| بيروت - من جوني طانيوس |

«أكثرُ من مجرد ظاهرة اجتماعية بكثير وأقلُ من هيستيريا جماعية بقليل»... هذا التعبير قد يبدو الأبلغ لوصف الرابط الذي جمَعَ اللبنانيين، في الآونة الأخيرة، بالمسلسلات التركية المدبلجة الى اللغة العربية، وتحديداً الى اللهجة السورية. من دون مقدمات، أضحت هذه المسلسلات حديث الساعة وشاغل اللبنانيين ومؤنسهم في أوقات الفراغ والعمل، وبغفلة من العين تحوّل نجوم هذه المسلسلات أبطالاً من عالم الخيال والجمال.انطلاقة المسلسلات التركية المدبلجة عبر الفضائيات العربية تعود الى نحو ما يُقارب العام حين عمدت شاشة «أم بي سي» الى عرض مسلسل «اكليل الورد» الذي يُحاكي المشاكل اليومية داخل المجتمع التركي وبين مختلف طبقاته، اضافةً الى قصص الحب والعشق. «اكليل الورد» لاقى نجاحاً محدوداً مقارنةً بالمسلسل الذي تلاه وحمل عنوان «سنوات الضياع» الذي يعالج، بدوره، قضايا اجتماعية واقعية كالفقر ومغريات العمل والمظاهر الخارجية والرفاهية الفارغة وصولاً الى ما تخلفه الأموال في نفوس البشر، ضمن سياق درامي مشوق يجمع شخصيات المسلسل: لميس، يحيى، تيم، عمر وغيرهم. كل هذا والمسألة بقيت في اطارها المحدود الا أن الأمور بدأت تلامس حدّ الهيستيريا، اذا صحَّ التعبير، مع بدء عرض مسلسل «نور»، بدايةً على شاشة «أم بي سي» ومن ثم على شاشة «أم بي سي 4». تدور أحداث «نور» حول عائلة سودوغلو الثرية التي يفقد ابنها مهند خطيبته في حادث مفاجئ ومؤسف ما يؤثر سلباً على حياته وحياة المحيطين به، فيقرر الجد تزويجه من نور التي كانت تحبه منذ طفولتها. عندها، تبدأ المشاكل المختلفة والمتنوعة بالظهور. وما هي الا حلقات حتى تلقف الجمهور اللبناني والعربي مسلسل «نور» برحابة صدر وأُعجب بأبطاله الى درجة العشق، وخصوصاً الممثل الوسيم كيفانكش تاتليتوغ الذي يؤدي دور مهند.

