خاطب وزير التجارة والصناعة الدكتور يوسف العلي وزارة المالية لوقف جميع إجراءات الهيئة العامة للاستثمار، الخاصة ببيع القسائم الصناعية للمفلسين في المزاد العلني، على أساس أن هذه القسائم ملك للمال العام.وأثيرت القضية قبل أسابيع عندما نشرت الهيئة العامة للاستثمار إعلاناً في الجريدة الرسمية (الكويت اليوم) عن بيع قسيمة صناعية عائدة لأحد المفلسين في مزاد علني، فاستدعى ذلك نقاشاً قانونياً في وزارة التجارة حول مدى قانونية المتاجرة بالقسائم المملوكة للمال العام.ولم يكن اسم المفلس محل اهتمام وزارة التجارة، لكن ما شكل نقطة إثارته الحقيقة الاستفهام حول ما إذا كان يجوز للهيئة العامة للاستثمار أو غيرها بيع قسيمة صناعية مملوكة للمال العام واعتبارها عنصرا من عناصر تفليسة الشخص المنتفع بها؟الوقف القانوني حسمته «التجارة» بأنه لا يجوز بيع أو المتاجرة بالقسائم الصناعية في المزاد العلني وغيره من اشكال البيع، على اساس ان هذه الأراضي لها طبيعة خاصة ولا يجوز المتاجرة بها، وبناء عليه خاطب العلي وزارة المالية بإخطار الهيئة العامة للاسثمار«بوقف وإلغاء الإجراءات المتفق عليها بين الهيئة العامة للاستثمار والهيئة العامة للصناعة في شأن حقوق الانتفاع العائدة لبعض المفلسين الخاضعين لأحكام القانون 41 لسنة 1993 الصادر بشأن شراء الدولة بعض المديونيات وتحصيلها عن طريق بيع القسائم الصناعية للمرخص لهم من المفلسين في مزادات علنية».وأفادت «التجارة» في المناقشات التي فتحتها مع «المالية» في هذا الخصوص، بأن هناك خطأ متوارثا منذ فترة طويلة في اعتبار القسائم النصاعية مملوكة للمرخص لهم، وان حقوق الانتفاع المتأتية منها ومن بينها حق بيعها تعود لهم، موضحة أن هذه المفاهيم مغلوطة، ومن الآن ستعمل «التجارة» على تصحيحها.وأشارت إلى ان توجهها في هذا الخصوص ينسحب على جميع القسائم المرخصة باسم المفلسين التي لم تقم «هيئة الاستثمار» ببيعها او الاعلان عن بيعها حتى الآن، أما بالنسبة للقسائم التي سبق أو نفذت «الهيئة» بحقها مزادات فلا يمكن استردادها.ودافع العلي عن قراره بأن القسائم الصناعية تندرج ضمن املاك الدولة، ولا يجوز تملكها وتداولها بين دائرة تعامل الأشخاص، ومن ثم لا يجوز الحجز عليها او بيعها في مزاد علني، مبينا أن حق الانتفاع الوارد على القسيمة الصناعية يدور وجودا وعدما مع الترخيص الصناعي الصادر للمرخص له، وعلى ذلك فإنه متى تعرض المرخص له لأي حالة من حالات الاعسار أو الإفلاس المالي فأن حق الأنتفاع الوارد على تلك القسائم لا تعتبر القيمة السوقية له اصلا من أصول مشروع المفلس.وتعتقد «التجارة» بأن القسيمة الصناعية لا تعتبر عنصرا من عناصر التفليسة وفق قانون املاك الدولة وأحكام محكمة التمييز في شأن القسائم الصناعية، وأن هناك احكام تمييز تؤكد ذلك التوجه، علما بأن ما ينطبق على القسائم الصناعية من أحكام ينسحب أيضا على القسائم الزراعية.ومن الواضح أن «المالية» تفهمت الرأي القانوني الذي أبداه العلي، وابلغت «هيئة الاستثمار» بأن عليها وقف جميع المزادات لديها على القسائم الصناعية المرخصة لمفلسين، وهو ما ردت عليه «الهيئة» بوقف سير في جدولها الزمني المقرر في هذا الخصوص.في خط موازٍ، فتح مجلس إدارة الهيئة العامة للصناعة نقاشات بخصوص ما اذا كان هذا التوجه ينطبق على أرض القسيمة الصناعية أو على المنشأة الصناعية، وفي هذا الخصوص بدا هناك اتفاق على انه من حيث المبدأ لا يجوز بيع القسيمة الصناعية أما بالنسبة للمشروع الصناعي، فهناك بحثان، الأول اذا كانت الرخصة الصناعية قائمة وترخيص المصنع فعال وهذا سيكون محل نقاش قانونيا في الفترة القريبة المقبلة، أما اذا كان المصنع متوقفا عن العمل بالفعل ورخصته منتهية تكون المنشأة غير فاعلة وفقدت أهم مواصفات المشروع الصناعي.