طرحت سرعة توجيه الاتهامات إلى فلسطينيين من أبناء المخيمات في لبنان بعد التفجير الإرهابي الذي ضرب محلّة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت في الثاني عشر من نوفمبر الماضي، والذي أدى إلى سقوط نحو أربعين ضحية وأكثر من مئتي جريح وتبنّاه تنظيم «داعش»، تساؤلات حول إذا كانت المخيمات بيئة حاضنة للإرهاب و«الجماعات التكفيرية» حتى باتت «مُتهَمة» قبل انقشاع الغبار وبدء التحقيقات الرسمية.صحيح أن المخيمات الفلسطينية، وتحديداً «برج البراجنة» الملاصق للضاحية الجنوبية تجاوزت قطوعاً أمنية خطيرة عقب التفجير الانتحاري المزدوج، إذ أريد بزج اسمين من الفلسطينيين إيقاع الفتنة بين المخيمات وجوارها اللبناني وبين السنّة والشيعة، بعدما تبيّن أن الانتحارييْن هما السوريان عماد غياث وعامر الفريج، ولكن ما زال اتهام المخيمات جاهزاً «مع وقف التنفيذ» لأنه مبني على تقديرات أمنية نتيجة عدم بسط الدولة اللبنانية سلطتها عليها، مقابل ضعف القوى الفلسطينية في ضبط الأمن والاستقرار ومنْع الإسلاميين المتشددين من التوغل فيها، وإن كانت هذه القوى نجحت في تضييق الخناق على هؤلاء في المرحلة الأخيرة في أعقاب نشر «القوة الأمنية المشتركة» والاشتباكات التي شهدها مخيم عين الحلوة بعد اغتيال قائد كتيبة شهداء شاتيلا العميد كلال بلاونة (الأردني).وتؤكد مصادر فلسطينية لـ«الراي» أن اتهام المخيمات ليس بالأمر الجديد وهو بدأ مع التغيّر الأيديولوجي الذي شهدته انطلاقاً من عين الحلوة الذي يمثل مركز وثقل القرار الفلسطيني، وضعف حركة «فتح» بسبب الخلافات والانشقاقات، وتوقيع اتفاق أوسلو وحصارها من النفوذ السوري، واعتقال وتقييد لحركة مسؤوليها انتقاماً من التفرد في التسوية، وتشكيل«تحالف القوى الفلسطينية»، ثم بروز نجم «عصبة الأنصار الإسلامية» التي أسسها الشيخ شريدي في منتصف التسعينات من القرن الماضي بعد اغتيال رئيس جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية ـ الاحباش في لبنان الشيخ نزار الحلبي، وتوارى أميرها أحمد عبد الكريم السعدي (أبو محجن)، مضيفة: «قويت شوكة الإسلاميين مع نفوذ (الحركة الاسلامية المجاهدة) التي يترأسها الشيخ جمال خطاب، تزامناً مع بروز نجم حركة (حماس) على ساحة المخيمات، مستفيدة من انتصار مقاومتها في فلسطين».ومع انفتاح «القوى الإسلامية» ودخولها المعترك السياسي العام والانخراط في لجنة المتابعة التي تُعنى بشؤون مخيم عين الحلوة السياسية والأمنية والاجتماعية ومدّ جسور التواصل مع القوى الأمنية والسياسية الوطنية والإسلامية اللبنانية، ظهرت مجموعات إسلامية متشددة تعترض على ذلك، وانشقت عن «العصبة» وشكلت أطراً لمجموعات محدودة بدءاً بالمسؤول العسكري عماد ياسين، مروراً بنجل مؤسس «العصبة» عبد الله شريدي الذي اغتيل على يد «فتح»، فخرج من رحمها قيصرياً «عصبة النور»، ثم «جند الشام» التي تلاقت مع حركة «فتح الإسلام» في الشمال في معركتها ضد الجيش اللبناني صيف العام 2007، وكلها أسماء لحركات إسلامية متشددة أرادت عدم الانفتاح والتزام التشدد معياراً للتعامل مع كافة القضايا السياسية والأمنية والحياتية، لتبلغ الذروة مع الحرب في سورية وبروز «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» حيث غادر المخيم العشرات للقتال إلى جانبهما قبل عودة الكثير منهم ومقتل آخرين.