من خلف «خيوط الفرح» التي لفّت لبنان يوم امس بإطلاق عسكرييه الـ 16 الذين كانوا مخطوفين لدى «جبهة النصرة» مقابل الإفراج عن 25 موقوفاً في السجون اللبنانية والسورية، ارتسمت «خطوط سياسية» بدا معها هذا الملف، المفتوح منذ 2 اغسطس الماضي والذي دخل في شكل مفاجىء في دائرة الحلحلة، جزءاً من مسار ذات أبعاد او أقله تداعيات داخلية وخارجية، تتصل بمحاولات «ترييح» الواقع اللبناني من خلال «فك أسْر» ملف الانتخابات الرئاسية وبالمساعي الرامية الى ترتيب المرحلة الانتقالية في سورية وتحديد المجموعات والأطراف «المؤهّلة» للجلوس على طاولة التفاوض (السوري - السوري) وفق «معيار» الارتباط بالإرهاب او عدمه.وبمعزل عن التفاصيل «التقنية» واللوجستية لعملية التبادل التي تمت يوم امس في جرود عرسال (البقاع - نقطة وادي حميد) برعاية ووساطة قطرية شكّل المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم «وجهها اللبناني»، فإن هذا التطور الذي ارتكز على تفاهم من ستة بنود، بدا من الصعب عزله عن المناخات المرتبطة بالتحوّلات التي قد يكون لبنان وسورية مقبليْن عليها.واذا كان «يوم الحرية» لـ 3 عسكريين في الجيش اللبناني و 13 عنصراً في قوى الامن الداخلي شغل لبنان من أقصاه الى أقصاه على مدى سبع ساعات تَوزّع معها الحدَث بين جرود عرسال وبلدة اللبوة بقاعاً وصولاً الى السرايا الحكومي في بيروت حيث كان الاحتفال الرسمي بـ «العودة المنتظرة» بحضور سياسي رفيع تقدّمه الرئيس تمام سلام، فإن ما بعد هذا الحدَث يبدو مفتوحاً على عناوين أوسع بعضها سياسي وبعضها الآخر يرتبط بالجنود التسعة الذين ما زالوا مخطوفين لدى «داعش» ويشكّلون «النصف الثاني» من «ترْكة» معارك عرسال التي وقعت في 2 أغسطس 2014 بين الجيش ومسلحين من «النصرة» و«الدولة الاسلامية»، والتي تخللها في حينه أسْر أكثر من اربعين عنصر أمن وعسكرياً، بقي 25 منهم في الأسر بعدما أطلقت «النصرة» في أوقات سابقة نحو 13 من المخطوفين لديها على دفعات قبل ان تعدم اثنين بالرصاص لينضمّا الى آخريْن قام تنظيم «الدولة الاسلامية» بدوره بـ «تصفيتهما» بقطع الرأس.وجاءت استعادة العسكريين من «النصرة» بعد نحو 16 شهراَ حضر خلالها هذا الملف في المشهد السياسي كمادة خلافية احياناً حول آلية التعامل معه والمفاوضات المتصلة به وكقضية انسانية احياناً أخرى في ضوء الاعتصام المفتوح والتحركات الضاغطة من اهالي المخطوفين. وسرعان ما تم وضْع «الاندفاعة» التي أتاحت «تفكيك» التعقيدات التي حكمت هذا الملف طويلاً في سياق «مثّلث الضلع» تجاوز التقديرات التي اعتبرت ان توقيف لبنان قبل فترة شقيقة امير «النصرة» في القلمون ابو مالك التلي المدعوة سمر الهندي شكّل العامل المحرّك للمفاوضات الحاسمة (تم شمول الهندي بصفقة التبادل).ورسمت اوساط سياسية هذا «المثلث» كالآتي:* «الضلع» الأول ربط الأمر بحرص «النصرة» على تقديم صورة «معدّلة» عنها الى القيّمين على مرحلة الإعداد لنقل سورية الى مدار الحلّ السياسي بما يُبعد «الجبهة» عن توصيف الإرهاب الذي سيحرمها من اي دور في الحوار الذي لا بد ان يحصل بين النظام والمعارضة.* الضلع الثاني وجد من الصعب فصل هذا «الانفراج» عن المساعي الحثيثة لإنجاز الانتخابات الرئاسية في لبنان من خلال محاولة «تسويق» النائب سليمان فرنجية، وسط انطباع بأن الدور الذي أداه النظام السوري في إطلاق بعض الموقوفات وأطفالهن من سجونه في إطار الصفقة هو في سياق «هدية استباقية» لفرنجية، الوثيق الصلة بالرئيس بشار الاسد و«حزب الله»، بما يوفّر للمناخ الذي يرافق لعب «ورقة فرنجية» مرتكزات دعم.