تسير التسوية الرئاسية في لبنان بـ «سرعتيْن» غير متوازيتيْن، الأولى خارجية وتستعجل انتخاب زعيم «المردة» النائب سليمان فرنجية رئيساً، والثانية داخلية لا سيما من الأفرقاء المسيحيين الوازنين تحاول «فرْملة«قطار»التسوية، ولمَ لا منْعه من بلوغ وجهته النهائية.وبات واضحاً في بيروت ان ثمة«قراراً كبيراً»خارجياً بوجوب سدّ ثغرة الفراغ في الرئاسة الأولى المستمرّ منذ 25 مايو 2014 وذلك في أقرب وقت لاعتبارات دولية تتّصل بالوقائع المتدحرجة المحيطة بالأزمة السورية وآفاقها كما بتقاطُع المصالح الاقليمية لا سيما السعودية - الايرانية على اختبار«تعايش»جديد بين نفوذهما في لبنان«على البارد»بانتظار انقشاع الرؤية في«ساحات الاشتباك»في المنطقة.وفي مقابل«الطبَقة الخارجية»للتسوية الرئاسية والتي تجعل هذا الاستحقاق بمثابة واحدة من«القطع»في«البازل»الاقليمي الذي يرتسم من قلب«ملاعب النار»المفتوحة في أكثر من ساحة، فان«الطبقة الداخلية»لهذا الملف والتي تُظهر«ممانعة»مسيحية من كل من العماد ميشال والدكتور سمير جعجع والنائب سامي الجميّل، كلٌّ لاعتباراته، تبدو محكومة بالمعطى الجديد الذي شكّلته مبادرة الرئيس سعد الحريري بطرْح خيار فرنجية. ذلك ان القوى المسيحية باتت أمام معادلة عدم امكان الاستمرار في لعبة الانتظار الرئاسية التي كانت قائمة، أي ترْك هذا الملف رهينةً حتى يقتنع عون بسحب ترشيحه او تتبلور حرب النفوذ في المنطقة بما يفرز رئيساً يجسدّ نتائجها (من خارج 8 و 14 آذار)، بل ان«الضوء الأخضر»غير المسبوق دولياً للإفراج عن«الرئاسية»صار يحتّم على هذه القوى إما التوافق على مرشح من«الأقوياء الاربعة»وفق تصنيف الكنيسة (عون، جعجع، فرنجية او الرئيس امين الجميل) وإما من خارجهم.وترى أوساط سياسية واسعة الإطلاع، أنه بحيال صعوبة سير المسيحيين«الأقوياء»الثلاثة حتى الساعة بفرنجية، فإن أيّ«معجزة»قد تحصل لجهة اتفاقهم إما على عون وإما على مرشح من خارج هذا«النادي»، يمكن ألا تضمن إمرار الاستحقاق، باعتبار ان اختيار زعيم«المردة»في الاساس تمّ لمجموعة عوامل أبرزها انه الوحيد الذي يمكن من خلاله إزاحة عون كمرشّح وإحراج«حزب الله»الذي كان يمتْرس خلف«الجنرال»لتعطيل الاستحقاق الرئاسي، ذلك أن فرنجية هو بمثابة«هدية لا يمكن رفضها». ناهيك عن الحسابات المتصلة بـ«فوائد»وجود رئيس من 8 آذار وثيق الصلة بالنظام السوري و«حزب الله»لجهة إعطاء تطمينات الى الحزب كما الى المكوّن العلوي في«سورية ما بعد الأسد»، ما يساهم في توفير«بوليصة تأمين»للواقع اللبناني حيال تداعيات الأزمة السورية.على ان هذه الأوساط تعتبر ان من غير الواقعية بمكان ايضاً الاستخفاف بـ«الفيتو»المسيحي على فرنجيّة والذي من شأن إدارة الظهر بالكامل له جعل انتخاب رئيس«المردة»مشروع مشكلة في لبنان عوض ان يكون مشروع حلّ، من دون إغفال التداعيات المحتملة لذلك على التحالفات داخل كل من فريقيْ 8 و 14 آذار وتالياً على التوازنات السياسية في العهد الجديد والتي تبقى«الضامن»الفعلي لتوزُّع كعكة السلطة لا سيما على مستوى رئاسة الحكومة وتركيبتها والبرلمان.ومن هنا تشير الأوساط الى ان الايام القليلة المقبلة ستشهد تكثيفاً للاتصالات في محاولة لتكييف الواقع اللبناني مع موجبات السير بفرنجية الذي بات«النصاب»الدولي - الاقليمي لانتخابه متوافراً، والسعي الى كسْر وحدة«جبهة الممانعة»المسيحية، وسط انطباعات بأن التقديرات التي لا تستبعد ان يقوم جعجع بالسير بعون مرشحاً بوجه فرنجية دونها صعوبات تتصل بأن«معيار»المشروع السياسي الذي اعتمدته«القوات اللبنانية»للتحفظ حتى الساعة عن زعيم«المردة»ينطبق نفسه على زعيم«التيار الوطني الحر»، ناهيك عن حسابات أخرى تتصل بمدى رغبة جعجع في القيام بأي خطوة من شأنها هدم«الجسر المتين»الذي يربطه بالمملكة العربية السعودية.وتتوقّع دوائر سياسية ان تعطي العودة المرتقبة للرئيس الحريري الى بيروت الاسبوع الطالع زخماً للمشاورات الداخلية، وسط توقعات بأن يعمد الأخير مع وصوله الى لبنان الى إعلان ترشيح فرنجية بالتزامن مع إطلالة تلفزيونية يوضح فيها«حيثيات»هذا الخيار الذي يواجه مزاجاً سنياً شعبياً غير داعم له. علماً ان رئيس«المستقبل»يفترض ان يكون استكمل امس واليوم لقاءاته مع شخصيات في«14 آذار»ومن تياره، في ظل معلومات عن ان وزير العدل اللواء أشرف ريفي (أبرز المعترضين على وصول فرنجية من فريق الحريري) والنائب أحمد فتفت هما على جدول هذه اللقاءات.وتترافق حركة الحريري في السعودية، التي كانت باركت مبادرته بطرح خيار فرنجية، مع تركيز على ان ضياع فرصة فرنجية قد يضع البلاد في«فم المجهول»، وهو ما عبّر عه بوضوح الامين العام لـ«تيار المستقبل»احمد الحريري الذي نُقل عنه انه«في حال فشلت المبادرة في الوصول إلى التسوية واستمر الفراغ لعدة اشهرمقبلة، فلن ينتخب رئيس للجمهورية على نار باردة، بل سيُنتخب بالدماء».وبإزاء ما أثاره هذا الكلام من لغط، أوضحت منسقية الإعلام في تيار«المستقبل»ان«بعض وسائل الاعلام وزّع كلاماً مجتزأً للامين العام للتيار»، موضحة «ان كلام أحمد الحريري جاء في سياق تأكيد أن احترام المهل الدستورية وانتخاب رئيس جديد للجمهورية هو الكفيل بإبقاء ضمانة الدولة للجميع، وأن أي تأخير في هذا الاستحقاق، كما حصل في السابق، يعني دخول لبنان في المجهول».