بين ليلة وضحاها تحول أندريه شوبرت من مدرب مغمور يعيش في الظل الى حديث الساعة في الكرة الألمانية، يتصدّر واجهة أحداثها بعد ان حقق طفرة مميزة أشبه بالمعجزة في فريق بوروسيا مونشنغلادباخ العريق، فأعاد اليه بعضاً من كبريائه الذي تميز به في فترة السبعينيات من القرن الماضي، وأخذ بيده منتشلاً إياه من قعر الترتيب الذي تخبط به بعد المراحل الخمس الأولى من الدوري، الى منافس عنيد على مقعد في دوري أبطال أوروبا، ولما لا على لقب الـ «بوند سليغا».لقد تسلّم شوبرت فريقاً متهالكاً ويائساً، متجرّعاً خمس هزائم متتالية، وهذا ما يحدث للمرة الأولى في تاريخ النادي، وضعته في أسفل الدوري، دفعت بالمدرب السابق السويسري لوسيان فافر الى رفع «الراية البيضاء» في 20 سبتمبر 2015، بعد ان تولى المهمّة منذ عام 2011، ليعد فافر أول مدرب يتخلى عن منصبه في الدوري هذا الموسم.وقال فافر إنه استمتع «بفترة لا تنسى» في النادي الذي تولى مسؤوليته وهو في المركز الأخير في فبراير عام 2011، فأنقذه من الهبوط وقاده الى مراكز متقدمة في الدوري، وتوّج جهوده بالحصول على المركز الرابع في عام 2012، ثم قاده الى المركز الثالث في الموسم الماضي.وتتشابه حالة شوبرت مع فافري في تسلّم كل منهما الفريق، وهو في وضع لا يحسد عليه، وكما نجح السويسري مع «المهور» وهو لقب مونشنغلادباخ، يبدو ان شوبرت يسير على الطريق نفسه، فالمدرب الذي عيّن في 21 سبمتبر الماضي مدرباً موقتاً استطاع في ظرف شهرين ان يزرع الروح في نفوس اللاعبين وينثر الفرح بين صفوف الجماهير في ملعب «بوروسيا بارك»، كافأه النادي بتعيينه مدرباً أصيلاً في 13 نوفمبر. وعلّق المدير الرياضي في مونشنغلادباخ ماكس ايبرل على هذا القرار قائلاً: «نعتقد أن بإمكاننا الحصول على قوة دفع من خلال وجود هذا الرجل في المنطقة الفنية».حتى ما قبل استقالة فافري، لم يكن احد ينطق باسم شوبرت، فمن هو هذا المدرب الشاب الذي كان لاعباً مغموراً ثم مدرباً من الصف الثاني، إلى ان شغل الشارع الرياضي الألماني أخيراً؟ولد شوبرت في 24 يوليو عام 1971، درس التربية البدنية في جامعة كاسل الألمانية، ولعب مع فرق مغمورة هي روثوستن ولوشمابن من 1995 الى 1997، وفولفسانغر من 1997 الى 1999، وفلمار من 1999 الى 2000، وبعدها عمل مدرباً لفريق للشباب في بوناتال حيث كان يلعب.وبين عامي 2002 و2006 كان منسق الاتحاد الماني في شمال هيس، وفي عام 2004 أكمل تعليمه كمدرب. وعمل أيضاً مساعداً للمدرب برند ستوبر في منتخبات ألمانيا تحت 15 و16 و17 عاماً.وفي مارس 2006 تولى تدريب بادربون، وكان أبرز انجازاته الصعود بالفريق إلى دوري الدرجة الثانية.وتعاقد سانت باولي مع شوبرت في 4 مايو 2011، لكنه أقيل في 26 سبتمبر 2012 قبل انتهاء عقده الممتد لعامين، بعد الفوز في مباراة واحدة من أصل 7، انتقل بعدها الى تدريب قطاع الناشئين في مونشنغلادباخ.ومع انقضاء مراحل الدوري الألماني، ومواصلة بايرن ميونيخ زحفه نحو الاحتفاظ باللقب موسماً رابعاً متتالياً، والاتجاه الى حسم الأمور مبكراً، بعد الإطاحة بمنافسيه المباشرين بورسيا دورتموند وفولفسبورغ، أعاد مونشنغلادباخ «خلط الأوراق» من جديد بعد ان ألحق الخسارة الأولى بـ «البافاري» هذا الموسم 3-1 السبت الماضي، مستفيداً من الضغط بجميع خطوطه على فريق الإسباني جوسيب غوارديولا لإبطال مفعول مصادر قوته، ثم انقض عليه في الشوط الثاني ودفعه لارتكاب الأخطاء وحسم الفوز الكبير، ليؤكد الفريق «الأخضر» تفوقه على أرضه على الفريق «الأحمر».