هوس أم مجرد اعجاب؟عندما تتعدى الساعة العاشرة مساءً بتوقيت لبنان، سكون غريب يعم في الأحياء والشوارع السكنية في مدينة بيروت ووحده صوت التلفاز يعلو، من بين المباني، بأصوات ممثلي مسلسل «نور» وبالموسيقى المرافقة للأحداث. في المنازل، الجميع متسمرون أمام شاشة التلفاز، يتفاعلون مع الأحداث الدرامية لكأن الأمر يعنيهم في عقر دارهم ويمس عمق أعماق حياتهم الشخصية؛ تعبس الوجوه عندما يتعكر صفو الأحداث وتنفرج الأسارير ما ان تحل المشكلة بالطريقة التي يريدها المخرج والكاتب طبعاً. كل شيء مؤجل الى حين انتهاء عرض المسلسل وفترات الراحة لا تقتصر الا على دقائق قليلة من الفواصل الاعلانية.في هذا الاطار، تقول السيدة نهى، وهي ربة منزل في العقد الرابع من العمر ومن متتبعي مسلسلي «سنوات الضياع» و«نور»، ان القصة هي التي جذبتها أولاً، «اذ انها قصة عائلية رومانسية قد تحدث مع أي شخص وفي أي زمن، بعيدة من الابتذال وفيها الكثير من القيم العائلية خلافاً للمسلسلات المكسيكية وأستمتع بمتابعتها مع كل أفراد العائلة».من جهة مقابلة، تشبّه السيدة نهى المسلسلات التركية بالمسلسلات اللبنانية القديمة لناحية القصة وما تكتنزه من قيم اجتماعية، وتضيف: «هذا ما دفعنا الى التعلق بهذه المسلسلات ومتابعتها»، لكنها تسجل، في الوقت عينه، بعض المبالغة في الرومانسية التي أضحت شبه نادرة في أيامنا هذه.وتختم نهى آملةً في استمرار نجاح المسلسلات التركية ومشيرةً الى أنه في حال دخلت هذه المسلسلات نطاق الرتابة والتكرار فمصيرها الفشل.رأي السيدة نهى يختلف مع آراء أخرى، فالسيد شريف، وهو عامل في مجال التلفزيون وفي العقد الخامس من عمره، يرى أن المسلسلات التركية هي مجموعة سخافات وتفيض بالكثير من الأمور البعيدة من المنطق ومن واقع الحياة.ويرفض شريف اعتبار المسلسلات التركية مسلسلات ناجحة، فيصف اقبال الناس عليها بـ«الفوشة» التي سرعان ما ستزول، ويقول: «مجتمعنا يتعامل مع كل جديد بكثير من الاندفاع والدهشة ولكن سرعان ما ستدخل المسلسلات التركية بوابة النسيان كغيرها من المسلسلات».وعما اذا كانت وسامة الممثلين هي التي أسست لنجاح هذه المسلسلات، يعتبر السيد شريف أن الوسامة وحدها لا تكفي، ويردف: «قد تكون وجوه الممثلين جميلة لكنهم لا يجيدون التمثيل؛ التعابير ذاتها في كل الحالات والمواقف».أما يارا، وهي طالبة جامعية في العشرين من عمرها، فلا تخفي اعجابها الكبير ببطل مسلسل «نور» الذي يؤدي شخصية مهند، وتشير الى أن متابعتها المسلسل جاءت من باب الحشرية بعد أن سمعت من أصدقائها كلاماً جميلاً عنه، وتقول: «لم أتابع المسلسل من بداياته بل سمعت القصة، التي فيها الكثير من التشويق، من صديقة لي، وعمدت الى متابعة المسلسل بنفسي وأنا، اليوم من أشد المعجبين به».وتعزو يارا سبب نجاح «نور» الى كونه يقدم نمطاً جديداً من المسلسلات يختلف عن النمط المكسيكي أو المصري، وتضيف: «هذا المسلسل ينقل واقع الحياة وما يُقال عن أن فيه رومانسية تخرج عن حدود المعقول غير صحيح؛ المسلسل يقدم مجموعة من المشاكل والعقد، وفي الوقت نفسه يقدم حلولاً لها بنكهة رومانسية خفيفة طبيعية بين أي عاشقين».وتردف يارا موضحةً أن طبيعة الحياة الاجتماعية في تركيا القريبة جداً من طبيعة الحياة في البلدان العربية شكلت عاملاً اضافياً في نجاح المسلسل وانتشاره.وعما اذا كان هذا النجاح سيستمر، ترى يارا أن، في حال دأبت المسلسلات التركية على تقديم كل جديد من دون الوقوع في فخ التكرار، فهي، ومن دون أدنى شك، ستحصد المزيد من النجاح والضجة والانتشار.وبدوره يشير عاطف، وهو طالب جامعي في الرابعة والعشرين من العمر، الى أن متابعته مسلسل «نور» جاءت نتيجة طبيعية لما سمعه من الأصدقاء والأقارب رغم أنه ليس من متتبعي المسلسلات بشكل عام، ويوضح: «أينما ذهبت أسمع الناس يتكلمون عن هذا المسلسل وصودف أنني كنتُ في زيارة لأحد الأصدقاء وشاهدت حلقة من حلقاته وبدافع الحشرية تابعت الحلقات التالية».ويرى عاطف أن مسلسل «نور» قريب جداً من طبيعية الحياة اللبنانية بشكلٍ خاص والعربية بشكلٍ عام وهذا ما جعله بسيطاً وخفيفاً، ويقول: «شعرنا أن المسلسل قريب جداً ودخل الى منازلنا وشاشاتنا بسهولة وبساطة».وعن جرعة الرومانسية في مسلسل «نور»، يراها عاطف زائدة عن الطبيعة في بعض الأحيان، لافتاً الى أن الرومانسية جزء لا يتجزأ من حياة البشر، «الا أن طريقة تقديمها وتصويرها في المسلسل فيها الكثير من المثالية ما يجعلها بعيدة من الواقع بعض الشيء»، على حد تعبيره.وعلى الرغم من ترحيبه الكبير بالمسلسلات التركية واعجابه بها، الا أن عاطف لا يرى أي مستقبل لهذه المسلسلات، مشدداً على أنها ستفقد رونقها، عاجلاً أم آجلاً.

