يلفّ الضباب الكثيف المشهد الداخلي في لبنان على مشارف نهاية السنة الحالية، بما يصعب معه الى حدودٍ كبيرة رسْم الاتجاهات المحتمَلة للاستحقاق الرئاسي الذي رُحّلت أزمته في شكل رسمي الى الـ 2016 مع تحديد السابع من يناير المقبل موعداً للجلسة رقم 34 لانتخاب رئيس الجمهورية.وبدا الارتباك سيّد الساحة الداخلية وسط ملامح شديدة التناقض حول مصير التنافس الحاد على رئاسة الجمهورية، الذي تَصاعَد بقوة في الشهرين الاخيرين بين الحليفيْن في 8 آذار، زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون وزعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية، اللذين ظهرا وكأن المعركة الحقيقية والنهائية قد حُصرت بينهما.ولكن المفارقة اللافتة تمثلت في أن أوساطاً بارزة في قوى 8 آذار استبقت الإطلالة التلفزيونية للنائب فرنجية ليلاً والتي ذُكر انه سيعلن فيها ترشيحه لرئاسة الجمهورية راسمة علامات استفهام حول اذا كانت خطوة فرنجية ستعني ان قوى 8 آذار تتبناه كمرشح ثانٍ لها، بعد العماد عون، ام انها ستلزم الصمت أسوةً بما حصل بعد لقاء زعيم «المردة» والرئيس السابق للحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري في باريس، قبل اكثر من شهر. وبدا الأمر مرتبطاً تحديداً بموقف «حزب الله» الذي لا يزال يثير الكثير من الالتباس والشك والغموض، اذ لا يفهم كثيرون بعد كيف يمكن لفرنجية ان يمضي في تحركاته الواسعة من خلال لقاءاته المباشرة والزيارات المكوكية التي يقوم بها فريق عمله السياسي، في ما يشبه الحملة الانتخابية المنظّمة، ما لم يكن يحظى ضمناً بغطاء او دعم غير معلن لتحركه كمرشح رئاسي من الحزب.وتبعاً لذلك تقول مصادر مواكبة للاتصالات السياسية الناشطة لـ «الراي» إن الأيام المقبلة، وإن كانت تصادف فترة الأعياد ونهاية السنة، ستتّسم بأهمية بارزة لأنها سترصد مواقف مختلف القوى السياسية من احتمال حصْر التنافس الرئاسي بين العماد عون والنائب فرنجية، مع ما يعنيه ذلك من تَوقُّع مزيدٍ من التداعيات العميقة داخل فريقيْ 8 آذار و14 آذار، لأن مضي زعيم «المردة» في معركته يعكس ايضاً مضي عرّاب ترشيحه الأساسي، اي الرئيس سعد الحريري، في التسوية التي اتفقا عليها في لقاء باريس رغم ما فجّرته في وجه الحريري من تداعيات وخصوصاً على علاقته بحليفه المسيحي الأساسي زعيم «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع. وقالت المصادر «انه ربما يكون مبكّراً القول إن المعركة حُصرت بين عون وفرنجية لان موقف حزب الله لا يزال حمّال أوجه من خلال تَمسُّكه بدعم عون خياراً أساسياً لا حياد عنه».ولكن في انتظار ما يمكن ان يطرأ على جبهة 8 آذار من تطورات في حال أعلن فرنجية ترشيحه رسمياً ونهائياً، فان جبهة 14 آذار تبدو أشدّ اعتمالاً بتداعيات ترشيح فرنجية وما قد يستتبعه. ذلك ان اللقاء الذي جمع الدكتور جعجع وموفديْ الرئيس سعد الحريري نادر الحريري وهاني حمود، اول من امس، لم يبدّد الخلاف العميق حول الملف الرئاسي وترشيح فرنجية تحديداً. واذا كان الفريقان اتفقا على إعلان تمسُّكهما بتحالفهما مهما حصل في موضوع الرئاسة، فان المصادر نفسها أبدت شكوكاً عميقة حول الاتجاهات التي تسلكها علاقة الفريقين بعدما أبرزت الأسابيع الأخيرة عمق الهوة التي نشأت بينهما».حتى ان المصادر تذهب الى رصد الايام المقبلة بدقة في ظل إيحاءاتٍ وتَجدُّد الكلام عن امكان عودة الحريري الى بيروت قريباً، بما قد يعنيه ذلك من اندفاعه نحو إتمام التسوية وتوسيعها. وفي المقابل ثمة مَن لا يُسقِط احتمال العودة الى الجمود والتجميد في انتظار الأسابيع الأولى من الشهر المقبل، باعتبار ان التريث قد يفيد أطرافاً كثيرين في فريقيْ 8 آذار و14 آذار لإعادة اجراء الحسابات «على البارد» بعيداً من ضغوط الإحراج الذي وقع الجميع في حفرته.