فوفقاً لإحصائية، فاز مونشنغلادباخ على بايرن ميونيخ 18 مرة، مقابل 19 تعادلاً و10 هزائم. كما أن الأول هو الفريق الذي سجل أكبر عدد من الأهداف في مرمى الثاني على ملعبه بـ 76 هدفاً. كما أن مونشنغلادباخ هو الفريق الوحيد الذي لم يخسر أمام البطل في الموسم الماضي، حيث انتهت مباراة الذهاب في مونشنغلادباخ بالتعادل سلباً، فيما فاز 2-0 إياباً.وبفوزه المذهل على بايرن في المرحلة الـ 15، بقي سجل مونشنغلادباخ نظيفاً من الخسارة للمرة العاشرة توالياً بإشراف شوبرت، حيث فاز في 8 وتعادل في 2، رافعا رصيده الى 26 نقطة في المركز الثالث المؤهل مباشرة إلى دوري أبطال أوروبا، بفارق 14 نقطة عن بايرن ميونيخ المتصدر و9 نقاط عن دورتموند الثاني. ونشر الموقع الرسمي للدوري الألماني احصائية لشوبيرت منذ اشرافه على الفريق، تفيد بأنه حقق 26 نقطة و29 هدفاً خلال فترة عهده، وهذه الحصيلة تعتبر هي الأفضل مقارنة مع المدربين الذين سبق أن تولوا المهمّة في «بوروسيا بارك».ونجاح شوبرت في الدوري حمله الى كأس ألمانيا، فقاد الفريق الى الفوز على مضيفه شالكه 2-صفر وتأهل الى دور الـ 16، حيث تنتظره مباراة سهلة امام فيردر بريمن في 15 الجاري، بحثا عن مقعد في الدور ربع النهائي. علما ان الفريق الشمالي «الجريح» فاز على مونشنغلادباخ 2-1 في المرحلة الثالثة من الدوري في 30 أغسطس الماضي.ويحسب لشوبرت انه تمكن بفضل قراءته الجيدة للفريق المنافس وحماسه وزرع الثقة في لاعبيه وتعامله العاطفي معهم على طريقة تشبه الى حد ما ينتهجه مواطنه يورغن كلوب خلال فترة تواجده على رأس الإدارة الفنية لدورتموند قبل الانتقال الى ليفربول الإنكليزي، من تجاوز البداية المخيّبة لآمال مونشنغلادباخ، والتي تعود إلى غياب لاعبين مهمين في الدفاع هما مارتين شترانسل وألفارو دومينغيز للإصابة. وهو الأمر الذي أحدث فراغاً لم يستطع المدافعان الواعدان مارفين شولتس وأوسكار فيندت من التغلب عليه لقلة خبرتهما.كما احتاج المهاجم السويسري يوزيب دريميش القادم من باير ليفركوزن، الى فترة للتأقلم، وتعويض انتقال ماكس كروزه إلى فولفسبورغ، فيما بدا البرازيلي رافاييل الموسم بعيداً عن مستواه قبل ان يعود الى «الفورمة»، في حين يغيب أندري هان، الذي لم يسترد لياقته بسبب الإصابة. بينما عانى خط الوسط من غياب كريستوف كرامر العائد إلى فريقه باير ليفركوزن، ليفقد مونشنغلادباخ صمام الأمان الذي كان يمنح، إلى جانب السويسري غرانيت تشاكا، الاستقرار في خط الوسط الدفاعي، إضافة الى ابتعاد «الموهوب» باتريك هيرمان عن الملاعب منذ فترة طويلة للاصابة، ولن يعود قبل ثلاثة أشهر على الأقل. ولكن في المقابل برز الألماني من أصل سوري الشاب محمود داوود ورسخ أقدامه في التشكيلة الأساسية. ولم تتوقف تطلعات شوبرت محلياً، فالمدرب الشاب يطمح الى استمرار الفريق في المنافسة على المقعد المؤهل الى «يوروبا ليغ»، حيث تنتظره مواجهة صعبة مع مضيفه مانشستر سيتي الإنكليزي اليوم، في الجولة السادسة الاخيرة من المجموعة الرابعة ضمن دوري الأبطال، والثأر لخسارته 1-2، وهي الوحيدة له منذ إشرافه على الفريق، حيث حقق تعادلين مع يوفنتوس الإيطالي وفاز على اشبيلية الإسباني 4-2 علما ان الأخير ينافسه على التأهل الى الدوري الأوروبي.هل يكتب لشوبرت متابعة تفوقه والانتقال الى «يوروبا ليغ» التي توّج مونشنغلادباخ بلقبها مرتين تحت مسمى كأس الاتحاد الأوروبي عامي 1975 و1979 أم يتبخر الحلم ويترحل الى الموسم المقبل حيث من المرجح ان يعود الى المسابقة الأم؟
رياضة - رياضة أجنبية
أندريه شوبرت ... «المدرب المعجزة»
05:04 ص