وفي هذا الخصوص تنشر «الراي» مذكرة بالرأي القانوني بشأن حقوق الانتفاع بالقسائم الصناعية العائدة لبعض المفلسين الخاضعين لأحكام القانون 41 لسنة 1993:"لما كان حق الانتفاع كأصل عام وفقا لما نظمته احكام المواد من 944 حتى 954 القانون المدني الكويتي - حق عيني اصلي - يخول صاحبه وهو المنتفع استعمال واستغلال شيء مملوك لغيره، فله ان يستعمله بنفسه ايا كان هذا الاستعمال مادام الشيء قد اعد له، او ان يستغله للحصول على ثماره، وهو بهذا الوصف القانوني يمثل قيدا على سلطات مالك الشيء مشروطا باستعمال الشيء واستغلاله بالضوابط المنصوص عليها قانونا او في حدود سند التصرف القانوني الصادر من المالك الى المنتفع بإنشائه.واذ كان من المقرر وفقا لاحكام القانون المدني ان حق الانتفاع مرهون في مدته واجله بسند انشائه - ان كان في بنوده تحديد لأجل انتهائه - فإن لم يعين لهذا الحق اجل اعتبر مقررا لحياة المنتفع وينتهي بوفاته بحسبان ان كسب هذا الحق لا يكون بالميراث وكذلك لا ينشأ عن الاستيلاء او الالتصاق وفقا للقواعد العامة واذا كان قانون التجارة الكويتي رقم 68 لسنة 1980 - قد نص في المادة 609 منه القانون على عدم انتهاء عقود ايجار العقارات التي يستأجرها المفلس لمزاولة تجارته فضلا عن عدم حلول الاجرة عن المدة الباقية لانقضائه بصدور حكم شهر الافلاس فإن مفترض ذلك وقوع الافلاس اثناء سريان عقد الايجار ولا يؤدي بالضرورة الى دخول حق الاجارة او الانتفاع ضمن عناصر التفليسة ومن باب اولى العين محل هذا العقد.وان كان ما سبق من احكام قانونية هو الاصل العام الا انه وبحسب ما تواترت عليه احكام القضاء في هذا الصدد يتعين النظر الى حقوق الانتفاع على القسائم الصناعية وفقا للاحكام المنظمة للترخيص بها قانونا، ومن ثم فإن هذه الحقوق الواردة على تلك القسائم التي تخصصها هيئة الصناعة للمرخص لهم بمزاولة النشاط الصناعي لا تعتبر عنصرا خالصا من عناصر الضمان العام للمفلس حيث تكون مرهونة بالشروط والاجراءات والضوابط المنظمة للترخيص بهذا الحق باعتبارها واردة على تلك القسائم حملا على سندها وهو قرار التخصيص بما تضمنه من شروط ومدة وضوابط بحيث تقتصر على مجرد هذا الحق العيني (حق الانتفاع) مجردا، بحيث لا يكون للمرخص له على الارض موضوع القسيمة المرخص بها سوى الانتفاع حق بها ما بقى الترخيص الصناعي الصادر له قائما فيبقى بدوامه ويزول بزواله فإن سقط الترخيص او انتهى لأحد الاسباب المقررة قانونا، انقضى هذا الحق بحكم اللزوم الواقعي والقانوني، حيث لا يكون للمنتفع على الارض المخصصة لمزاولة نشاطه الصناعي عليها سوى هذا الحق المجرد كما اسلفنا - ومن ثم لا تدخل القيمة السوقية لحق الانتفاع بالارض ضمن اصول المشروع المرخص بالقسيمة لإقامته عليها - فلا يجوز للمرخص له وفقا لقانون الصناعة 56 لسنة 1996 التنازل عن هذا الحق او بيعه او تأجيره او رهنه ومن باب اولى الارض الوارد عليها هذا الحق.وهذا هو المنهج الذي سلكه المشرع في الكثير من القوانين المنظمة للترخيص بالارض للانتفاع بها في اغراض تنموية او صناعية او زراعية مقصودة لذاتها - ومن ذلك نص المادة الخامسة بند 7 من القانون رقم 98 لسنة 2013 بشأن الصندوق الوطني لرعاية المشروعات الصغيرة والمتوسطة.ويأتي هذا المنهج التزاما بالاصل العام الوارد في المادة 19 من القانون رقم 105 لسنة 1980 بشأن نظام املاك الدولة من حيث عدم الاعتداد وبطلان اي تصرف من الافراد والهيئات يقع على هذه الاملاك بالمخالفة بالقانون المنظم للانتفاع بها وعدم جواز الحجز عليها.وعلى ذلك تخرج القسائم الصناعية ذاتها وحقوق الانتفاع الواردة عليها باعتبارها مملوكة للدولة من الاصول المملوكة للمرخص له ولا تعد بالتالي عنصرا من عناصر الذمة المالية له حال افلاسه بأي حال من الاحوال.