المجالس بعد كل نظام انتخابي جديد ضعيفة ثم تقوى إلى درجة عدم تحملها من قبل الحكومة، فيتم تغييره والعودة إلى نقطة الصفر وهذه الحالة حدثت في الدوائر العشر والخمس والعشرين والخمس والآن ستتكرر في الصوت الواحد وبالتالي هناك اليوم سخط شعبي كبير على أداء مجلس الأمة،ومن الممكن في حال المشاركة الحقيقية والقوية من القوى السياسية ستتغير تركيبة المجلس وقد لا تتحقق اغلبية كما حدث في المبطل الأول ولكن ستكون مقدمة لمثل هذه النتيجة في انتخابات لاحقة.- العبدالجادر: لا شك أن تجربة الصوت الواحد جاءت بعد مخاض واستقرت بعد حكم المحكمة الدستورية وأهم عناصر هذا الاستقرار الضمانة التي قدمها سمو الأمير بعدم حل المجلس أو حتى اختفاء أنباء وأحاديث الحل،واليوم مضى عامان على تلك التجربة بعد الاستقرار وأعتقد أن هذه الفترة في عمر المجالس كافية للحكم على التجارب خاصة وأن السنة الثالثة من عمر المجالس التشريعية عادة ما تكون مشوبة بالنشاط والحراك، وحاليا أرى أن نشاط وسلوك اعضاء مجلس الأمة انتخابي أكثر من كونه تشريعيا،وسنرى الكثير من الاستجوابات فيه وهناك اكثر من مجلس تم حله في الدور أو السنة الثالثة له،والحقيقة أن المجلس الحالي وبعد تجربة الصوت الواحد يعد من أكثر المجالس استقراراً لكن الظروف الإقليمية والمحلية في الكويت مختلفة عن المجالس التي سبقته،فالآن لدينا انخفاض أسعار النفط إلى ما يقارب الثلاثين دولار ولم يعد مقبولا في ظل ذلك طرح مطالب شعبية...? «الراي»: وما علاقة هذا الأمر بالمشهد السياسي بعد تجربة الصوت الواحد والذي ترى أنه أصبح أكثر استقرارا ؟- العبدالجادر: الآن لا يمكن لأعضاء مجلس الأمة طرح المطالبات الشعبية بزيادات مالية والتي غالبا ما كانت توتر علاقة السلطتين، لذلك لا نجد أجواء توتر والمفترض في النواب الآن الدفاع عن مصالح المواطنين بالبحث عن مواقع الفساد ومكامنها لأن الحكومة في أكثر من مناسبة أشارت إلى أنها ستتخذ إجراءات اقتصادية تقشفية،وعادة ما تمس هذه الإجراءات جيب المواطن كإلغاء الدعوم عن المشتقات النفطية وسينعكس هذا الأمر سلبا على الأسعار ومن ثم جيب المواطن، وكذلك الكهرباء وغيرها ونعلم أن أسعار النفط انخفضت لكن في المقابل لا بد وأن يلاقي هذه الحالة خطوات حكومية بعيدا عن الطرف الأضعف وهو المواطن، وبالعودة للإجابة عن السؤال فإن الظرف الاقتصادي والإقليمي اليوم يلقي بظلالة على المشهد السياسي ولذلك نمر بمرحلة جديدة يخيم عليها الهاجس الأمني والاقتصادي وهذا المشهد اختلف تماما عن المشهد السياسي قبل ثلاث سنوات...الراي»:وهل كان المشهد السياسي قبل ثلاث سنوات بمساره وسياقه الطبيعي أم أنه شهد انحرافا وخروجا عن هذا المسار؟ -العبدالجادر: المشهد السياسي قبل ثلاث سنوات لم يكن طبيعيا وقد تزامن مع الربيع العربي وكان هناك سقف مطالب عال تم على إثرها المواجهة بين الحكومة وما يسمى بالمعارضة وتلتها المواجهة بين المقاطعة والمشاركة واليوم بدأ هذا المشهد بالتغير والكثير من المقاطعين يدرسون فكرة خوض الانتخابات المقبلة في ظل قانون الصوت الواحد وأعتقد أن البعض منهم سيواجه بأسئلة صعبة عن أسباب المشاركة رغم أن القانون الانتخابي لم يتغير وقد سبق وأن طالبنا بعض أطراف المعارضة للتعامل مع الواقع وخوض الانتخابات لكنهم رفضوا والبعض اتهمنا بالتبعية للحكومة وإعطاء شرعة للوضع واليوم هم يدورون في نفس حلقة النقاش الذي أثرناه آنذاك وفي