عاشت أوروبا اسبوعاً عصيباً فرضته الهجمات الإرهابية التي نفذتها جماعة تنظيم الدولة الإسلامية المتطرفة «داعش» على العاصمة الفرنسية باريس، وحصدت 129 قتيلاً وأكثر من 352 جريحاً.هذه الهجمات التي وصفت بالأعنف على فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية، تركات آثارا سلبية على مفاصل الحياة كافة لا سيما الرياضية منها ليس في فرنسا فحسب بل في شتى القارة العجوز. واحدثت العملية الإجرامية إرباكا لدى الأجهزة الأمنية في الدول الأوروبية المعنية في حروب منطقة الشرق الأوسط، ويتهدّدها خطر الإرهاب، في كيفية تأمين الحماية لإقامة المباريات الدولية او لقاءات الدوريات الأوروبية، بعد التفجيرات التي وقعت خارج استاد «دو فرانس» في ضاحية سان دوني الذي كان يستضيف مباراة ودية بين فرنسا «الجريحة» وألمانيا. علما ان منفذي العملية كانوا ينوون اقتحام الملعب حيث كان يتواجد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، والتفجير في داخله بهدف ارتفاع حصيلة الضحايا، ما يشير الى ان الرياضة اضحت مستهدفة هي أيضا.دفعت هذه الأحداث الأمنية المؤسفة، بالأوروبيين الى رفع درجات الإجراءات الأمنية في الملاعب خشية تكرار ما حدث في باريس في 13 نوفمبر، واعتبر بمثابة 11 سبمتبر جديد، واحترازاً تقرر الغاء مباراتي ألمانيا مع هولندا في هانوفر، وبلجيكا مع إيطاليا في بروكسل، حفاظا على سلامة الجماهير، رغم الإجراءات التي اتخذت وحولت الملعبين إلى ثكنات عسكرية.في هذا الوقت انتقل المنتخب الفرنسي مثقلا بجراحه الى لندن للقاء نظيره الإنكليزي الثلاثاء على استاد «ويمبلي» في مباراة كانت تحديا واضحا للإرهابيين من جهة، وإظهار التضامن والتعاطف مع فرنسا في مواجهتهم من جهة أخرى. قائد المنتخب الإنكليزي واين روني علّق على اللقاء قائلاً: «أظهرنا مدى التكاتف والتوحد مع أنفسنا ومع فرنسا، وبإمكان كرة القدم مساعدة الكثير من الناس، وهي لا تتعلق بالدين أو العرق، ولكنها ترتبط بالتآزر والعمل الجماعي». مضيفاً: «أن الجميع في العالم كافة يمكنهم الانضمام إلينا. كل شخص بحاجة لأن يقف شامخا وينضم لنا في هذه الأوقات العصيبة».وتنفس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم «يويفا» الصعداء من ان هجمات باريس نفذت، بينما تصفيات كأس أوروبا المقررة في فرنسا عام 2016، تلفظ أنفاسها الأخيرة من خلال اقامة مباريات الملحق التي اكملت عقد المنتخبات الـ 24 المتأهلة الى النهائيات. ليبدأ الحديث عن مدى قدرة الفرنسيين على استضافة الحدث في ظل المخاوف الأمنية التي قد تخيم على أجواء الـ «يورو» من لاعبين وجماهير، رغم تأكيد اللجنة المنظمة على ان الهجمات الإرهابية على باريس لن تثير الفوضى ولم تعق تنظيم البطولة وان أمن الجماهير سيكون مضمونا بما يمنحهم فرصة حضور المباريات بلا خوف.ومع هذه التأكيدات والتطمينات، فإن تفجيرات باريس تجعل من الصعب الاعتقاد بأن تكون كأس أوروبا حدثاً سعيداً ومهرجاناً احتفالياً، بعد ان أصبحت الملاعب في أوروبا في مرمى «النيران غير الصديقة»!وما زاد من المخاوف والشكوك في تنظيم البطولة القارية بنجاح، الهجوم الإرهابي في يناير الماضي على مقر مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية الساخرة. وتسبب في مراجعة للخطط والإجراءات الأمنية. وبدا رئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم نويل لوغراي، قلقا بعد هجمات الجمعة الماضية بقوله: «العديد من الإجراءات الوقائية اتخذت ولكن علينا أن نعي أن الإرهابيين يمكنهم شن هجماتهم في أي وقت. كانت لدينا مخاوف بشأن البطولة الأوروبية. والآن، أصبحت المخاوف أكبر».وستكون باريس على موعد مع تحدٍ في 12 ديسمبر المقبل، حيث تجرى قرعة النهائيات في قصر المؤتمرات غرب العاصمة الفرنسية. ولن تكون عودة مدرب منتخب ألمانيا يواكيم لوف إلى باريس لحضور القرعة أمرا يسيرا بعد ليلة الرعب التي عاشها والمنتخب خلال الأحداث الدامية، فيما أعرب مدرب منتخب إيطاليا أنطونيو كونتي عن مخاوفه واصفا الموقف بأنه «مروع».وفي ظل هذه الأجواء المضطربة، تعود البطولات الأوروبية اليوم، واصرار من الاتحادات المعنية على اقامة المباريات في مواعيدها. حيث تتجه الأنظار غدا الى مدريد التي تستضيف الـ «كلاسيكو» الإسباني بين ريال مدريد وبرشلونة، الذي يقام وسط تدابير أمنية مشدّدة.كما أكد الرئيس المشارك الموقت للاتحاد الألماني راينهارد راوبول في بيان أن مباريات المرحلة الـ 13 من الدوري ستقام في مواعيدها.واعلنت الشرطة الألمانية أنها و«بسبب الوضع العام، تمّ رفع مستوى التأهب، سواء بشكل ظاهر أو مستتر»، وأكدت أنها «قادرة على تأمين سير جميع مباريات البوندسليغا».ومن هذا المنطلق، شدّد قائد بايرن ميونيخ فيليب لام على «ثقته غير المحدودة» بالأجهزة الأمنية. وقال لصحيفة «مونشنر ميركور» أنه في نهاية الأسبوع «لن يشعر بأي شيء آخر يختلف عما يشعر به عادة عندما يدخل الملعب». وختم: «نحن نعرف أنه لا يمكننا حماية أنفسنا بشكل مطلق، وإذا كنا نفكر هكذا، فعلينا ألا نغادر منازلنا إطلاقا».