بعيدا عن الجدل السياسي الذي واكب إعلان الوكيل المساعد لشؤون الجنسية والجوازات اللواء مازن الجراح عن تقييد إصدار جوازات السفر للكويتيين بالفحص الخاص بالبصمة الوراثية «DNA»، يبدو الأمر الأكثر تعقيدا في المسألة موضوع إثبات النسب لحديثي الولادة بالبصمة الوراثية، الأمر الذي استفز رجال الدين ودفهم للرد على هذا الاعلان الذي اعتبروه مخالفا للشريعة الاسلامية وتحقيق مقاصدها.رجال الدين أكدوا ان الاستدلال على الانساب من خلال الشرع له طرق خاصة ومعتبرة لدى العلماء في المذاهب الفقهية مستنكرين تجاوز الشريعة في هذا الامر الذي سيفتح باب شر عظيم على المجتمع.«الراي» فتحت ملف الجانب الشرعي لاثبات النسب عن طريق البصمة الوراثية «DNA» مستقصية الرأي الشرعي في هذا الأمر والآثار التي يمكن أن يحدثها، واستطلعت رأي عدد من العلماء واساتاذة الشريعة في الموضوع فقال الداعية الشيخ ناظم المسباح «لا شك ان البحث في جواز استخدام البصمة الوراثية في اثبات النسب من عدمه امر كبير جدا ويحتاج الى ان يجتمع له علماء الامة لكي يؤصلوا فيه»، مبينا أنه لا يرى ان تكون الفتوى فيه فردية بل ان تكون جماعية من خلال المجامع الفقهية لانها قضية غاية في الاهمية.وأضاف «موضوع اثبات النسب في الوسائل الحديثة عقدت له مؤتمرات واعدت فيه العديد من البحوث العلمية المحكمة والامر لخطورته يحتاج الى فتوى جماعية وان تتصدر فيه الفتوى اللجنة الشرعية في وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية ليكون الرأي الشرعي واضحا ويعتد به».من جانبه قال الاستاذ في كلية الشريعة الدكتور عبدالمحسن زبن «ان اثبات النسب في الشرع له طريقان الاول الفراش والمقصود به ان يكون هناك زواج شرعي وتحمل المرأة من الفاحشة وبهذا ينسب الولد للزوج الشرعي ولا ينفيه ادعاء الرجل الزاني، والدليل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش وللعاهر الحجر)».واضاف «اما الطريق الثاني، فهو اذا كان هناك ولد ضائع او فقد فيكون اثبات نسبه بالشهود وبالبينة، واما موضوع البصمة الوراثية او ما يعرف بـDNA شرعا لا يثبت شيئا ولا ينفيه وان اخذ بها تؤخذ للاستئناس في احوال ضيقة جدا وهي طريقة شرعا غير صحيحة، لافتا الى ان الشريعة الاسلامية تسعى الى تحقيق المقاصد الشرعية التي تحفظ فيها المجتمعات والانساب وحفظ الاعراض وعدم الطعن فيها ومثل هذا الباب ان فتح سيفتح باب شر عظيم على الامة وعلى الناس التي تستتر بستر الله وفتح هذا الباب يفتح الشر في القلوب من الشك والريبة والخطأ وارد في فحص البصمة الوراثية ما يترتب عليه اتهام للعفيفات وللرجال العفيفين وسد هذا الباب واجب شرعي».بدوره قال الداعية الدكتور الشيخ بدر الحجرف ان اكثر أهل العلم على عدم جواز استخدام البصمة الوراثية او ما يعرف بـDNA في اثبات الانساب وتجاهل العمل بالجوانب الشرعية التي اقرها الدين الاسلامي في هذا الجانب، مبينا ان استخدام البصمة الوراثية لا يجب الا عن طريق القضاء وفي حالات ضيقة ولا يكون من اختصاصات جهات اخرى فشرعنا بيّن لنا على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم ان «الولد للفراش» ونسأل الله ان يهدي من طرح هذا الطرح الى سواء السبيل.ومن جانبه قال استاذ الشريعة الاسلامية في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب الخطيب في وزارة الاوقاف الدكتور عبدالرحمن المطيري أنه لا يجوز شرعا اجراء البصمة الوراثية في اثبات النسب في المطلق فالشرع بيّن ان «الولد للفراش وللعاهر الحجر»،موضحا ان البصمة الوراثية تدخل فيها الريبة والظنون ولا يؤخذ بها شرعا.