النهاية أثبتت الأيام أننا قرأنا المشهد بواقعية ودقة أكثر عندما قررنا خوض الانتخابات فيما هم كابروا ولا يزال بعضهم يكابر، ونحن في تلك الفترة دعونا لأن يتم تبني فكرة تعديل القانون الانتخابي ضمن البرامج الانتخابية للمرشحين وأنا أقول بعد هذه المواجهة التي شهدتها البلاد لا يوجد منتصر ومهزوم وإنما على الجميع مراجعة حساباته والمجلس مؤسسة دستورية وآليات التغيير متوافرة فيها.? «الراي»: هذا قد يقودنا إلى الحديث حول حدود الممارسة البرلمانية حيث يرى البعض أن هناك من فهم بشكل خاطئ حدودها ما انعكس هذا الفهم بشكل سلبي على عمل مجلس الأمة في السنوات التي سبقت تعديل القانون الانتخابي للصوت الواحد من صخب ونزول للشارع فهل تتفقان مع هذا الرأي ؟جوهر: الحراك الشعبي ضرورة ويعكس وعي الناس، ومن حق الشعب دستوريا وسياسيا التعبير عن رأيه في إطار القانون وبالطرق السلمية ولا يستطيع أحد منعه هذا الحق، وهذا الأمر يعكس ديموقراطية المجتمع والدولة وتاريخها، وعادة ما يكون في طليعة هذا الحراك أعضاء مجلس الأمة رغم أن قناعاتي أثناء فترة الحراك في السنوات الماضية أن يترك للشباب دون أي استقطاب للأضواء وكذلك كان من ضمن آرائي عدم إرهاق الشعب الكويتي بكثرة المسيرات والندوات لخصوصية الشعب الكويتي المسالم الذي يعيش في مستويات من الرخاء والاستقرار وهذا لم يتم ولذلك وصل الحراك إلى ما وصل إليه الآن ناهيك عن أن طريقة مواجهة هذا الحراك بالقوة والضرب والتضييق والاعتقالات وأخيرا سحب الجناسي أثبت أنه سلاح قوي وفعال ونتمنى من الله أن يتم تدارك هذا الأمر.- العبدالجادر يعقب: نحن بحاجة إلى مراجعة مستمرة للتجربة الديموقراطية وانعكاس هذه المراجعة على الممارسة السياسية، ونحن نتفق بأن النظام الديموقراطي في البلاد بحاجة إلى الكثير من الآليات لدعمه فنحن لدينا تجمعات سياسية لكنها لم تصل في تنظيمها كأحزاب إلا مجموعة أو مجموعتين يوجد لديهما وضوح في آليات اتخاذ القرار، ومع ذلك فإن تجربة التجمعات السياسية في البلاد غير ناضجة ولديها مشكلة في الآليات، وبالحديث عن التجربة البرلمانية التي مضى عليها نصف قرن إلا أن علينا ألا نكرر أخطاءها فالتوسع في الممارسة البرلمانية بالنزول إلى الشارع كان خطأ دفعت ثمنه كل القوى المتبنية له فتجييش الشارع ممارسة تحتاج إلى مراجعة وأنا شخصيا شهدت تجربة قبل تعديل القانون الانتخابي تبنت فيها بعض القوى مقاطعة الممارسة السياسية في البرلمان واختارت النزول إلى الشارع ولكن بعد ذلك وعند التصويت على كادر المعلمين عادوا إلى المجلس للمشاركة به وهذا التناقض شكل ردة فعل لدى المتابعين، وكذلك إقصاء واتهام المخالفين بالرأي خطأ ولا يجوز في العمل البرلماني فهو عمل تكاملي فيه أخذ ورد واختلاف ووفاق وكذلك في قضية «الداو كيميكال» فوجئنا أن الموقف من هذه القضية تغير في المجلس المبطل الأول بخروج الشيخ ناصر المحمد من الحكومة ففي المجلس الذي تلا خروجه ترك ولم يفتح إلا بعد أن صدرت الغرامة والملاحظ أن هناك قضايا تثار سياسيا ثم تنتهي دون أي سبب كقضية الداوكيميكال لأن هناك تسويات تتم دون أن يراها أحد، وبالتالي فنحن اليوم وبعد هذه المسيرة من السنوات علينا إعادة وترتيب صياغة المشهد فمجلس الأمة احد المواقع التي يحدث فيها التغيير والتشريع والرقابة، وهذا المجلس لابد وأن يدعم بالعمل الحزبي والسياسي المنظم وجمعيات النفع العام ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام والشباب.?