ووفق مصادر فلسطينية، فإن كل الأطراف الفلسطينية لم تعترف بهذه المجموعات المتشددة رسمياً وهي لم تدخل الأطر السياسية والأمنية الفلسطينية ولا تُدعى إلى الاجتماعات ويتم التواصل معها بواسطة «القوى الإسلامية»، التي نجحت في تغيير صورتها من «مطلوبة» للعدالة اللبنانية إلى «معتدلة» اليوم و«منفتحة» أمام هؤلاء المتشددين الذين لا يتجاوز عددهم المئتين في أحسن الأحوال.وتؤكد مصادر فلسطينية لـ «الراي»، أن كل هذه الاتهامات تبقى مجرد «شكوك» و«مخاوف أمنية»، اذ لم يثبت في كل التفجيرات التي استهدفت الضاحية الجنوبية والسفارة الإيرانية والهرمل (البقاع) وجبل محسن (الشمال)، سواء بالسيارات المفخخة أو الانتحاريين أن أي فلسطيني متورط بها من أبناء المخيمات.وفي المقابل، يؤكد أمين سر حركة «فتح» في لبنان فتحي أبو العردات لـ «الراي» أن «هناك قراراً فلسطينياً موحداً وحازماً رسمياً وسياسياً بعدم التدخل في الشؤون اللبنانية، وعدم التورط بالأحداث السورية، وتجنيب المخيمات التداعيات السلبية لذلك»، موضحاً «أن الفصائل الفلسطينية في المخيمات تسعى بشكل حثيث للمحافظة على أمنها واستقرارها بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية».وإذ شدد على «أن الأمن والاستقرار في المخيمات وفي لبنان خط أحمر بالنسبة لنا»، جدد تأكيد «أن أياً من المخيمات لا سيما مخيم عين الحلوة ليس ملجأ للإرهابيين وليس بيئة حاضنة للإرهاب، وأهله يرفضون المساس بالاستقرار»، داعياً إلى «اليقظة والحذر وتفويت الفرصة على المصطادين لضرب الأمن والاستقرار في لبنان والمخيمات الفلسطينية على حد سواء وتوتير العلاقات الثنائية بين الشعبين»، ومؤكداً «أن المخيمات الفلسطينية لن تكون ممراً أو مستقراً لاستهداف الأمن اللبناني وستبقى البوصلة نحو فلسطين وحدها».وفي موازاة ذلك، يعتبر نائب المسؤول السياسي لحركة «حماس» في لبنان الدكتور أحمد عبد الهادي «أبو ياسر» في حديث لـ «الراي» أن المخميات الفلسطينية «ليست بيئة حاضنة للإرهاب، بل هناك مخطط دولي وإقليمي لتوريط الفلسطيني في فتنة (سنية - شيعية) في لبنان، وهم لذلك يحرصون على توريط الفلسطيني لتنفيذ هذا المخطط، باعتبار أن الجانب السني اللبناني ليس قادراً على أن يكون رأس حربة في هذه الفتنة، فيعملون على تجنيد واستقطاب عدد من الشبان الفلسطينيين»، مشيراً إلى «أن هنا الفارق المهم بين التجنيد والاستقطاب وبين عدم وجود فكر متطرف ينطلق ضد الجوار اللبناني ويقع في الفتنة، وحتى الآن لم يشارك أي فلسطيني في المخيمات في أي تفجير انتحاري، وبالتالي لا يمكن اعتبار أن المخيمات بيئة حاضنة للإرهاب، وإذا وُجد بعض الأشخاص هنا أو هناك، فإن الحال مثل أي منطقة لبنانية بل مثل ما جرى في بعض الدول الغربية وآخرها فرنسا، فهؤلاء يعملون بطريقة أمنية لان ليس لهم بيئة حاضنة».واعتبر عبد الهادي أنه «إضافة إلى هذا المخطط، فهناك جهود دولية إسرائيلية لتصفية قضية اللاجئين وحق العودة من بوابة المخيمات»، لافتاً إلى «أن إسرائيل تعمل عبر عملاء لتوريط المخيمات في الأحداث لتفجير هذه المخيمات وإلغاء حق العودة من أجل دفع أشقائنا اللبنانيين بشكل عام إلى اتخاذ خطوات ضد المخيمات مثلما حصل في نهر البارد، ولكننا نؤكد أن المخيمات سيبقى عنوانها فلسطينياً حتى العودة».