رغم نجاح بيروت في «الالتفاف» على البرقية الروسية التي طلبت من هيئة الطيران المدني اللبناني عدم استخدام المجال الجوي المقابل للأراضي اللبنانية ضمن مساحة وارتفاع محدّديْن لمدة ثلاثة أيام ابتداءً من منتصف ليل الجمعة - السبت بداعي تنفيذ مناورات بحرية في المتوسط، فإن تَزامُن «قرار» موسكو مع الذكرى 72 لاستقلال البلاد، أعطى هذا التطور بُعداً سياسياً لافتاً بلغ حدّ اعتباره من لبنان «انتهاكاً للسيادة» وتَجاوُزاً للاصول الديبلوماسية في تبليغ الدول والتشاور معها، لا سيما ان ما وُصف بـ «أمر العمليات» الروسي جاء عبر ضابط في البحرية ولم يمرّ عبر الخارجية اللبنانية ولا اي قناة رسمية أخرى.وفي حين شهد مطار رفيق الحريري الدولي امس حركة إقلاع وهبوط عادية، حيث سيّرت شركات الطيران رحلاتها وفق المواعيد المحددة لها سابقاً باستثناء «شركة الخطوط الجوية الكويتية» التي ألغت رحلاتها من والى لبنان مدة ثلاثة ايام ابتداء من السبت، وذلك وفق «المسار الآمن» الذي جرى تنسيقه مع قبرص، فإن التداعيات الديبلوماسية لـ «سوء التصرف» الروسي عبّرت عن نفسها من خلال كلام رئيس الحكومة تمام سلام بعد تبلُّغه من وزير النقل غازي زعيتر بالبرقية الروسية حول ضرورة عدم استعمال مسارات معينة في المتوسط سيتم استخدامها في المناورات العسكرية عن «اننا دولة مستقلة ذات سيادة. وإذ نتفهم الضرورات العسكرية الروسية، نتمسك بالقرار الوطني من دون السعي الى افتعال أزمة ديبلوماسية حرصاً على العلاقات الثنائية والجيدة مع روسيا».ومع ان لبنان رفض بعد مراجعة سلام الامتثال للطلب الذي ورد من البحرية الروسية والذي كان من شأنه وقف حركة الملاحة الجوية من والى لبنان وأرسل كتب احتجاج الى موسكو وكتباً مماثلة الى المؤسسات الدولية المعنية، الا انه اختار اعتماد خيار تبديل المسارات الجوية من وإلى مطار بيروت تفادياً لقفل المطار طوال مدة المناورة، فكان القرار باستبدال المسارات العادية للطيران بخط الجنوب ذهاباً وإياباً بما يعني أن الطائرات التي ستقلع أو تحط في مطار بيروت آتية من الغرب ستمرّ فوق جنوب لبنان أي فوق صيدا والصرفند، وذلك بالتنسيق مع مديرية الطيران المدني في قبرص التي وافقت على فتح ممر الطوارئ بينها وبين لبنان بما سمح بتوفير مسار آمن للطيران اللبناني الذي لا يحلق فوق اسرائيل نتيجة حال العداء مع الدولة العبرية. علماً ان هذه المسارات الجديدة تَرتّب عليها زيادة مدة الرحلات نحو ثلاثة ارباع الساعة الى دول أوروبا والخليج العربي.وأكد الوزير زعيتر «ان لبنان أخَذ ضمانات من قبرص بأنّ إسرائيل لن تتعرض للطيران اللبناني ولن تجري مناورات على هذا الخط الجوي»، موضحاً «ان تغيير المسار سيرتّب فقط تأخيراً محدوداً على بعض الخطوط الجوية».وأضاف: «البرقية الروسية (تلقاها لبنان يوم الجمعة) كانت مفاجئة تتحدّث عن مناورات بحرية من صفر الى 60 ألف قدم وتحظِّر الطيران في هذه المنطقة، وأمام لبنان حتى منتصف الليل لأخذ إجراءاته على مدة 3 أيام، فماذا نفعل في هذه الحال؟ لم يكن أمامنا سوى الرفض مباشرةً، تماما كما فعلت قبرص، وأرسلنا برقية احتجاج، ولكن عدنا وأوجدنا مساراً بديلاً بعدما أصرّ الجانب الروسي على طلبه، لعدم تعريض سلامة المسافرين للخطر، وأبدينا تعاوناً مع طلبه».ونُقل عن مصدر عسكري لبناني توضيحاً لما شاع عن «خلفية عسكرية» للطلب الروسي ان قيادة الجيش «لم تتبلّغ نيّة موسكو القيام بعملية جوّية على حدود السلسلة الشرقية الفاصلة مع سورية، أو توجيه ضربات لتنظيمَي (داعش) و(النصرة)، أو انطلاق الطائرات الحربية الروسية من حاملات الطائرات في البحر وخرق الأجواء اللبنانية لتنفيذ ضربات على الحدود أو داخل سورية».وقوبلت الخطوة الروسية بانتقادات سياسية حادة ولا سيما انها اتت غداة زيارة وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل لموسكو، وكان النائب وليد جنبلاط الذي واكب مع الرئيس سعد الحريري هذا التطور عن كثب هو الأكثر حدة في انتقاده اذ «غرّد» عبر «تويتر» أنّ برقية البحرية الروسية تجسّد «فعل قرصنة من جانب الروس»، واصفاً «التسوية التي تم التوصل إليها لاستخدام مسار جوي أطول» بأنها الطريقة التي «يجب التعامل بها في هذه الأيام مع قراصنة البحرية الروسية».أما النائب مروان حماده فاعتبر أن «ما جرى بالامس فضيحة دولية إن بالتعامل الروسي مع الدولة اللبنانية أم بتعامل دولتنا مع هذا السلوك الروسي».يُذكر ان ادارة شركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية كانت أعلنت أنّ كل رحلاتها نهار السبت ستقلع في المواعيد المحددة لها، وأنّ بعض الرحلات الجوية المتجهة إلى دول الخليج العربي والشرق الأوسط ستستغرق وقتاً أطول، بسبب سلوكها مسارات جوية جديدة.أما شركة الطيران الفرنسية فأعلنت تقديم موعد الرحلة التي اتجهت فجر امس، من بيروت إلى باريس 50 دقيقة، نظراً للطلب الروسي.