«الراي»: وكيف تجدان حدود العمل البرلماني بعد التجربة الماضية، وهل ستتراجع أم تتزن أم تتطور لتحقيق مزيد من المكاسب وتقويم الأداء؟- جوهر: هناك اليوم تقليص لصلاحيات المجلس بعد الأزمة السياسية وفرض عليه أداء وخضوع معين ولا أجد أي تقويم لأدائه...? «الراي»: بالمقابل ألا تعتقد أن العمل البرلماني في السنوات الأخيرة في ما قبل الصوت الواحد تجاوز حدوده الطبيعية من ممارسة نيابية إلى فرض وصاية تامة على كل مناحي الحياة في المجتمع والدولة كمنع شخصيات من دخول البلاد والنزول إلى الشارع على أي قضية وفرض رأيه على الحكومات وصلاحياتها دون توافق وأخل بالتوازن السياسي؟- جوهر: في ما تعلق بعلاقة السلطتين فإنه يعتمد على المنظور الذي نرى من خلاله هذه العلاقة وأنا أرى أن الدستور أعطى الحكومة صلاحيات واسعة كالمشاركة في اقتراح القوانين والتصويت عليها ورفضها لو أقرت من مجلس الأمة بل وأكثر من ذلك فإن الدستور منح السلطة التنفيذية صلاحية حل مجلس الأمة وبالتالي فإن لدى الحكومة سلطة كبيرة وشبه مطلقة في الهيمنة على أعمال مجلس الأمة ويبقى للمجلس بعض الصلاحيات الدستورية كالاستجواب وتشكيل لجان التحقيق وإقرار القوانين التي تردها الحكومة بأغلبية خاصة وصلاحيات المجلس كانت مفعلة في مجلس 2012 المبطل حيث استطاعت الأغلبية حينها تمرير ما تشاء ولكنها لم تستثمر ذلك لتحقيق مكاسب دستورية أو شعبية كاستقلال القضاء ومكافحة الفساد والذمة والمالية وقانون المناقصات المركزية وحماية المستهلك وتنظيم العمل السياسي وتعديل النظام الانتخابي والتي للأسف قفز عليها قانون إعدام المسيء والذي أساء إلى المجلس وجعل الناس ترتاب من المعارضة وليس الحكومة، وهذه كانت أحد مظاهر غياب التوازن في المجلس وطغيان المعارضة واستثمار الثقل العددي في شأن لا يحقق المصلحة العامة أو يراعي التنوع، والخصوصية الكويتية كانت إشكالية ساهمت في تسويق نظام الصوت الواحد وخدمة الحكومة في تقديمه، وتاريخيا متى ما اختل التوازن بين الحكومة والمجلس فإنه تتم إعادته إلى وضعه الطبيعي وفي مجلس 2012 كان هناك اختلال في هذا التوازن لصالح المعارضة إلى درجة أخافت الحكومة ولكن هذا التوازن انعكس لصالح الحكومة في المجلس الحالي الذي غيب دوره أمامها، وعلى سبيل المثال علمت أنه في اجتماع اللجنة المشتركة لتعزيز ميزانية الدفاع بـستة مليارات دينار اقتنعت الحكومة بالاكتفاء بتخصيص ثلاثة مليارات ولكن بعض النواب الحضور أصروا بشكل هستيري على المليارات الستة واستغرب كيف يوافق الأعضاء على سحب تلك المليارات من الاحتياطي العام للدولة المقدر بـ 46 مليار دينار في ظل العجز المالي المتوقع في ظرف السنوات الخمس المقبلة والتي قد تتعرض فيها الدولة إلى الإفلاس«الراي»: ومن يتحمل اليوم مسؤولية اختلال هذا التوازن السياسي خاصة وأن هناك من يرى أمثالك من الأطراف التي انسحبت من الساحة وتخلت عن موقعها ودورها ؟- جوهر: أنا لا أبرر لطرف ضد آخر وجميع الأطراف مسؤولة عن اختلال التوازن وهذه المأساة السياسية في البلاد وللأسف قدمت ومجموعة من الإخوة مبادرات لتقريب وجهات النظر لكن جميعها باء بالفشل بسبب تعنت الأطراف وتمسكها بمواقفها رغم أننا ككويتيين على مستوى القيادة السياسية والبرلمان نحقق دائما نجاحات في الوساطة لحل خلافات الآخرين ومع هذا عجزنا عن حل خلافاتنا حتى في أصعب الظروف وفي ظل وجود عجز مالي وتفكك داخلي وإرهاب وتوتر إقليمي وما أحوجنا إلى التفاهم والتوافق.