وكان وزير المال علي حسن خليل أبرز من أعطى «مسوغاً» لهذه القراءة اذ اعتبر «ان الانجاز اليوم (امس)»هو فاتحة إنجازات ستتوالى ويمكن أن يكون بعده انتخاب رئيس للجمهورية.* اما الضلع الثالث فهو الدور القطري الحاسم الذي ساهم في تحقيق هذا الإنجاز، والذي ربطه البعض في بيروت برغبة الدوحة في الإطلالة على الملف السوري من بوابة تأكيد قدرتها على لعب أدوار ايحابية محورية.ولم تحجب هذه الأبعاد السياسية وقائع«اليوم الماراتوني»الذي بدأ من عرسال وتحديداً من موقع التبادل في وادي حميّد حيث انتشر منذ ساعات الصباح الاولى مقاتلو«النصرة»فيما برز في محيط المكان ظهور الشيخ مصطفى الحجيري الذي لعب دوراً في الملف الى جانب الناشط الحقوقي نبيل الحلبي.وقُبيل إتمام صفقة التبادل وعودة العسكريين قرأ الحلبي بنود الاتفاق بين «النصرة»والجانب اللبناني، والذي تضمّن:- فتح ممر الزامي آمن بين مخيم اللاجئين وعرسال في شكل دائم، ما سيؤدي الى تخفيف عملية الاحتقان بين اللاجئين والقوى الامنية.- تأمين اغاثة بشكل شهري الى اللاجئين في عرسال من خلال الهيئات الانسانية- اجلاء الجرحى المدنيين وتسهيل دخولهم الى مشافي عرسال، حيث سيتم الاطلاع على لائحة بأسماء الجرحى وتسوية اوضاعهم للمعالجة داخل الاراضي اللبنانية- تأمين المواد الطبية وتجهيز مشفى عرسال.- جعل منطقة وادي حميد منطقة آمنة.- متابعة الاوضاع الانسانية والقانونية للاجئين.أما سجناء النصرة الذين تم تبادلهم هم أربعة سوريين، وفلسطينيان، ولبنانيان، إلى جانب خمس سجينات، منهن علا العقيلي وسجى الدليمي.وبدأت عملية التبادل بوصول جثة الجندي محمد حمية (كان أُعدم في سبتمبر 2014)، لتتقدم سيارات الدفع الرباعي التابعة للصليب الأحمر التي سبق أن دخلت إلى مناطق نفوذ«النصرة»وهي تحمل العسكريين الستة عشر إلى مشارف منطقة التبادل. في المقابل تحركت شاحنات الإغاثة باتجاه نقطة التبادل، حيث دخلت مقابل تقدم سيارات الصليب الأحمر بتزامن دقيق تحت أنظار مسلحي«النصرة»قبل ان يصل السجناء الـ 13 الذين أفرج عنهم لبنان وبينهم 4 سوريين ولبنانيان وفلسطينيان وخمسة نساء بينهنّ طليقة ابو بكر البغدادي سجى الدليمي وشقيقة ابو مالك التلي وعلا العقيلي وجمانة حميد، مع ترْك الحرية للمفرج عنهم بالبقاء لبنان او مغادرته او دخول جرود عرسال، وسط معلومات عن ان السوريين الذين أطلقوا من سجون النظام السوري لم يدخلوا الاراضي اللبنانية.وبعد تسلم العسكريين اللبنانيين المفرج عنهم اتجهوا مباشرة إلى مقر قيادة اللواء الثامن المنتشر في بلدة اللبوة، حيث سبقهم اللواء إبراهيم استعداداَ لاستقبالهم، وتنسيق الخطوات اللازمة لانتقالهم إلى العاصمة بيروت واللقاء مع الرئيس سلام بعدما جرى إعدادهم لهذه المناسبة بإعادة ترتيب أوضاعهم من حيث حلق اللحى وإلباسهم البزات العسكرية قبل ان ينتقلوا بموكب أمني كبير بمرافقة مدير عام الأمن العام للانضمام إلى الاستقبال الرسمي بمشاركة أهاليهم في السرايا الحكومية التي شهدت«مهرجان فرح»وأول«تلاحم» بين المخطوفين وعائلاتهم.
خارجيات
ممر إنساني ومنطقة آمنة في جرود عرسال... أبرز بنود الاتفاق
لبنان استعاد عسكرييه الـ 16 من «النصرة» في «يوم فرح»
12:26 ص