104 أعوام مرت على المدرسة المباركية وهي شامخة تتغير عليها الأزمان وتتبدل الوجوه وهي باقية تحتضن الجميع بلا تفرقة تمنحهم من علمها ونورها ما يضيء لهم طريق العمل والنجاح منذ ان افتتحت ابوابها امام ابناء الكويت في 22 ديسمبر 1911. سميت بالمباركية نسبة إلى الشيخ مبارك الصباح أعقبتها شقيقتها الأحمدية التي تقرر انشاؤها لادخال مادتي العلوم واللغة الانجليزية بعد رفض الأهالي تدريسهما حيث افتتحت«الأحمدية» أواخر مايو 1921 لتكون ثاني مدرسة نظامية في الكويت. ومن حسن الطالع أن يكون الشيخ يوسف بن عيسى القناعي أول مدير للمدرسة المباركية فهو أحد أقطاب الحركة التعليمية والفكرية في الكويت وعمل جاهدا مع آخرين لإنشاء اول مدرسة نظامية في البلاد وأعقبه في ادارتها على التوالي يوسف بن حمود وعمر عاصم الأزميري وعبد العزيز الرشيد ومحمد خراشي المنفلوطي لتكون أكبر مشروع ثقافي تربوي في تاريخ الكويت. وكما أشارت الكثير من الدراسات التوثيقية والكتب المتخصصة في تاريخ التعليم في الكويت فقد كانت المدرسة المباركية منذ تأسيسها تقوم على مساهمات المواطنين من تبرعات إضافة إلى رسوم تسجيل الطلبة حتى قام مجلس المعارف «وزارة التربية حاليا» بضمها عام 1936 لتصبح تحت إدارة الحكومة واستمر التدريس فيها حتى عام 1985 حيث استخدم مبنى المدرسة لإنشاء المكتبة المركزية في الكويت. نبعت فكرة إنشاء المدرسة المباركية من قبل ثلاثة أشخاص هم يوسف بن عيسى القناعي والشيخ ناصر المبارك الصباح وياسين الطبطبائي صاحب الشعلة الأولى لفكرة إنشاء مدرسة لتعليم الطلاب في شهر مارس من عام 1910 اثناء الاحتفال بإحياء ذكرى المولد النبوي الشريف بديوان يوسف بن عيسى القناعي. وقال مدير ادارة الآثار والمتاحف في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب سلمان بولند لوكالة الأنباء الكويتية إن «المباركية» كانت المنارة التي اتجهت إليها عقول المثقفين لتكون مركزاً ومنتدى فكرياً لكل فئات المجتمع الكويتي ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً ولعل ما تشهده الكويت اليوم هو «محصلة لكل من أحب وأخلص وتفانى في حب هذا الوطن لنصل الى ما نحن عليه الآن من نهضة فكرية وعلمية وثقافية». وأضاف بولند أن المدرسة قامت على التبرعات وكان يوسف القناعي أول المتبرعين بمبلغ 50 روبية بدأ بها الاكتتاب والتبرع ومن ثم توالت بعدها تبرعات أهل الكويت الراغبين في العلم والتنوير بعدما استعان القناعي بهم وأخذ على عاتقه شرح فكرة المدرسة وكانت المفاجأة استجابة سريعة وإيجابية حيث انطلقت حملة جمع التبرعات التي استغرقت عشرة أشهر ليتم جمع مبلغ وصل إلى 77 ألفاً و550 روبية. وذكر انه تم تشييد المدرسة على أنقاض مجموعة من البيوت أحدها تبرعت أسرة الخالد به وبيتين آخرين تم شراؤهما بمبلغ 4000 روبية والبيت الرابع موقوف لاسرة الخالد وبلغ مجموع تكلفة البناء نحو 16000 روبية. وأشار الى انه بعد الانتهاء من الترتيبات فتحت أول مدرسة نظامية في الكويت أبوابها أمام الطلاب في 22 ديسمبر من عام 1911 حيث سارع أهالي الكويت بتسجيل أبنائهم وقد بلغ عدد الطلاب عند الافتتاح 254 تلميذاً وبعد خمس سنوات بلغ عددهم 341 تلميذاً. وكانت الرسوم الدراسية المفروضة لالتحاق الطلبة بالمدرسة تراعي حالة الطالب المالية فتم تحديد روبيتين للطالب الميسور الحال وواحدة للطالب المتوسط الحال اما الطلبة الفقراء فكانوا يلتحقون بالمدرسة مجانا. وقال بولند انه حسب ما ذكر في كتب تاريخ التعليم في الكويت فإن التدريس فيها اقتصر على القراءة والكتابة والحساب إلى جانب تحفيظ القرآن والتجويد ومادة التفسير والفقه واللغة العربية التي كانت تحتوي على النحو والصرف والانشاء والاملاء والخط وذلك على مدار العام دون انقطاع سوى فترة 15 يوما فقط هي عطلة الربيع وكانت تسمى بالكشتة وحتى العام الدراسي 1936-1937 بعدها تم تغيير المنهج القديم وبدأ التعليم الجديد بمناهج أكثر موضوعية بواسطة أساتذة جلبوا لهذه المهمة من فلسطين. وأضاف ان عدد المدرسين آنذاك كان أربعة فقط هم أحمد شهاب الدين وجابر حديد ومحمد المغربي وخميس نجم الا ان المدرسة كانت تعاني كثرة تسرب الطلبة خاصة في موسم الغوص على اللؤلؤ وذلك لانشغال الطلبة في مساعدة آبائهم. وأشار الى