- العبدالجادر: لا يمكن الحكم على مسألة تراجع أو تطور التجربة الديموقراطية إلا من خلال معايير، والمشكلة أن الساحة السياسية لا برنامج واضحا فيها وجميع التيارات متصدعة ومنقسمة حول المشاركة والمقاطعة ولا توجد أطروحات جادة للإصلاح السياسي والآن بعض القوى السياسية اختارت العزلة وعدم التواجد على الساحة السياسية ولديها اليوم مراجعات، وطبيعة اللعبة السياسية في الكويت التي خلقتها المعارضة الوطنية جعلت من مجلس الأمة المكان الأمثل للتغيير، وعلى سبيل المثال دستور 62 كان أكثر تقدما من الوضع السياسي القائم فهو جاء على ذكر وجود الكتل والجماعات السياسية منذ تلك الفترة وأعتقد أنه آن الأوان لأن يُطرح برنامج سياسي متوازن يتم فيه الخروج من الأزمة التي نعانيها وبالذات الموجودة في مجلس الوزراء فهو بحاجة إلى أن يكون أقوى بحكم حالة الاستقرار، فالمجلس الحالي وبشهادة الإعلام الأجنبي قريب من الحكومة ومع ذلك لم يشعر أحد بأنها تعمل وهناك ملفات كان المجلس هو من حركها وليست السلطة التنفيذية وأهمها الطعن أمام المحكمة الدستورية بل وأكثر من ذلك فإن الديوان الأميري يقوم بالكثير من أعمال الحكومة وعلى سبيل المثال استاد جابر عندما توافرت الإرادة لافتتاحه تم هذا الافتتاح، وبالتالي اليوم لابد أن تتم اتصالات بين الأطراف السياسية الواعية لأن الكويت بحاجة إلى إعادة التوازن السياسي المفقود من خلال توصيات ودراسات وأفكار للخروج من هذه الحالة ومنها على سبيل المثال تعديل بعض مواد الدستور المتفق عليها والتي يمكنها أن تفتح الأفق المسدود كزيادة عدد أعضاء المجلس إلى 75 عضواً وهذه الخطوة ستفتح المجال لتوسعة العمل الوزاري وإعادة صياغة الدوائر الانتخابية في الكويت ومن ثم ستفتح الأفق المسدود حول المشاركة وهذه مسألة قد تجد اجماعا حولها وهناك مواد أخرى في الدستور بالإمكان التوافق على تعديها ومن ثم تطرح بالتعاون بين السلطات مع سمو الأمير وهذه احدى الأفكار التي يمكن أن يكون فيها مخرج من الحالة التي نحن فيها، والأمر الآخر المشاركة في الحكومة وهذه الخطوات ليست بجديدة على تاريخ الكويت السياسي فعادة عندما يكون هناك افق مسدود تتحرك بعض الفرق والمجاميع لحلحة الأوضاع، ولكن الآن قد لا يكون موجودا هذا التحرك لوجود أطراف لا ترغب بالاستماع إلى مثل هذه المبادرات وقد يكون اليوم مناسبة لأن ادعو عبر صحيفة «الراي» إلى عقد مؤتمر أو دعوة لاتفاق شخصيات ذات وزن سياسي لتبني أفكار بتوافق الجميع لفتح الأفق المسدود في العمل السياسي وإعادة التوازن له دون إقصاء لطرف، فالمشهد الحالي بحاجة إلى تحرك واليوم لابد أن يكون هناك توازن سياسي بحيث لا تطغى كتلة على أخرى على الساحة السياسية.? «الراي»: وكيف تطغى كتلة سياسية على أخرى ؟- العبد الجادر: اليوم كفة الحكومة أثقل والسبب أن فهمهم لقياس التمثيل الشعبي يتم من خلال التواجد في البرلمان حتى وإن كان ممثلا واحدا وفي حال عدم التواجد في البرلمان فلا يمكن أن تُفتح أفق للتفاهم، ونحن هنا أمام مشكلة لفهم الواقع السياسي فالبعض يعتقد أن التواجد يتم بالتمثيل البرلماني والبعض الآخر يرى أنه ليس بالضرورة وفي النهاية من يحكم ذلك الفاعلية السياسي، وأعتقد أن الحكومة تفهم ذلك بمعنى أنهم متى ما رأوا وجود ثقل شعبي في الشارع أكبر من ثقل البرلمان فإنه يتم التعاطي معه وأدوات