من جهته، أكد قائد «القوة الأمنية المشتركة» في لبنان اللواء منير المقدح لـ «الراي» أن المخيمات ليست بيئة حاضنة للإرهاب ولا لـ «الجماعات التكفيرية»، معتبراً «أن توجيه الاتهامات إليها بعد تفجير (برج البراجنة) الإرهابي جاء على خلفية زج تنظيم (داعش) أسماء فلسطينيين على أنهم منفذو الهجوم الانتحاري، وقد تبين لنا أن الاسمين اللذين تم تُداولهما يعودان لشخصين قُتلا في سورية قبل عامين وأن الهدف مما جرى إيقاع الفتنة بين المخيمات والجوار اللبناني، علما أنه استشهد في التفجير ذاته أربعة فلسطينيين بين مقيم في المنطقة وفي المخيم الملاصق».واعتبر المقدح «أن هذا الحادث يضعنا مجدداً أمام مسؤولية كبيرة في تحصين أمن واستقرار المخيمات والجوار اللبناني لا سيما تلك القريبة من المحيط الشيعي، إضافة إلى تعزيز العلاقة الثنائية بين الطرفين اللبناني والفلسطيني على مختلف المستويات الرسمية والسياسية والشعبية والأمنية بهدف قطع الطريق على أي محاولة لاحقاً لإيقاع الفتنة»، مشيراً إلى أنه «حتى لو تورط أحد الفلسطينيين في عمل إرهابي ما، فإن من الظلم بمكان اتهام المخيمات كلها»، كاشفاً عن «لقاءات جرت مع قيادة (حزب الله) من أجل التعاون في تحصين الأمن والاستقرار في منطقة برج البراجنة، فيما جرى نشر القوة الأمنية المشتركة في المخيم لمنع تحويله ممراً أو مستقراً لأي إرهابي يريد النيل من الأمن الوطني اللبناني».وما لم يقله المقدح، كشفته مصادر مسؤولة تحدثت عن توافق فلسطيني لبناني على إعادة إحياء وتفعيل «اللجنة الرباعية» التي تضم ممثلين لـ «حزب الله» وحركة «أمل» والقوى والفصائل الفلسطينية في لبنان مع طرح إمكان أن ينضم إليها ممثل لتيار «المستقبل» لمواكبة أي طارئ وذلك على خلفية ما رافق تفجير «برج البراجنة» من انكشاف «نيات فتنوية»، مؤكدة في الوقت نفسه أن القوى والفصائل الفلسطينية في لبنان اتفقت على اتخاذ إجراءات ميدانية جديدة داخل المخيمات لمراقبة حركة النازحين الفلسطينيين أو السوريين الوافدين إليها لا سيما في ما يتعلق بموضوع استئجار المنازل، ما يساهم في ضبط أي حركة مشبوهة تحاول النيل من استقرار المخيمات والجوار اللبناني»، موضحة أنها «طلبت من (اللجان الشعبية) و(لجنة النازحين الفلسطينيين من سورية إلى لبنان) إجراء مسح وإعداد كشف تفصلي بأسماء الموجودين داخل المخيمات ومنطقتها على غرار ما فعلت بعض البلديات اللبنانية إبان التفجيرات الأمنية السابقة».وأشارت المصادر نفسها إلى «أن مثل هذه الإجراءات يمكن أن تترجم عملياً الموقف السياسي الفلسطيني الموحد بأن المخيمات الفلسطينة لن تكون ممراً أو مستقراً لاستهداف الأمن اللبناني أو أن تتحول بيئة حاضنة للإرهاب، وتكون القوى قد قامت بما يتوجب عليها من مسؤولية وفق ما دعا إليه الأمين العام لـ(حزب الله) السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير بعد تفجير البرج».
متفرقات - قضايا
تفجير «برج البراجنة» و«اتهامها الجاهز» كشفا مخططاً لتفجيرها وتوريطها في الفتنة
المخيمات الفلسطينية في لبنان ... هل باتت بيئة حاضنة للإرهاب؟!
02:02 ص