ولما كان ما تقدم وكان حق الانتفاع الوارد على القسائم الصناعية مرهونا بسند انشائه - بما لا يتحقق في شأنه اعتباره عنصرا خالصا في الذمة المالية لصاحبه - باعتباره واقعا على ما لا يجوز تملكه حيث يقع الترخيص به على الاملاك العامة او الخاصة للدولة - ومن ثم لا يسوغ اعتباره عنصرا خالصا في الذمة المالية للمرخص له بالانتفاع - باعتباره لا يملك التصرف فيه مطلقا دون الالتزام بالاجراءات والشروط المقررة من قبل جهة الترخيص - وهي الدولة ممثلة في هيئة الصناعة وما يشترط في المرخص له - ويكون الانتفاع بهذه القسائم محض اجازة موقتة باستغلال القسيمة الصناعية في الاغراض المخصصة لها- ما لا يجوز معه الحجز على هذه القسيمة او حق الانتفاع المقرر للمرخص له عليها - وبالتالي لا يجوز بيعها بالمزاد العلني - ما مؤداه خروج هذه القسائم من عناصر الذمة المالية للمنتفع حال افلاسه او اعساره ومن ثم لا يجوز اعتبار القيمة السوقية لحق الانتفاع المرخص به عليها بالتالي اصلا خالصا من الاصول المملوكة للمفلس سيما حال سقوط الترخيص او انتهاء اجله من باب اولى - بما لا يجوز معه لهيئة الاستثمار الاعلان عن بيع هذا الحق ضمن اصول المفلس ويقع باطلا بطلانا مطلقا اي تصرف بالبيع له جبرا او بالمزاد العلني.وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة التمييز في الكثير من احكامها ومنها: «ان القسائم الصناعية تعتبر من املاك الدولة الخاصة وان الدولة تتصرف في املاكها الخاصة بطريق الترخيص بالانتفاع وانه وان كان يجوز للمخصص له القسيمة الصناعية ان يتنازل لآخر فإن ذلك يكون وفقا لاجراءات معينة ويشترط موافقة الدولة على هذا التنازل، وعندئذ تنشأ علاقة مباشرة بينها وبين المتنازل له مما لا يصح معه طلب الحكم ببيع حق الانتفاع بهذه القسائم بالمزاد العلني لأن ما يرد على هذه القسائم هو التنازل عن حق الانتفاع بها والذي يستلزم موافقة الدولة على هذا التنازل ولا يرد عليها البيع بالمزاد العلني بالطريقة المبينة بقانون المرافعات».(الطعن بالتمييز رقم 916/2010 مدني، الدعوى رقم 2909/2011 ت م ك ح واستئنافها رقم 1585/2013، الدعوى رقم 5247/2013 ت م ك ح والطعن بالتمييز رقم 1259/2014 تجاري).كما ارست محكمة التمييز الكثير من احكامها المتواترة مبدأ عدم جواز عرض القسائم الصناعية او الزراعية او حق الانتفاع بها للبيع بالمزاد العلني ومن ذلك ما قضت به ان (استغلال العقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة لا يتم إلا بموجب عقد ايجار او ترخيص بالانتفاع من الدولة وان الهدف هو تنظيم النشاط الصناعي وان نصوص ذلك القانون لم تفصح عن جواز عرض تلك القسائم حق الانتفاع بها للبيع بالمزاد العلني (طعن تمييز رقم 20 لسنة 2010 مدني جلسة 17/12/2004).وحيث كان ما تقدم وكان نص المادة رقم 3 من القانون رقم 41 لسنة 1993 بشأن شراء الدولة بعض المديونيات وكيفية تحصيلها قد نصت في فقرتها الاولى على ان «تنقل الى الدولة المديونية المشتراة بجميع ضماناتها العينية والشخصية».ومفاده سبق انه ولأن كانت كافة الحقوق المالية عينية كانت او شخصية تدخل في الضمان العام للديون المشتراة إلا ان ذلك لا يشمل حق الانتفاع الوارد على القسائم الصناعية في هذا الضمان باعتباره وان كان حقا عينيا ذا قيمة مالية له طبيعة خاصة موقتة يقع على املاك الدولة محكوما بسند انشائه وهو الترخيص الصناعي لا يعد ضمانا عينيا او شخصيا للمديونية المشتراة بما لا يجوز معه لمدير التفليسة - وهو الهيئة العامة للاستثمار - المطالبة بتجديد التراخيص بالانتفاع بهذه القسائم وفقا لشروطها استنادا اليه من ناحية ولوروده على ما لا يجوز تملكه من املاك الدولة التي يحظر الحجز عليها او بيعها جبرا من ناحية اخرى.لذلك:نرى وقف وإلغاء الاجراءات المتفق عليها فيما بين الهيئات العامة للصناعة والهيئة العامة للاستثمار وبشأن حقوق الانتفاع العائدة لبعض المفلسين الخاضعين لأحكام القانون 41 لسنة 1993 المشار اليه باعتبار ان هذه الحقوق وما تعلقت به من القسائم الصناعية الواردة عليها نشأت عن ترخيص موقت وارد على املاك الدولة العامة او الخاصة ما لا يجوز تملكه بأي حال من الاحوال ومن ثم تخرج عن دائرة التعامل الخاص بين الافراد بما لا يجوز معه بيعها بالمزاد العلني باعتباره ان القيمة السوقية لها لا تعد اصلا من اصول المرخص له وبالتالي لا تمثل عنصرا من عناصر التفليسة حال افلاسه.