دارت قضيّة الإمام موسى الصدر «دورتها» على مدى 37 عاماً منذ ان اختفى في ليبيا في 31 اغسطس 1978 مع رفيقيْه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، ليصبح هنيبعل القذافي، نجل الرئيس الليبي السابق معمّر القذافي، الذي يحمّله لبنان مسؤولية هذه القضية، بحكم «المحتجز» في بيروت على ذمة التحقيق في هذه القضية، بعدما كان خُطف في ظروف ملتبسة لساعات «سُلّم» بعدها الى شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي.ومنذ الكشف عن خطف القذافي، الذي أطلّ في تسجيل فيديو، وآثار الضرب المبرح على وجهه، وهو يعلن ان الجهة الخاطفة تطالب بأدلة ثابتة حول مصير الامام الصدر، معرباً عن تعاطفه مع هذه القضية التي «لها أنصار يريدون معرفة مصير امامهم الذي اختفى ظلماً»، انشغلت الدوائر السياسية والامنية في التحري عن ملابسات وقوع نجل القذافي في الاسْر ثم «تسريحه» في منطقة بعلبك (البقاع)، الى جانب تداعيات وجوده بين أيدي السلطات اللبنانية، علماً ان لا مذكرة توقيف بحقه في بيروت، بل هناك قائمة حمراء صادرة عن «الانتربول» الدولي بحقه بتهمة تهريب أموال.وفي حين أصدر المحقق العدلي في قضية إخفاء الإمام الصدر ورفيقيه/ القاضي زاهر حمادة قراراً بتكليف رئيس شعبة المعلومات إحضار هنيبعل إلى دائرته في قصر العدل في بيروت غداً، وذلك من اجل سماعه في ما يتعلق بالقضية، فإن الأنظار تتجه الى موقف السلطات الرسمية اذا كانت ستسلّمه الى بلاده. علماً ان تقارير كانت كشفت ان هنيبعل وأرملة والده ومَن تبقّى من أفراد العائلة انتقلوا بعد مقتل «العقيد» لفترة الى الجزائر، قبل ان يستقروا في سلطنة عُمان، وأن طرابلس كانت تعتمد سياسة غض النظر عن التهم الموجّهة الى هنيبعل وشقيقته عائشة وعن مذكرتيْ التوقيف الصادرة بحقهما بطلب من الحكومة الليبية عن الشرطة الدولية، إلا إذا خرقا شروط الاتفاق على إيوائهما في مسقط.ورغم مرور نحو 24 ساعة على انكشاف عملية خطْف هنيبعل، المتزوّج من اللبنانية ألين سكاف (له منها 3 أولاد)، لم تُحسم كل خيوط عملية وقوعه في الأسر قبل تسليمه الى الأجهزة اللبنانية، وسط تكتُّم أمني نظراً الى حساسية القضية.إلا ان ما أمكن استجماعه يشير الى ان هنيبعل كان في سورية قبل خطْفه، وان المجموعة الخاطفة استدرجته الى لبنان بواسطة سيّدة، تردّد انها أقنعته بالقدوم لمتابعة قضية شقيقه سيف الإسلام أمام المحكمة الجنائية من لبنان، وما إن وصل الخميس، حتى تم خطفه من مجموعة مسلحة مجهولة الهوية/ قيل إنها سورية، قبل ان يتم إطلاقه مساء الجمعة وتسليمه إلى فرع المعلومات عبر وسيط في منطقة بعلبك، وجرى نقله إلى بيروت لمتابعة ملابسات القضية.وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» اللبنانية الرسمية بأن هنيبعل «خُطف بعد استدراجه من سورية إلى البقاع في قرية قريبة من بعلبك»، مشيرة إلى أن «الخاطفين طالبوا بمعلومات عن الإمام موسى الصدر ورفيقيه». وأضافت ان «فرع المعلومات تسلّم هنيبعل بعدما تركه خاطفوه على طريق بعلبك - حمص الدولية، قرب قرية الجمالية في البقاع الشمالي».وفي السياق نفسه، كشف المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص في تصريح صحافي أنّ فرع المعلومات تلقّى اتّصالاً من شخص ادّعى فيه أنّ مجموعة خطفَت هنيبعل وأنّها تودّ تسليمه الى فرع المعلومات «فتوجّهت قوّة من الفرع الى المكان الذي حدّده الخاطفون في بعلبك فتأكّدت لها هويتُه بعدما عرّف عن نفسه وأقرّ بأنه هنيبعل، فتسَلّمته وتوجّهت به الى مقر المديرية العامة في بيروت حيث يخضع للتحقيق». وأكّد أنّ بقية التفاصيل رهنُ الاستماع الى إفادة هنيبعل.