رغم دخول البلاد في أجواء عطل الأعياد، يبدو المشهد السياسي في لبنان متّجهاً نحو تفاعلات حارّة في ملف الانتخابات الرئاسية، الذي شهد في الأيام الأخيرة جرعات عالية من الحيوية.فقد شكّلت المواقف التي أعلنها رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية في مقابلته التلفزيونية الخميس الماضي، نقطة استقطاب سياسية أساسية، فيما بدأت بعض ردود الفعل عليها ترسم مسالك مثيرة للاهتمام بما يمكن ان يطرأ على خريطة توزيع القوى السياسية.ذلك ان مصادر سياسية معنية أبلغت الى «الراي» ان «مقابلة فرنجية تركت توازناً في الايجابيات والسلبيات يصعب معه الحكم مسبقاً على الاتجاهات التي ستتخذها المعركة الرئاسية بعد مطلع السنة الجديدة».فمن ناحية الايجابيات تقول المصادر ان «فرنجية بدا كأنه نجح في مخاطبة قسم من قواعد (14 آذار) وطَمْأنته الى توجهاته في حال انتخابه. كما ان هذا الأمر لم يقف عند حدود الرأي العام بل تعداه الى النطاق السياسي اذ لمّح الرئيس أمين الجميل في حديث صحافي الى موقف ايجابي من فرنجية، الامر الذي يُظهِر ان (حزب الكتائب) ربما يخالف موقفيْ (التيار الوطني الحر) الذي يتزعمه ميشال عون و(القوات اللبنانية) بقيادة سمير جعجع من ترشيح فرنجية في نهاية الأمر».اما من جهة السلبيات، فان المصادر تعتقد ان «فرنجية ذهب بعيداً في نبرة الانتقاد لعون، الأمر الذي يُعدّ كسراً تاماً للعلاقة السياسية والشخصية بينهما. وهذا الامر سيرتّب تداعيات سلبية على فرنجية في حال طال أمد الاستحقاق ولم تؤد المساعي الناشطة على مستويات مختلفة الى انتخاب رئيس للجمهورية في الأسابيع الأولى من السنة المقبلة. يضاف الى ذلك ان الإشارات التي تصدر عن الأوساط الاعلامية القريبة من (حزب الله) لا توحي بمعطيات تحمل على الاعتقاد بأن الاستحقاق الرئاسي قد اقترب فعلاً من الحسم، وهو ما يبقي القناعة السائدة لدى كثيرين بان (حزب الله) لا يرغب واقعياً حتى الآن بإجراء انتخابات رئاسية ويترك ورقة حليفيه عون والنائب فرنجية تتفاعل الى الوقت الذي يقتنع فيه بضرورة الحسم في الاختيار».وتضيف المصادر المعنية نفسها، ان «بلورة المواقف المسيحية الأساسية من المعركة الرئاسية قد تتضح الى حدود واسعة في الأسبوعيْن المقبليْن لأن تطور الأمور بعد اعلان فرنجية ترشيحه والاستمرار في التحرك الهادف الى توسيع رقعة داعمي خيار زعيم (المردة) سيملي على الزعامات المسيحية اتخاذ مواقفها الواضحة والنهائية في فترة قصيرة». وأشارت في هذا السياق الى معلومات تحدثت عن محاولات لإقناع جعجع بعدم الإقدام على خطوة دعم عون للرئاسة، علماً ان معراب (حيث مقر رئيس «القوات») شهدت اخيراً حركة كثيفة حيث التقى جعجع، أول من أمس، السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري لمدة ساعتين.وفي سياق آخر، تعود حكومة الرئيس تمام سلام الى الانعقاد اليوم، بعد طول غياب امتدّ لنحو اربعة أشهر، لم يجتمع خلالها مجلس الوزراء. وستخصص الجلسة لملف أزمة النفايات التي تجاوزت شهرها الخامس، وسيبحث مجلس الوزراء في تلزيم شركات ترحيل النفايات الى الخارج، وسط توقُّع مصادر وزارية ان يمرّ قرار تصدير النفايات ولو ان وزراء «التيار الوطني الحر» قد يتخذون موقفا متحفّظاً عن تفاصيل خطة التصدير لجهة الكلفة العالية.