علمُ الاجتماعقد تتفاوت آراء اللبنانيين بالمسلسلات التركية، غير أن لعلم الاجتماع وجهة نظر مختلفة. فالدكتورة مي هزاز، مديرة المدرسة اللبنانية للتدريب الاجتماعي في جامعة القديس يوسف في بيروت، لا ترى في التهافت على مشاهدة المسلسلات التركية أمراً جديداً، وتقول: «في مراحل سابقة، شهدنا اقبالاً مماثلاً على المسلسلات المكسيكية والبرازيلية والفنزويلية، وأعتقد أن المسلسلات كافة هي سبيلٌ للتسلية وتمرير الوقت بالنسبة الى الأشخاص الذين لا يسمح لهم العمر أو الطبقة الاجتماعية بممارسة نشاطات اجتماعية أو رياضية أو ثقافية ما يجبرهم على ملازمة المنازل. سابقاً، كان الناس يزورون بعضهم بعضاً أو يمضون الوقت بقراءة الكتب، أما اليوم فهم يتابعون هذه المسلسلات».وتتابع الدكتورة هزاز موضحةً أن متابعة المسلسلات التركية ليست بالعمل الخاطئ أو المعيب، وتعلل: «الانسان، بشكلٍ عام، يحتاج الى فسحة من الراحة والى متنفس للخروج من واقعه وهذا ما تمنحه اياه المسلسلات التركية التي تروي قصصاً تشبه، الى حدٍّ كبير، حياته الطبيعية؛ هذه المسلسلات تدور حول عدد من العائلات التي تجابه المشاكل المختلفة كصراع الأجيال والمشاكل العاطفية والاقتصادية ومشاكل العمل وغيرها».من جهة ثانية وتعليقاً على مسألتي وسامة الممثلين والرومانسية اللتين تميزان المسلسلات التركية، تعتبر الدكتورة هزاز أن الأمر لا يقتصر على هذه المسلسلات اذ أن البرامج التلفزيونية أَضحت بمعظمها تعتمد على الصورة وعلى جمال النجم ورشاقة جسده وشعره وعينيه بحيث أصبح الجمال في ذاته قيمة، وتردف: «كبشر، نحن نبحث دائماً عما هو جميل وفي علم الفلسفة يُقال أن ثمة ثلاث قيم: الجيد والجميل واللذيذ».وتتابع: «أضحينا نشمئز من مشاهد العنف والقتل والاجرام ونبحث عن الرومانسية والرقة، والمواطن اللبناني، بشكلٍ خاص، سئم من المشاكل السياسة ومن رؤية السياسيين يتصارعون عبر المنابر وهو بحاجة ماسة الى الحب والجمال والعلاقات السليمة بين البشر، وبالتالي لعب هذا الأمر دوراً أساسياً في نجاح المسلسلات التركية».وتستكمل الدكتورة هزاز حديثها عن العوامل المساعدة في نجاح المسلسلات التركية بالقول: «المجتمع التركي شبيه جداً بالمجتمع اللبناني، فالأتراك يعيشون القيم الحياتية والدينية، وهم، في الوقت نفسه، منفتحون على أوروبا وعلى الحضارة الغربية، أضف الى ذلك اللغة التركية التي يمكن فهمها رغم كونها لغة غريبة».وعما اذا كان للمسلسلات التركية أي أثر سلبي على المشاهد، تؤكد الدكتورة هزاز أن «هذه المسلسلات تغذي المخيلة وترسخ الاقتناع بأن ثمة عالماً جميلاً يمكن الوصول اليه وبأن ثمة أشخاصاً يحبون بعضهم بعضاً بصدق»، وتقول: «المسلسلات التركية تقدم نماذج عن أشخاص يعيشون في قصر جميل ويلبسون ملابس جميلة ما يُخرج المشاهد من واقعه الأليم ويدفعه باتجاه الحلم وتوسيع الآفاق». وتسأل: «أين الخطأ في حض المشاهد على التطور والتقدم من خلال التمثل بأبطال هذه المسلسلات؟!».وتلفت الدكتورة هزاز، ختاماً، الى أن المشاهد العربي واللبناني، بشكل خاص، يملّ بسرعة كبيرة وبالتالي سيتعامل مع المسلسلات التركية بالطريقة ذاتها التي تعامل بها مع ما سبقها من مسلسلات مكسيكية أو سورية أو مصرية. وفي وقتٍ قد تصدق فيه توقعات الدكتور هزاز أو تخيب، يبدو أن المسلسلات التركية نجحت، في مكانٍ ما، في احداث فجوة مهمة ونقطة تحول لافتة داخل المجتمعات العربية.