ان أول هيئة تدريسية تولت شؤون المدرسة المباركية وجسدت مهد الحركة التعليمية في الكويت تكونت من الشيخ حافظ وهبة وعبد الملك الصالح المبيض والشيخ محمود الهيتي والشيخ محمد بن نوري والشيخ نجم الدين الهندي والشيخ عبد القادر البغدادي والشيخ عبد العزيز الرشيد وسيد عمر عاصم ويوسف بن حمود. وأوضح انه كان لتلك المدرسة الدور الأكبر في تخريج عدد من أبناء الكويت الذين رسموا طريق العلم والمعرفة في البلاد في ما بعد وقادوا حركة التنوير ومنهم على سبيل المثال لا الحصر طبقا للتسلسل الزمني احمد البشر الرومي واحمد مشاري العدواني وحمد عيسى جاسم الرجيب وعالم الفلك الدكتور صالح العجيري وعبد الله زكريا الأنصاري وعبد الله الأنصاري وفهد العسكر ومحمد مساعد الصالح وامير القلوب الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح وصاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح. وعما آلت اليه المدرسة المباركية ذكر بولند انه في عام 1979 تم نقل تبعيتها الى المجلس الوطني الذي عمل على تطويرها لتكون مقرا للمكتبة المركزية بما تحمله من ذكريات لأجيال الشباب الكويتيين المتعاقبين الذين نهلوا من ينابيع العلم والمعرفة بين جدران هذه المدرسة العريقة وأصبحت المكتبة المركزية في مقرها الجديد تمثل المركز الببلوجرافي الأول داخل البلاد المسؤول عن خدمة وتبادل المعلومات. واضاف انه في 23 يناير من عام 2012 تحولت المدرسة الى متحف لتاريخ التعليم في الكويت يضم مجموعة من الصور التاريخية النادرة حول بداية التعليم في الكويت واخرى للمدرسة المباركية وصورا نادرة للمتبرعين تقديرا لدورهم في انشائها كما انه يسلط الضوء على المرأة الكويتية ومراحل تعليمها بدءا بالمطوعات وصولا إلى انتساب الإناث إلى المدارس النظامية في الكويت موثقا بالصور إضافة إلى استعراضه نشأة الحركة الكشفية ونشأة مجلس المعارف وبدء الحراك الرياضي في المدرسة بمختلف أنشطته. من جانبه استعرض الدكتور صالح العجيري (أحد خريجي المدرسة المباركية) في تصريح لـ(كونا) فكرة انشاء المدرسة طبقا لرواية «ساخر الجنان» الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، لافتاً إلى أن أكبر تبرع كان لابن ابراهيم وهو تاجر كويتي كان يقيم في الهند وتبرع بـ 15 الف روبية وتوالت بعدها التبرعات. وأضاف العجيري انه مع الاسف الشديد تم هدم تلك المدرسة والتي كانت تحفة فنية يحيطها سور وشبابيك بزجاج من ألوان الطيف والأرضية «كاشي» تم جلبه من العراق خصيصا لها والليوان من الحجارة العراقية. وأوضح انه نظرا لقلة الموارد تدنى مستوى التعليم في المباركية وكان ذلك في سنوات القحط بسبب انخفاض سوق اللؤلؤ وانهيار السوق العالمي والعزوف عن شراء الكماليات اضافة الي نجاح اليابان في اللؤلؤ الصناعي وايضا استزراع اللؤلؤ الطبيعي. وذكر ان اهل الكويت تجاوزوا المحنة واستمرت الدراسة بشكل جيد الى عام 1936 عند جلب مدرسين من فلسطين وتغير النظام والدوام في المدرسة وتم جلب الكتب من العراق والشام وسورية وبيروت، لافتا الي ان كل من درس علي أيدي هؤلاء المدرسين كان قدوة صالحة. وأضاف ان الحال استمرت كما هي الى ان جاء البحريني عبد اللطيف الشملان الذي درس في كلية العلوم بالقاهرة واصبح مديراً لدائرة المعارف التي تم استحداثها ولأنه تربي في مصر عمل على جلب مدرسين مصريين وأدخل المناهج والكتب المصرية. وقال العجيري انه «التحق بالمدرسة من الصف الرابع حتى الثاني الثانوي ومع نهاية السنة لم ينجح أحد حتى تم فتح فصول للصف الثالث الثانوي وتم الاكتفاء بما درسناه وتم تعييني مدرسا» لافتا الى ان معظم خريجي المدرسة المباركية اصبحوا وزراء في ما بعد. وأشار الى ان اعمار الطلبة تنوعت في بداية عمل المدرسة بين 6 و15 سنة في الصف الأول الا انه مع جلب المدرسين الفلسطينيين تم استحداث مرحلة التمهيدي قبل الابتدائي. يذكر ان أبرز التبرعات كانت من قاسم الإبراهيم بمبلغ 30000 روبية وشقيقه عبد الرحمن الإبراهيم بمبلغ 20000 روبية وآل الخالد بمبلغ 5000 روبية ومنزل وهلال فجحان المطيري 5000 روبية وشملان بن علي بن سيف 5000 روبية والشيخ يوسف بن عيسى القناعي 50 روبية وأهل الكويت المكتتبين لبناء المدرسة 12500 روبية بإجمالي قدره 77 ألفا و550 روبية.