كما تبرز في أجندة اليوم الجولة الجديدة من الحوار الوطني التي تنعقد في مقر رئيس البرلمان نبيه بري (عين التينة)، في ظل انطباع بأن عون سيغيب مرة جديدة عن الطاولة، وهذه المرة على خلفية انفجار الخلاف بينه وبين فرنجية (احد أعضاء الحوار) وانكشاف تنافُسهما الرئاسي. علماً ان اوساطاً متابعة ترى ان مسألة طرح اسم زعيم «المردة»، الذي يجلس للمرة الاولى على الطاولة «كمرشح أكثر من اي وقت» لن تثار اليوم، اولاً في ضوء تفاعلاتها المستمرة، وثانياً لترك النقاش محصوراً بالعموميات الرئاسية تفادياً لأيّ انزلاق للحوار الى نقاط يمكن ان تشكّل إحراجاً حتى للرئيس بري في ضوء مناخ عدم الارتياح من «حزب الله» لمقاربة حليفه فرنجية المسار الرئاسي.وفي موازاة ذلك، توقفت دوائر سياسية عند مواصلة الرئيس سعد الحريري دعمه «خيار فرنجية»، وهو ما عبّرت عنه مواقف وزير الداخلية نهاد المشنوق خلال احتفال اقيم عصر السبت، لمناسبة ذكرى اغتيال النائب جبران تويني، اذ اعتبر ان خلاصة الإطلالة التلفزيونية لزعيم «المردة» كانت «لنلتقِ معاً في منتصف الطريق، وهو لم يبالغ، لم ينافق، لم يكذب. رشّح نفسه لرئاسة الواقعية السياسية الصادقة. وأنا أقول إن لبنان كان وسيظل دائماً وطن منتصف الطرق. فلا شيء متاح للفوز به أمامنا اليوم، لأي جهة سياسية انتمينا، إلا الفوز بالوطن. يكفي أن نراقب حجم الانهيارات والحرائق حولنا من سورية الى اليمن الى العراق الى ليبيا، فضلاً عن الحرائق المرشحة والكامنة.»واضاف المشنوق: «أعرف أن هذا الكلام غير شعبي ولا يثير التصفيق، لكنه جزء من الواقعية السياسية والجغرافية، فقد استطعنا خلال خمس سنوات أن نحافظ على هذا البلد وتجنيب امتداد الحريق إليه. حافظنا على مبدأ واحد وهو العمل على صيانة لبنان واستقراره وأمن اللبنانيين. يكفي أن ننظر حولنا، لنقول إن الفوز بالوطن هو أهم جائزة نهديها لجبران في ذكراه العاشرة، فلا نذهب الى هدم كل الاعمدة لأننا معترضون على صلاة من يشاركنا الهيكل». وتابع: «انا آت من فريق سياسي في السنوات الثلاثين او الأربعين الماضية، له شهداء مع أهل هذا البيت، آخرهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أو مع الجبهة التي كان ينتمي اليها، ومع جبهة جبران، وجبهات معظم الحلفاء في (14 آذار). ماذا حصل؟ لم نخن شهداءنا بل حفظنا ذكراهم بمحاولة حفظ الوطن الذين ماتوا دفاعاً عنه كل من موقعه».وتطرّق الى «التحالف الإسلامي» ضد الإرهاب الذي اعلنت المملكة العربية السعودية تشكيله، فاعتبر ان هذه المبادرة «تضع اعتدال الدولة في مواجهة التطرف، ديناً ودنيا»، مؤكداً «التزام لبنان بتعريف جامعة الدول العربية، في ميثاقها وقراراتها، للإرهاب لأن الدول العربية تعرف خصوصية لبنان»، ومضيفاً أن دور لبنان في هذه المعركة ليس قليلاً. لا نملك بالطبع القدرات العسكرية التي تملكها جيوش دول كمصر وتركيا، لكننا نملك تلك التجربة النبيلة لتأسيس السلم بين الاديان والمذاهب. نملك تلك القدرة على إنتاج معنى أن يصيغ المختلفون اطراً لعيشهم الواحد كبشر اولا وقبل كل شيء.ورأى ان الاجتماع الذي سيعقد اليوم في دار الفتوى«بدعوة من مفتي معتدلي العرب عبد اللطيف دريان وبحضور مفتيي مصر والأردن، دليل على أن العمل بدأ بمسيرة الشجاعة الفقهية».