مفتي السعودية: مسلسل «نور» منحطوصف مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مسلسل «نور» التركي بأنه مسلسل منحط ومنحل وأي محطة تبثه تكون قد أعلنت الحرب على الله ورسوله. وقال آل الشيخ في فتوى أصدرها: «هذا المسلسل اجرامي خبيث ضال ضار مؤذ مفسد ولا يجوز مشاهدته لأن فيه من الشر والبلاء وهدم الأخلاق ومحاربة الفضائل». وأكد آل الشيخ أن المسلسل يدعو الى الرذيلة ويحبذها وينصرها ويؤيدها وينشر أسبابها.

قصر «عبود أفندي»لم يقتصر النجاح الكبير الذي حققه المسلسل التركي «نور»، في الآونة الأخيرة، على أبطال المسلسل أو الرواية بحد ذاتها، بل طال، وبشكل لافت، القصر التاريخي الذي شهد تصوير أحداث المسلسل أو قصر «محمد عبود أفندي»، ليجعل من تركيا الوجهة السياحية للكثيرين الراغبين بزيارة الموقع.وتؤكد ادارة القصر أن هناك اقبالاً كبيراً على زيارة القصر وشراء التذكارات الخاصة بالمسلسل، ومن الأمثلة على ذلك أن امرأة يمنية اشترت مجموعة أغطية الأسرة الخاصة بسرير نور في المسلسل لقاء مبلغ تجاوز 4600 دولار أميركي، في حين بلغ ثمن احدى السجادات المصنوعة من الحرير الطبيعي نحو مليون دولار فيما تفاوتت أسعار السجادات الأخرى في القصر ما بين 5 آلاف و21 ألف دولار.وعُلم أن مشاورات جدية تجري لبيع القصر بأكثر من 75 مليون يورو، واللافت أن المسؤول عن بيع القصر هو شقيق الممثل الذي أدى شخصية «مهند» في المسلسل.اشارة الى أن قصر «محمد عبود أفندي» بُنيَ قبل أكثر من مئة وخمسين عاماً على شاطئ مضيق البوسفور كغيره من القصور التركية الراقية هناك وبعد أن هُجر لأكثر من عقد من الزمن بعث مسلسل «نور» الحياة بداخله من جديد.

غريب!

تتنوع القصص الغريبة التي نسمعها ونقرأها يومياً عن مفاعيل وتأثيرات المسلسلات التركية داخل مجتمعاتنا العربية، ففي البحرين، وبحسب ما ذكر أحد المواقع الالكترونية - منحت فتاة زوجها، الذي لم تزف اليه بعد، مهلة أسبوع واحد فقط ليغير هندامه وتسريحة شعره وسلوكه ليصبح نسخة طبق الأصل، في الشكل والتصرفات، عن «مهند» بطل المسلسل التركي «نور» أو يطلقها. وما كان من الزوج الا أن منحها ما طلبت وطلقها.وبحسب الموقع أيضاً، فقد أقدم أحد المواطنين البحرينيين على هجر زوجته بعدما أعلنت، صراحةً، أنها تتمنى السهر مع «مهند» ليلة رومانسية واحدة ومن ثم لا تريد شيئاً من هذه الدنيا. وبدافع الغيرة والكرامة، أرسل البحريني زوجته الى بيت والدها ومنحها الطلاق بعد أن اهتزت ثقته فيها رغم أن بينهما طفلة.أما في السعودية، ووفقاً لتقارير صحافية، فقد أثارت احدى السيدات دهشة الحاضرين في عزاء في مدينة جدة، حين سألت عن مكان التلفزيون لمشاهدة المسلسل التركي «سنوات الضياع». وروت احدى الحاضرات أنه بينما كان الجميع مشغولاً بطقوس العزاء واعداد القهوة والشاي للمضيفات، جاء الطلب المفاجئ من تلك السيدة وهي تسأل «أين أجد التلفاز؟!»

... وبطلا مسلسل «نور»

رسم كاريكاتوري يظهر مسلسل «نور» على أنه أحد أمراض العصر