أثارت حادثة إسقاط الطائرة الروسية سوخوي على يد المقاتلات التركية، ضجة عنيفة وردود أفعال واسعة على مستوى العالم أجمع، تنوعت من خلالها الآراء بين مؤيد ومعارض ومتعاطف ومتحمس، لوقوف دولة تركيا الإسلامية في وجه الدب الروسي الداعم للأسد وحرصها على حماية أراضيها وحدودها، وبين مستنكر وشاجب للموقف التركي، الذي يراه البعض أنه تواطؤ غير مباشر مع «داعش» والإرهاب!وبُعيد الحادثة، تقاذف قادة الدولتين التهم والتهديدات والوعيد تجاه بعضهم الآخر، لتشمل كافة النواحي السياسية والاستراتيجية والاقتصادية والسياحية وغيرها من المجالات المختلفة. ولكن يبقى السؤال المهم، من سيكون الخاسر الأكبر في حال نُفذت هذه الوعود، التي لم تتعدَ مبدئياً مجال الإعلام؟، أو بمعنى أكثر صراحة (باب الدعاية السياسية) لكسب التعاطف!لقد شهدت العلاقات التركية ـ الروسية تذبذباً كبيراً منذ خمسة قرون مضت، إلا أن تحسناً ملحوظاً تلمسه الكثير خلال العقدين الاخرين، توقع معها الرئيس التركي أردوغان أن يزداد حجم التبادل التجاري بين البلدين في العام 2023 إلى أكثر من مئة مليار دولار، وأن يكون البلدان شريكين اقتصاديين قويين، خاصة بعد العقوبات الأوروبية الأخيرة على روسيا، وعدم دخول تركيا بعد إلى منظومة دول الاتحاد الأوروبي. مع الأخذ بعين الاعتبار أن حجم التبادل التجاري الحالي يصل إلى أكثر من 34 مليار دولار بين البلدين، وأن تركيا تعتبرسابع شريك تجاري لروسيا حالياً وثاني أكبر سوق للتصدير.وتعتبر روسيا المورد الرئيسي للغاز الطبيعي إلى تركيا، حيث تعتمد تركيا على نحو 50 في المئة من استخدامها للغاز المستورد من روسيا، كما أن تركيا تستورد أكثر من 12 في المئة من احتياجاتها من النفط ومنتجاته من روسيا. وإن كانت البدائل المتوافرة لدى تركيا من الغاز والنفط عديدة، إلا أن التعقيدات السياسية والعلاقات المتشابكة في المنطقة، قد يجعل هذه المنتجات أكثر تكلفة على تركيا وأكثر إضراراً على اقتصادها!كما اتفقت روسيا على إنشاء أول محطة نووية في تركيا تحت مسمى (أك كويو) لإنتاج الكهرباء بتكلفة تفوق العشرين مليار دولار والتي تم وضع حجر أساس بنائها في أبريل من العام الحالي، ومن المتوقع أن تصبح تركيا بفضل هذا المشروع بعد إنجازه، ثاني أكبر دول العالم إنتاجا للطاقة الكهربائية بعد الصين!إضافة إلى ذلك، فإن البلدين مقبلان على مشروع ضخم سيُعرف باسم مشروع (السيل التركي)، سيتم بموجبه نقل الغاز الروسي إلى تركيا عبر أربعة خطوط ضخمة، ثلاثة منها سينتهي عند الحدود التركية ـ اليونانية، حيث من المتوقع إنشاء مستودعات لتخزينه تلبية لاحتياجات السوق الأوروبية من الغاز الطبيعي لتتمكن بعدها روسيا من الابتعاد عن الصداع الأوكراني الذي يقف حجر عثرة أمامها في نقل الغاز إلى أوروبا.ومن الجانب السياحي، فإن الروس يشكلون أكثر من 13 في المئة من حجم عدد السياح الزائرين لتركيا، حيث بلغ عددهم نحو 4.38 مليون شخص خلال عام 2014، وسيكون أي قرار سلبي مؤثر على عدد السياح الروس قصمة شديدة لظهر تركيا، التي تعتبر فيها السياحة أحد اكبر دعائم الاقتصاد الوطني ومورداً حقيقياً للدخل يدر عليها مليارات الدولارات سنوياً.وتهيمن شركات المقاولات والبناء التركية على قطاع التشييد في روسيا وتشكل حصتها السوقية نحو 20 في المئة،حيث إن تلك الشركات تقوم حالياً ببناء مشاريع تصل قيمتها إلى أكثر من أربعة مليارات من الدولارات. كما أن الأتراك يملكون أكثر من 700 نشاط تجاري في روسيا ويعمل أكثر من مئتي ألف عامل تركي في روسيا، بينما يعتبر الروس ثالث أكبر مستثمر في قطاع العقار التركي.الشاهد من كل هذه المعلومات والبيانات الموجزة، أن أي قرار غير مدروس سيصدر من قادة أي من هاتين الدولتين، سيكون له عوائد سلبية ووخيمة عليهما جميعاً قد لا تحمد عقباها، وإن كان القيصر الروسي سيكون أكثر تضرراً من السلطان التركي، نظراً لاستمرار العقوبات السياسية والاقتصادية المفروضة عليه من قبل كل من الاتحاد الأوروبي وأميركا على وقع احتلال شبه جزيرة القرم.Email: boadeeb@yahoo.com