يستمرّ الوضع الأمني متقدّماً على كل الأولويات والاهتمامات الداخلية في لبنان بعد أسبوعٍ من التفجيريْن اللذين حصلا في منطقة برج البراجنة في وقتٍ بدأت تتقدم معه أيضاً بشكل لافت موجة توقّعات ايجابية حول الحوار السياسي انطلاقاً من مؤشراتٍ مرِنة ظهرت بين تيار «المستقبل» (يقوده الرئيس سعد الحريري) و«حزب الله».والواقع ان أوساطاً سياسية مطلعة أوضحت لـ «الراي» أمس «ان ثمة أرضية جديدة يمكن البناء عليها في توسيع رقعة فسحة من المرونة، ولا نقول بعد الانفراج، في التعامل الأولي مع ما طرحه الامين العام لـ (حزب الله) السيد حسن نصرالله في مناسبتيْن متعاقبتيْن كانت آخرهما غداة تفجير برج البراجنة في شأن ما سماه التسوية الشاملة التي تتضمن الاتفاق على ملفات انتخابات الرئاسة والحكومة وقانون الانتخاب. اذ ان هذا الطرح الذي تعمّد نصرالله ان يلفت الى انه لا يعني ابداً الدعوة الى مؤتمر تأسيسي، عكَسَ للمرة بوضوح انه يندرج تحت سقف اتفاق الطائف، الأمر الذي أثار أجواء ايجابية لدى (المستقبل) وغالبية قوى 14 آذار التي تعاملتْ معه للمرة الاولى بإيجابية نسبية».ولكن الأوساط لفتت الى مبالغات بدأت تتردّد حول آفاق هذا الطرح وما يمكن ان يستتبعه، بدليل اختلافٍ برز حيال تفسير كلام لرئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد في الجولة الأخيرة من الحوار الوطني حين اعتبر ان موقف نصرالله ليس جديداً. وقد فسّرت بعض شخصيات 14 آذار هذه الاشارة على انها بمثابة تخفيف من الطرح او حتى تراجع عنه.ولكن الاوساط المطلعة تقول ان كلام رعد جاء في معرض ردّه يومها على مداخلة للرئيس فؤاد السنيورة الذي أثار فيها مجدداً موضوع سلاح «سرايا المقاومة» وتدخل «حزب الله» في الحرب السورية فاتّسم رد رعد بانفعال ولكن ذلك لا يعني ضمناً التراجع عن طرح نصرالله. ولعل ما يثبت ذلك ان الاتصالات استؤنفت بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري للاتفاق على موعد جديد لجولة الحوار المقبلة بين التيار والحزب في عين التينة والتي يرجّح انعقادها مساء الثلاثاء المقبل بعدما كانت أرجئت هذه الجولة مرتان بسبب الجلسة التشريعية التي عقدها مجلس النواب ومن ثم تفجير برج البراجنة.وتؤكد الاوساط نفسها ان طرح نصرالله وموقف «المستقبل» منه سيكون البند الاساسي في الجولة المقبلة من حوارهما، مما يضفي جدّية على هذا التطور من دون ان يعني ذلك التسرع في إضفاء توقعات مسبقة على نتائج الحوار في شأنها لان الأمر لا يزال في بداياته ودون بلورته الكثير من التعقيدات والمعطيات الغامضة داخلياً واقليمياً.ومع ذلك لا يمكن التقليل من أهمية انطلاق الحوار بين هذين الفريقين الاساسيين حول طرْحٍ يتناول تسويةً سياسية شاملة اذا قيّض لهذا الحوار ان يقلب الانطباعات القائمة حول عقم الحوار الجاري بينهما منذ مدة طويلة، لان من شأن ذلك ان يفتح نافذة مهمة للغاية على حسابات جديدة لديهما ولا سيما لدى «حزب الله» على مشارف مرحلةٍ محفوفة بالكثير من الأخطار والمحاذير داخلياً واقليمياً.وانشغلت بيروت في ظل هذه الأجواء بالتحرّي عن حقيقة ما أشيع عن لقاء عُقد في باريس بين الرئيس سعد الحريري ورئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية، وخصوصاً مع مسارعة الرجلين الى تأكيد وجودهما في باريس لكن نفي حصول ايّ لقاء بينهما.ورغم نفي مصادر الحريري ومكتب فرنجية لخبر اللقاء المرتقب بينهما مساء امس كما ذكرت محطة «M.T.V»، فان الاوساط السياسية الواسعة الاطلاع التي لم تجزم في إمكان حصول اللقاء لم تستبعده ايضاً، خصوصاً في ضوء ملابسات مشابهة كانت حصلت في لقاء سابق مماثل عُقد بين الحريري وزعيم «التيار الوطني الحرّ» العماد ميشال عون.وتكتسب التكهنات في شأن هذا اللقاء اهميتها كون فرنجية (احد المرشحين الموارنة الاربعة الاقوياء لرئاسة الجمهورية) يتصرّف منذ مدة وكأنه صاحب حظوظ مرتفعة في الوصول الى رئاسة الجمهورية التي تعاني فراغاً منذ اكثر من عام ونصف العام بسبب تعطيل تحالف «حزب الله» والعماد عون للعملية الدستورية.وعلمت «الراي» ان فرنجية، اللصيق بالرئيس السوري بشار الاسد وحليف «حزب الله»، كان بدأ تمايزاً عن مرشح فريقه (8 آذار)، اي العماد عون بعدما همس احد وزراء «تيار المستقبل» في أذنه بإمكان دعم وصوله الى رئاسة الجمهورية.وقالت اوساط على صلة وثيقة بهذا الملف لـ «الراي» ان فرنجية كان فاتح «حزب الله» بما أبلغه اليه «المستقبل»، مشيرة الى انه رغم «ان الحزب لفت فرنجية الى ان في الأمر مناورة هدفها دقّ اسفين بينه وبين عون، فان فرنجية بدا مقتنعاً بما أوحي اليه من (تيار المستقبل)».وذكرت هذه الاوساط ان مما زاد من شعور فرنجية بأن ثمة فرصة جدية تنتظره في الملف الرئاسي ثناء زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط على دور فرنجية الذي «اللي بقلبه على لسانه»، وهو ما ردّ عليه فرنجية بالقول ان موقف جنبلاط «ديْن في رقبتي».ورغم استبعاد شخصية نيابية مرموقة في «14 آذار» حدوث أيّ خرْق في الملف الرئاسي قبل ان تتضح طبيعة التسوية في سورية نتيجة الموقف المتشدد لايران، فإنها قالت لـ «الراي» ان «سليمان فرنجية بعد رحيل الأسد سيكون غير سليمان فرنجية الذي عرفناه مع وجود الأسد على رأس النظام في سورية».ورأت أوساط مراقبة انه في حال صح خبر حصول لقاء بين الحريري وفرنجية يكون الأول أصاب عصفورين بحجر واحد، فهو وسّع الهوة بين عون وفرنجية من جهة وبعث بـ «رسالة ما» الى حليفه رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الذي كان رفع اخيراً من وتيرة حملته على نواب مسيحيين مستقلين غالبيتهم ممن يدورون في فلك «تيار المستقبل».