لطالما كنا نحن العرب والمسلمين، أو منطقة الشرق الأوسط، عنصراً ثابتاً في الحملات الانتخابية الأميركية، ترتفع أهميته وتنخفض، بحسب القضايا الساخنة المطروحة على بساط البحث. في السابق كان الاهتمام باسرائيل والنفط سبب كوننا كذلك. الآن تراجع الاهتمام باسرائيل لأنه تم فعليا تحييد كل المخاطر التي تواجهها، وبالنفط لأنه أصبح، أو في طريقه لأن يصبح، أرخص من المياه المعدنية. لكن بدل أن يتراجع الاهتمام بنا معهما، أصبحنا الموضوع الرئيسي لهذه الحملات.ما زلنا نؤثر في السياسات العالمية إلى درجة أننا بتنا شأنا وطنيا يتقدم على شؤون وطنية حيوية كثيرة لبلد بعيد مثل أميركا، لثلاثة أسباب: أولها أن أميركا ما زالت المعني الأول بالشؤون العالمية، وثانيها أننا نحن نمثّل حاليا مركز الثقل الأساسي للصراع العالمي على النفوذ، أو على الأقل الجزء الساخن والمتحرك منه، أو بكلام الآخر، هنا في منطقتنا يحصل التغيّير الأكبر في العالم الآن. والسبب الثالث أن الكثير من القضايا الداخلية الأميركية كالهجرة والرقابة على السلاح، أصبحت متداخلة مع قضية الإرهاب، وتؤثر في الرأي العام الأميركي عندما تؤخذ من هذه الزاوية.هذا التركيز بالتأكيد لا ينبع من حرص علينا وعلى تقدمنا ورفاهنا وازدهارنا، بقدر ما هو حرص على التخفيف من «أثرنا السلبي». وحتى الذي يدافع عنا في الحملة الانتخابية، يفعل ذلك لأنه يعتقد أن هذه هي الطريقة الأفضل للتخفيف من هذا الأثر. النقاش الدائر في الحملة الانتخابية للرئاسة الأميركية حولنا كمسلمين في ضوء تصاعد الإرهاب، يشبه، للأسف، النقاشات التي تدور حول طريقة التعامل مع وباء ما. هل يقتحم الأطباء والممرضون هذا الوباء لمعالجته، مع المخاطرة بانتقال العدوى إليهم، أم يعزلون كل المصابين به ويبتعدون عنهم ويتركونهم لمصيرهم؟حتى لا نبقى في العموميات، يصلح السجال الحامي الذي طغى على الحملة الانتخابية الأسبوع الماضي مثالاً. هيلاري اتهمت ترامب بأنه افضل أداة تجنيد لـ «داعش» الذي قالت إنه يستخدم فيديواته التي تتضمن دعوته لمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، لإقناع الشبان بالانضمام إلى صفوفه، فرد متهما إياها بأنها كاذبة، ونافيا أن يكون التنظيم يستخدم شرائط له للتجنيد. دخل أوباما على الخط منتقدا لعب ترامب على مخاوف الطبقة الوسطى بشأن الأمن الاقتصادي، ومتهما كل المرشحين الجمهوريين بأنهم ينتقدون استراتيجيته ضد «داعش» فيما لا يقدمون بديلا عنها. أيضا حمل جب بوش على ترامب لتبادله المدائح مع بوتين قائلا إن الرئيس الروسي يعزز نفوذه العالمي على حساب الولايات المتحدة من البوابة السورية. رد ترامب بأن بوش «أحمق... وآخر ما نحتاجه هو فرد آخر بليد من هذه العائلة».موضوع اللاجئين السوريين، المرتبط بشكل وثيق بالمخاوف من الإرهاب، والذين لم تستقبل أميركا أحدا منهم بعد، يكاد الآن يختصر قضية الهجرة التي يصل ضمنها مئات الألوف ان لم يكن ملايين من المهاجرين إلى الولايات المتحدة سنويا، لا سيما عبر حدود المكسيك.تخيلوا أن عشرة آلاف سوري قررت إدارة أوباما استقبالهم بعد أن تدقّق في خلفياتهم وتختارهم بعناية فائقة، قلبوا أميركا رأسا على عقب. فلم يبق حاكم ولاية أو رئيس بلدية أو عضو كونغرس فيديرالي أو محلي، إلا وأدلى بدلوه في هذا الشأن، طبعا بالرفض. ترامب أقام قيامته ولم يقعدها بعد، لمنع استقبالهم، ولو خيّرته سيفضّل استقبال عشرة ملايين مهاجر من أميركا اللاتينية والصين وافريقيا على استقبال هؤلاء العشرة آلاف سوري. وهو ليس وحده، هناك مرشحون آخرون أدلوا بكلام عنصري حول المسلمين مثله، لكنهم ليسوا بسلاطة لسانه وشهرته.من بين القضايا التي تم زجّنا فيها، قضية الرقابة على السلاح التي تعتبر من أكبر الخلافات وأقدمها بين الجمهوريين والديموقراطيين، حيث يرفض الأولون بضغط من لوبي السلاح أي نوع من الرقابة على مشتريات الأفراد للأسلحة، فيما يعزو الأخيرون سهولة بعض الهجمات الإرهابية إلى انفلاش السلاح بين أيدي الناس. في الأساس كان الأمر يتعلق بالمهووسين الذين يطل واحد منهم بين وقت وآخر ليطلق النار ويقتل التلامذة أو الناس في مدرسة أو مكان عام أو حتى ثكنة عسكرية، ولكنه اتخذ طابعا آخر بعد هجمات من بينها قتل الجنود في تشاتانوغا بولاية تينيسي الصيف الماضي وأخيرا هجوم سان برناردينو في كاليفورنيا.لا يعود غريبا، في هذه الحال، أن نكون في قلب الحملة الانتخابية الأميركية، بل و أن نساهم مساهمة سلبية، في تحديد هوية الرئيس الأميركي المقبل.