واضاف «فقد جاء شخص الى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله ان امرأتي ولدت غلاما اسود واني انكرته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل لك من ابل؟ قال نعم، قال ما الوانها؟ قال حمر، قال فهل فيها من اورق، قال نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنى هو؟ قال لعله يا رسول الله نزعة عرق له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لعله يكون نزعة عرق له»، موضحا انه اذا كان ثم زواج شرعي بيِّن فلا يجوز الفحص مطلقا والا وقعنا في الاتهام بالزنى وفتح باب شر على المجتمع نحن في غنى عنه.واشار المطيري الى ان فتح باب الطعن في الانساب يفتح معه باب القتل والهرج ومن اجل نقطة نخشى منها نقع في فساد عظيم ولذلك الشريعة الاسلامية منعت ذلك فالولد ينسب للفراش ولا يلتفت الى هذه الظنون والى هذه التحاليل فنحن في غنى عنها.ومن جهته قال الامام الخطيب في وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية الشيخ ناصر شمس الدين ان الشريعة الإسلامية أحاطت المجتمع بسياج من الوقاية من أن «تَتَذَبْذَبَ لُحمتُه ويُمَزَّقَ صَفُّه ويُفَرَّقَ جَمْعُهُ» وأكثر ما عنيت الشريعة بحمايته أصل المجتمع وهوالأسرة المسلمة لذلك جاء الإسلام للحفاظ على كليات بها قوام دنيا الناس ودينهم وفلاحهم في معاشهم ومآلهم من هذه الكليات حفظ الأنساب، مبينا نصت الشريعة وأقرت على أن إثبات أو نفي الأنساب لا يكون إلا بطرق محكمة منضبطة لا يخالطها شك أو ريب وإثبات النسب أو نفيه عن طريق البصمة الوراثية طريقة مستحدثة جديدة.وأضاف للنظر بمدى قبول البصمة الوراثية كوسيلة لقبول أو نفي النسب لابد من النظر هل هذه الطريقة ترتقي إلى القطع في دلالتها أم أنها ظنية ؟ وهل هذه الطريقة لا تصطدم وقواعد الشريعة؟ فإذا كانت البصمة الوراثية تفتقد أحد هذين الشرطين أو كلاهما فلا يصح حينئذ اعتمادها كوسيلة لإثبات النسب أو نفيه موضحا وبالنظر إلى كلام المختصين فإن الخطأ بالبصمة الوراثية وارد بأسباب كثيرة كتلوث العينة والخلط مع غيرها والخطأ البشري...الخ لذلك صارت البصمة الوراثية ظنية الدلالة وليست قطعية والقاعدة الشرعية تنص على أن: (اليقين لا يزول بالشك).ولفت شمس الدين الى انه إذا ثبت النسب أو انتفى بطريق شرعي صار هذا الاثبات أو النفي قطعي الدلالة فلا يجوز حينها ويحرم رد ذلك أو نفيه بطريقة ظنية (البصمة الوراثية) ومما سبق يتبين أن البصمة الوراثية فاقدة لشرطي قبولها في إثبات أو نفي النسب، فلا يجوز استخدامها كوسيلة لذلك ومن أجاز من العلماء استخدام البصمة الوراثية أجازوها لنفي الأبوة لا لإثباتها ولإثبات الأمومة، لكن قولهم هذا اشترطوا له انعدام الأدلة المعارضة ولا شك أن توافر الأدلة والطرق الشرعية التي تُثْبَتْ بها الأنساب أو تُنفى من الأدلة المعارضة لاستخدام البصمة الوراثية كوسيلة لإثبات أو نفي الأنساب لذلك جاء قرار مجمع الفقه الإسلامي والمنعقد بمكة عام 1422 بمنع استخدام البصمة الوراثية كوسيلة لإثبات أو نفي الأنساب.
محليات
رجال دين استنكروا إقرار البصمة الوراثية للمواليد والابتعاد عن الطرق الشرعية المثبتة في المذاهب الفقهية
نَسَبُ الـ D.N.A ... شرٌّ عظيم
03:48 م