غرق المشهد السياسي اللبناني في لغطٍ واسعٍ من الغموض والسيناريوات الشديدة التضارُب والتناقُض حيال العقبات التي اصطدمت بها التسوية، التي حملت اسم زعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية مرشّحاً متقدّماً لرئاسة الجمهورية، وامكانات تعويم هذه التسوية من عدمها في ظل الانحسار الكبير لزخمها الذي كانت شهدته في الأيام الأخيرة. وجاء اللقاء الذي جمع الحليفيْن الندّيْن ضمن «تكتل التغيير والاصلاح» نفسه وضمن تحالف 8 آذار اي زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون والنائب فرنجية عصر الاربعاء في منزل عون في الرابية ليزيد المشهد تعقيداَ وغموضاَ في ظل عدم خروج اللقاء عن إطار تذويب بعض «جليد» التوتر الذي نشأ بين الحليفيْن المتنافسيْن بقوّة على منصب رئاسة الجمهورية، منذ اجتمع زعيم «المردة» سراً مع عرّاب ترشيحه الرئيس سعد الحريري في باريس قبل نحو اربعة أسابيع.وإذ صار معلوماً ان كلاً من عون وفرنجية تَمسّك بحيثياتٍ يعتبرها لمصلحة مضيّه في الترشيح من دون ان يبلغا نقطة وسطية تسمح ببدء حوار فعلي حول آفاق المرحلة التالية، قالت مصادر سياسية مواكبة لمأزق التسوية الرئاسية لـ «الراي» ان نتائج لقاء الرابية لم تفاجئ القوى السياسية في تحالفيْ 14 آذار و8 آذار، التي كانت جميعها تدرك انه لن يفضي الى أي تبديل في موقف عون، ولن يدفع فرنجية الى التسليم بسقوط فرصته. ولكن اللقاء شكل نقطة استقطاب للاهتمامات من جانبٍ خلْفي يتعلق بالدعم الاقليمي لكل من مرشحيْ قوى 8 آذار اللذين صارا الآن أمام مرحلة ستحرج جداً المعنيين بهذا التحالف.ولفتت المصادر الى أن الاسابيع السابقة التي أعقبت لقاء الحريري وفرنجية في باريس كانت سمتها البارزة الكبيرة انها اقتحمت بتداعياتها السلبية تحالف 14 آذار بقوّةٍ غير مسبوقة وهزت بخطورة خاصة تحالف تيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية»، الى حدودٍ جعلت الفريقين يضطران اخيراً الى تعميم توجيهات لأنصارهما بالامتناع عن السجالات ومهاجمة قيادات الطرفين على مواقع التواصل الاجتماعي.وفي ظل لقاء الرابية الأخير، انتقل الوجه المتصل بتداعيات ترشيح فرنجية الى أزمة فريق 8 آذار الذي، وإن كان بعض أطرافه يتباهى بان هذا التحالف حقق مكسباً استراتيجياً بترشح اثنين من أقطابه المسيحيين للرئاسة، وتسليم الفريق الآخر بمشروعية ترشحهما بل بمبادرة الرئيس الحريري الى التسوية مع فرنجية، فان ذلك لن يوفر على 8 آذار تداعيات قد تماثل التداعيات التي أصابت خصومها جراء هذا التطور.وتشير المصادر نفسها الى انه في حال عدم إمكان بت مأزق ازدواجية الترشيح في فريق 8 آذار قريباً لمصلحة عون او فرنجية، فان ذلك سيُبرِز الى الواجهة خلاصةً أساسية بدأ تداولها بقوة وهي ان «صمت» حزب الله المتمادي سيعني انه ليس راغباً فعلاً في وضع نهاية قريبة للاستحقاق الرئاسي، وإلا لكان حسم موقفه علناً دعماً لعون كما يتردد، او إقناعاً له بالتنازل لفرنجية مقابل سلّة تفاهمات كبيرة متكاملة تحفظ للتحالف العريض مكاسبه ولا تُخرِج عون الا بالحصة الوازنة منها. لكن الحزب في مضيّه بالصمت يثير التباسات واسعة بدأت تدفع بالكثيرين للتساؤل عما اذا كان سببه بعد اقليمي ايراني لا ينظر بارتياح الى التسوية المطروحة، او ان ايران ليست مستعجلة بعد على توظيف الاستحقاق الرئاسي اللبناني والافراج عنه.وفي هذا السياق تقول المصادر إن من غير الوارد أن يعمد الحريري الى ترشيح فرنجية او اعلان تأييد «تيار المستقبل» لترشيحه قبل تيقنه من ان «حزب الله» حسم وجهة موقفه، اذ ان هذا الموقف يشكل النقطة المركزية أكثر من الرفض المسيحي لترشيح فرنجية في رسم وجهة مبادرة الحريري.وكشفت أن المعطيات الجدية تؤكد أن الحريري يعدّ للعودة القريبة الى بيروت بما يعني أن زعيم «المستقبل» يملك معطيات مختلفة عن تلك التي تتحدث عن سقوط التسوية، وهو امر يجد ترجمةً له في مواقف ديبلوماسية بارزة كان آخرها للقائم بالاعمال الاميركي في بيروت السفير ريتشارد جونز الذي أعلن موقفاً متقدماً ولافتاً في دعوة القوى السياسية الى تسهيل التسوية المطروحة التي وصفها بأنها «منطقية»، موحياً بغطاء داعم من بلاده لها. ومع ذلك يستبعد تماماً حصول تطور مفاجئ آخر ووشيك قبل نهاية السنة الحالية خصوصاً ان تداعيات التطور المفاجئ الاول لا تزال تهدد التسوية برمّتها ما أوجب تبديل آلية تسويق فرنجية انطلاقاً من زيارته الرابية.وكان بارزاً أمس استمرار الزخم في الحركة الديبلوماسية في بيروت التي سجّلت «بورصتها» زيارتان لافتتان قام بهما كل من السفير الروسي الكسندر زاسبكين للعماد عون والسفير جونز للرئيس السابق للجمهورية امين الجميل (من أقطاب 14 آذار) المتحفظ على انتخاب فرنجية.وقد أعلن جونز بعد لقاء الجميّل «ان موقف حزب الكتائب من الاستحقاق الرئاسي موقف مسؤول يقارب الأمور بتأن وبروحية تجمع اللبنانيين»، مؤكداً «اننا ندعم مسار انتخاب الرئيس وعلى اللبنانيين اختيار مَن سيكون رئيسهم والآن هو التوقيت المناسب للاختيار».أما الأبرز على هذا الصعيد فكانت الدعوة التي تلقّاها رئيس البرلمان نبيه بري لزيارة الرياض بناء على دعوة رسمية من رئيس مجلس الشورى السعودي الدكتور عبدالله بن محمد بن ابراهيم آل الشيخ، نقلها السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري، وقد وعد بري بتلبيتها.