التواصل الاجتماعي اليوم سهلت قياس هذا الثقل والعالم كله يتغير من حولنا ويجب أن نعي هذا التغيير، وفي النهاية العمل السياسي مثل أي عمل آخر يجب ان يكون له رجاله المتخصصون وفي الفترة الماضية مورست السياسة دون سياسيين واندفع البعض اعتقاداً منهم أن التغيير يسير في اتجاه معين وهنا غيب دور المحنكين أو لم يسمع، واليوم إذا لم تلتفت الدولة إلى مشاكل الناس فستفشل والأزمة الاقتصادية على سبيل المثال تلقى حولها بالونات اختبار حول إلغاء الدعوم وزيادة الرسوم وإذا تمت زيادة الرسوم على الخدمات دون دراسة فإن الحكومة خلال شهرين ستذهب وتدفع ثمن ذلك.? «الراي»: هل نمر بفترة مخاض سياسي أم اننا في مرحلة ومشهد جديدين ؟- العبدالجادر: أعتقد أن المشهد الماضي انتهى ونحن في آخر مختلف تماما،وهناك دروس مستحقة على الحكومة والقوى السياسية الاستفادة منها، والمشهد المقبل سأتفاءل به إذا اتخذت خطوات جادة لإيقاف الفساد والهدر المالي في القطاع الحكومي، وهذه الخطوة لابد وان تتم من قبل مجلس الوزراء وليس من مكان آخر، وبغير ذلك سنكون في مشهد ليس جديداً متمثل بانتخابات إعادة تشكيل مجلس الأمة وبالتالي إذا ما توافرت إرادة سياسية لتغيير المشهد الحالي فإنه لن يتغير وكل ما سيحدث هو تجميله فقط .- جوهر: المنطق والواقع يؤكد أننا اليوم في مرحلة ومشهد سياسي جديدين مختلفين بشخوص وأداء ونتائج مختلفة، ولا نستطيع أن ننكر ذلك وأنا أعيب على من ينتقد هذا المشهد ويبكي على الأطلال فنحن نحتاج إلى آلية عمل وتغيير هذا الواقع بالأدوات الدستورية المتاحة والمشاركة السياسية إذا كان لا يعجبنا وأنا شخصيا لا يعجبني لكن قبل المشاركة فنحن بحاجة إلى رأي عام جديد مؤمن بقضايا جديدة ومحددة وواضحة وتصب في المصلحة الوطنية، وإذا استطعنا خلق هذا الرأي العام فسيسهل كل أمر آخر فالانتخابات ستكون سهلة والوصول إلى الناس سيكون سهلا، وهذا الرأي العام يجب أن يتم خلال الاتفاق بين السلطتين والقوى السياسية على المشتركات وتأجيل المختلفات وتغليب المصلحة العامة على الخاصة، وأكاد أجزم شخصيا أنه إذا تم التنسيق بين القوى السياسية على برنامج انتخابي متفق عليه في ظل الصوت الواحد فستحقق حضورا جيدا في المجلس المقبل وأنا هنا: أتساءل ما الذي يمنع أن تتفق القوى السياسية من السلف والقوى الليبرالية والشيعة والقبائل والتجار على قضايا محددة تكون هي مشروع المستقبل !! أليس مثل هذا الاتفاق سينعكس إيجابا على حالة البلاد وسيستفيد منه الكل وهذه المسألة ليست بجديدة على تاريخنا السياسي...? «الراي»: هل ستشارك في الانتخابات المقبلة ؟- أنا أدعو إلى المشاركة في الانتخابات المقبلة بعد تهيئة رأي عام جديد والاتفاق على المشتركات ضمن برنامج انتخابي موحد وهذه الدعوة أوجهها لنفسي أيضا فهي أداة التغيير المتاحة والممكنة والوحيدة ونحن اليوم أمام مشهد اعتبره سيئا والدولة هي من ستتحمل كلفته إذا ترك دون أي تغيير وشخصيا متفائل بأن المشهد السياسي المقبل سيكون أفضل مع الأخذ بعين الاعتبار أن مشاكلنا كبيرة وهناك من لا يريد لهذا التفاؤل أن يتحقق وهو تفاؤل يقف أمامه تحد.
محليات - مجلس الأمة
المشهد السياسي بعد تجربة الصوت الواحد ... وحدود العمل البرلماني / أكدا الحاجة إلى رأي عام جديد لإعادة التوازن إلى الحالة السياسية القائمة
جوهر والعبدالجادر: على القوى السياسية التعامل مع الواقع بالمشاركة من خلال المجلس
11:22 ص