وكانت رواية اشارت الى ان هنيبعل كان في زيارة سرّية إلى منزل زوجته الكائن في منطقة أدما (كسروان)، والثانية ان مَن خطفه مجموعة يقف وراءها النائب السابق حسن يعقوب نجل الشيخ يعقوب الذي اختفى مع الإمام الصدر، إلا ان الاول اكد ان لا علاقة له بما جرى وإن كنا «غير حزينين»، متمنياً ان يعطي ما حصل دفعاً لقضية الإمام المغيب ويُكشف مصيره ورفيقيْه. كما نفى رئيس لجنة الامام الصدر القاضي حسن الشامي ان تكون للجنة أي علاقة أو علم بما حدث.وقال هنيبعل في التسجيل الذي لم يكشف فيه عن مكان وجوده: «أنا موجود عند أناس لديهم قضية وأوفياء لقضيتهم ويجب علينا أن نحترم وفاءهم ونقدم لهم الحقيقة على الأقل»، مضيفاً: «كل من لديه أدلة عن ملف موسى الصدر فليقدمها ويكفي ظلماً ومعاناة»، مؤكداً أنه «في صحة جيدة»، ومطالباً أن يكون كل الناس «أوفياء لقضيتهم كما هؤلاء الأشخاص الأوفياء». وتمنى أن يكون لهذه القضية «صدى»، داعياً كل من يملك معلومات عن قضية الإمام الصدر تقديمها، إذ يكفي ظلماً.ومعلوم ان الطائفة الشيعية في لبنان تحمّل معمر القذافي مسؤولية اختفاء الصدر، الذي شوهد للمرة الاخيرة في ليبيا في 31 اغسطس 1978 بعد ان وصلها بدعوة رسمية في 25 من الشهر نفسه مع رفيقيه، ولكن النظام الليبي السابق دأب على نفي هذه التهمة، مؤكدا ان الثلاثة غادروا طرابلس متوجهين الى ايطاليا.وأصدر القضاء اللبناني مذكرة توقيف في حق معمر القذافي في 2008 بتهمة التحريض على«خطف»الصدر، قبل ان يبدأ محاكمته امام المجلس العدلي بموجب قرار اتهامي طلب له الإعدام.يُذكر ان هنيبعل مولود في 20 سبتمبر 1975، وهو الابن الخامس لمعمر من زوجته صفية فركاش، كان أول شخص يُعيّن في منصب ما سمي في عهد والده«المستشار الأول للجنة إدارة الشركة الوطنية العامة للنقل البحري»، حيث تم تعيينه في هذا المنصب في العام 2007 بعد حصوله على ماجستير في إدارة الأعمال من كوبنهاغن.وخلال«الثورة» الليبية، كان هنيبعل مسؤولاً عسكرياً عن منطقة غريان، قبل أن تسقط بيد المسلحين. ويُعتقد أنه هرب في موكب إلى الجزائر في اغسطس 2011. وفي حينها، أشارت التقارير الصحافية إلى اعتراض موكب فيه أحد أبناء القذافي، ولكنه تمكّن من تخطي الحدود. علماً انه قتل خلال النزاع الليبي ثلاثة من أشقاء هنيبعل هم معتصم وسيف العرب وخميس. اما سيف الاسلام فألقي القبص عليه في نوفمبر 2011 وتتم محاكمته في ليبيا كما هي حال اخيه الساعدي القذافي الذي تسلمته طرابلس من النيجر في مارس 2014.وارتبط اسم هنيبعل بالعديد من الفضائح والمشاكل القانونية في عدد من المدن الأوروبية، وسبق له أن كان وسط تحقيق من الشرطة البريطانية في لندن بعد سماع موظفي فندق فخم في العاصمة البريطانية في الواحدة والنصف صباحاً صراخ امرأة تتعرض للضرب من الجناح الذي يقيم فيه وزوجته والتي تكلف الاقامة فيه 4 آلاف جنيه استرليني في الليلة، حيث منع حراس هنيبعل الشخصيون دخول رجال الشرطة إلى الجناح ليتم اعتقال ثلاثتهم، إلا أن هنيبعل لم يتم اعتقاله بعد أن حضر السفير الليبي في لندن ليبلغ الشرطة البريطانية أن هنيبعل لديه جواز سفر ديبلوماسي.