أكد قبيل توجّهه إلى مصر: يجب انتخاب رئيس اليوم قبل الغد

الراعي: مبادرة ترشيح فرنجية جدّية وليست صادرة عن فرد

| بيروت - «الراي» |منذ ان خرجت الى العلن، مبادرة الرئيس سعد الحريري، بطرْح اسم رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، شخصت الأنظار الى الكنيسة المارونية، باعتبار انها كانت كرّست بعد بدء «عهد الشغور» في سدة الرئاسة، ما سُمي بـ «الموارنة الأربعة الأقوياء»، وهم كل من الرئيس أمين الجميّل وميشال عون وسمير جعجع، اضافة الى فرنجية.وبعدما فشل البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي حتى الساعة، في جمْع الأقطاب الموارنة في بكركي، للتباحث في الملف الرئاسي، فان البطريرك سيكرر المحاولة الاسبوع المقبل، ولا سيما ان استقبالاته الديبلوماسية في الايام الماضية كرّست واقعا ان ثمة قراراً اقليمياً - دولياً بوجوب إنهاء الفراغ الرئاسي «الآن»، وأن على المسيحيين اذا كانوا يرفضون فرنجية، إما الاتفاق على اسم آخر من بين الثلاثة الأقوياء الآخرين، او على اسم خامس من خارج هذا «النادي»، اذ لم يعد ممكناً بعد مبادرة الحريري القول: «لا لفرنجية» من دون تقديم بديل «قابل للحياة».وعبّر الراعي أمس، قبيل توجّهه الى القاهرة، في زيارة رسمية ورعوية تستمر أياماً عدة، يلتقي خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي، عن رؤيته للملف الرئاسي، اذ اعلن، في اشارة الى مبادرة طرح اسم فرنجية: «المبادرة جدية، وليست صادرة عن فرد - كما أعلم - ولذلك على كل اللبنانيين ان يتطلعوا اليها وأن يلتقوا ويقرروا معاً، ويصبح القرار وطنياً بكل ما للكلمة من معنى، وأن يكون القرار شاملاً، وهذا ما دعونا اليه وندعو اليه باستمرار، ولكن المهم هو ان المبادرة جدية، وعلى اللبنانيين الاستفادة منها واتخاذها بجدية».وعن لقائه القائم بالاعمال الأميركي ريتشارد جونز والنائب إبراهيم كنعان موفداً من عون، قال: «كل شيء يصبّ في ضرورة اتخاذ المبادرة بجدّيتها والتشاور بين الكتل النيابية والسياسية كي يكون القرار شاملاً، لأن الرئيس الذي يأتي ولا يكون مدعوماً من الجميع لن يستطيع أن يحكم، ومن هنا أؤيد التوافق بين الجميع».وعن العوائق التي تحول دون لقاء أقطاب الموارنة الأربعة تحت سقف بكركي حتى الآن، ذكر: «دعوت، ولكن لم يكن هناك متّسع من الوقت للقادة، وأعتقد اننا نستطيع أن نلتقي الأسبوع المقبل، بعد عودتي من مصر»، مكرراً: «يجب انتخاب رئيس، اليوم قبل الغد».